وداعا، أيها الحبيب // بقلم د. عمر الفاروق بن محمد زين العابدين

بقلم  د. عمر الفاروق بن محمد زين العابدينتأبين العلامة الوالد محمد بن زين العابدين الشهير بأبي شامة 

الحمد لله حمد الشاكر على آلائه، المقرِّ بنعمائه الصابر على ابتلائه حمداً يوافي جميع نعمه و آلائه، والصلاة والسلام على عبده الذي اصطفاه، وحبيبه الذي من بين خلقه اجتباه سيد الأولين والآخرين وصفوة أنبيائه أجمعين، وعلى آله وزوجاته الطيبين وصحابته الميامين ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد، من المراحل التي يمر بها المكلوم، و يتقلب بين مراتبها المصدوم، و يطارح آلامها المأزوم، ما يعرف عند الأطباء بمراحل صدمة الأحداث الكبرى، التي تبدأ بالصدمة فالإنكار ثم القبول، و يعلم الله أني و إلى حين هذه اللحظة التي أكتب فيها  كتابي هذا، أمر بمرحلتها الأولى، غير مصدقٍ أن عَلَمَاً من الأعلام وعظيماً من العظماء، و صفوةً من عباد الله الكرماء قد غادر دنيانا بغير رجعة، كيف لا، و المَنْعِيُّ كان ليَ الحياة بأسرها، حلوَها دون مرِّها، و يسرها دون عسرها، مَنَّ الله علي أن كان والدي إذا عُدَّتِ الأنساب، و شيخي دون كل مدونة و كتاب، أقول:

مِلْحَ الحَيَاةِ وَ كُنْتَ الظِّلَّ وَافِرَهُ                  

و جَنَّةَ اللَّهِ فِيْ أَرْجَائِهَا الرَّغَدُ و كُنْتَ شَمْسَ شِتَاءٍ لا غُرُوْبَ لَهَا                

وْ كُنْتُ نَجْمَ مَدَارٍ حَوْلَكُمْ سَعِدُ و اليَوْمَ أَيَّ مَدَارَاتٍ أَطُوْفُ بَهَا              

ضَرْبٌ مِنَ التَّيْهِ مَا أَلْقَى و مَا أَجِدُ شهر مضى منذ أن آبت روحه الطاهرة إلى باريها، واختاره الله إلى جواره مَرْضِيَ النفس راضيَها، شهر مرَّ كأنه قرنٌ، لا أصدق أني لا أستطيع سماع دعواته، و لم أعد أتمكن من تقبيل يديه و رؤية ذاته، و لن يتسنى لي خدمته بعد الآن في أوقات شغله و خلواته.

أقول: اللهُ يَعْلَمُ كَمْ غَمَّاً أُكَابِدُهُ                              

و اللهُ يَعْلَمُ أَنِّيْ عَاجِزٌ حَرِدُ شهرٌ مضى تلقيت فيه من التعازي ما لو جمع لكان موسوعةً، وأُلقيت فيه على مسامعنا قصائد منظومة محبوكة، و طالعنا فيه خواطرَ تأبينٍ لأنفسٍ مفجوعةٍ مكلومة، بيد أَنَّ الكل اتفق على أن خصال الحاضر الغائب، و الراحل الخالد لا يمكن لأبيات الشعر عدُّها، و لا لكلمات النثر جمعها، لكنه جهد المقل، و اعترافٌ لسيِّدٍ بالسيادة، و لرائدٍ بالريادة، و لزعيمٍ بالقيادة. ثُمَّ لما التفتت الأنظار إليَّ وأنا حاملُ اسمه، وخليفةُ نهجه، وباقي أثره، وكاتم سره، تترقبُ ما سأكتبه، و ما من الشعر سأنشده، لعلني أفي حقه، وأبلغ قدره، إذا بالعجز يحيطني ويحتويني!. ما عساي أكتب في حق رجل جمع كل المكارم، وفاقت عمامته كل العمائم، رجل جمع الله له الحسنيين، فكان رجل الدنيا و الآخرة، لكنني و أنا المقرُّ بالعجز عن بلوغ قدره، و الحائر عن بليغ وصفه، أجد من الحقيق علي أن أذكر لهذا العلم الهمام، والفارس المقدام، مواقفَ كنت شاهداً عليها، أو أحاديثَ خصَّني بها فكنت المؤتمن عليها. من الرمزيات ذات الدلالة – على علو قدر الوالد عليه رحمات الله – تلكم الشامة المباركة في وجهه المبارك الشريف، والتي رافقته منذ ولادته إلى لقاء ربه، فكانت دلالتها الرمزية أنه شامة المعالي والقيم، والإباء و الشموخ…

ألم يقل فيه العلامة المصطفى بن معاوية:

للأرض شامٌ كثير اليمن يفضلها         

و أنت للناس شامٌ يا أبا شامه

لقد كان الراحل الكبير شامة وأي شامة، ونارا على علم في العلم الشرعي الذي أحاط بأصوله وأركانه، وخبر عن دراية فروعَ بنيانه… ولله در الأستاذ الكبير محمدن بن محمد الحافظ حين قال:

يرعاه عنوان المعالي المرتضى            

و إمام أهل الفقه والقرآن العالم النحرير والشهم الذي              

تومي له بالسبق كل بنان وقد وصفه علامة عصرنا، إمام المسجد الجامع بالعاصمة، العلامة السيد بداه بن البوصيري بأنه “من أعلم من عاصرهم بالفقه والتوحيد”. وما زلت أذكر أن العلامة بداه بن البوصيري في حجته الأخيرة، عَمِلَ برخص المذاهب، لكنه لم يجد رخصة يبني عليها عدم المبيت في منى ليالي التشريق، فأخبر الوالدَ بذلك عليه رحمات الله قائلاً : “وجدت رخصة لكل المناسك إلا المبيت”، فرد عليه الوالد عليه رحمات الله “وجدتها لك، قول ابن عباس رضي الله عنه إذا رميت العقبة فبت حيث شئت”، فَسُرَّ العلامة بداه، وقال له: ما أعلمَك. 

و علاوة على ميوله الصوفي الزاهد في الدنيا، فقد كان الوالد عليه رحمات الله محباً للسنة، رافعاً لواءها، مقدماً لها على ما سواها، حافظاً لأهلها قدرَهم، مجانباً البدعةَ والمبتدعة.

وإني لأشهد أنه لم يكن يعمل عملا إلا إذا كان له عليه دليل شرعي من كتاب الله أو من سنة رسوله ﷺ الثابتة، أو من عمل أهل القرون المفضلة، كما كان رحمه الله محباً للأولياء والصالحين، حافظاً لهم قدرَهم، ذاكراً لهم فضلَهم، و لعلَّ ذلك ما جعل شخصه -عليه رحمات الله- محلَّ إجماعٍ من جميع الأطياف. ففي أواسط الثمانينات من القرن المنصرم، و لما احتدم النقاش و كاد أن يصل – أو لعله وصل – إلى درجة الصدام، بين أهل السنة وأهل السنة المتصوفة (كما كان يصفهم دوماً عليه رحمات الله)، اتجهت إليه أنظار محبيه ومريديه، فكان كتابُه الشافي، وجوابه الكافي “الأجوبة الشافية في مصادر الشريعة الإسلامية”، حيث انتصر لسنة رسول الله ﷺ، ثم أتبع ذلك بكتابه الرصين، و مُؤلَّفِه الثمين “القول الواضح المبين، في جواز التبرك و التوسل بسيد المرسلين ﷺ “. وهكذا كان ديدنه عليه رحمات الله، وسطيا يحب الوسط، معتدلا يعشق الاعتدال، عالماً مُقِلّاً في الفتوى، كارهاً الإجحاف بالأمة، حنوناً عليها، مريداً لها الرفعةَ وعُلُوَّ المكانة. كُنْت، ذات زيارة، في مَعِيَّتِه -عليه رحمات الله- خلال إحدى زياراته للمدينة المنورة، فاحتفى به أكابر علمائها، وكانت ليلة سَمَرٍ لا تُنسى، أتحفهم فيها بفتوته وعلمه وشعره وأدبه، ولما كاد الليل أن ينتصف، تقدم له أحد قضاة المدينة، طالباً رأيه في قضية عرضت عليه لشخصٍ أقسم بالنبي ﷺ، واحتار القاضي أي عقوبة يوقعها في حقه، و هل حرمت زوجته، إلى غير ذلك مما ثد يترتب عليه حسبما يرى القاضي في حينه أنه هو الصواب، فإذا بوالدي و شيخي عليه رحمات الله يعيد للسمر حيويته، فقام بشرح القَسَم لغةً واصطلاحاً، ثم عَرَّجَ على الأمثلة من شعر العرب، ثم شرح قوله تعالى : ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ وانتهى إلى أن أمر القاضي بإطلاق سراح الرجل و أن لا شيء عليه علاوة على أنه أُمِّيٌ. لقد كان مما يميز الوالدَ -عليه رحمات الله- عن كثير من علماء عصره، إلمامُه باللغة العربية، فقد كان فارسها الفَتِيْ، وأمينها القَوِيْ، وكان لا يبدأ بشرح مسألة إلا بعد شرح ما تقوم عليه لغةً مستدلا بكلام العرب وشعرها، فدانت في حضرته رقاب الفقهاء، وأقرَّ له بالسبق العلماء. من ذلك أنه سأله العالم الجليل والشيخ الفضيل عبد العزيز بن باز في أحد لقاءاتهما عن ثمانِ مسائل، فما أجاب عن أيٍّ منها إلا بعد أن أحاط بشرح ما تقوم عليه من كلام العرب ومن شعر الجاهلية، فاستغرب تلامذة الشيخ من إقحام اللغة في مسائل شرعية، فتبسم عليه رحمات الله، و قال لقد قيل لابن عباس من قبل: “الله يا ابن عَبَّاسٍ، إِنَّا نَضْرِبُ إِلَيْكَ أَكْبَادَ الإِبِلِ مِنْ أَقَاصِي الْبِلادِ نَسْأَلُكَ عَنِ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ، فَتَتَثَاقَلُ عَنَّا، وَيَأْتِيكَ غُلامٌ مُتْرَفٌ مِنْ مُتْرَفِي قُرَيْشٍ فَيُنْشِدُكَ :

رَأَتْ رَجُلا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ فَيُخْزَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيَخْسَرُ فَقَالَ لَيْسَ هَكَذَا قَالَ . قَالَ : فَكَيْفَ قَالَ ؟ ، فَقَالَ : قَالَ :

رَأَتْ رَجُلا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ  *** فَيَضْحَى وَأَمَّا بِالْعَشِيِّ فَيَخْصَرُ

فَقَالَ : مَا أَرَاكَ إِلا وَقَدْ حَفِظْتَ الْبَيْتَ، فقال له أخذت منها تفسير قول الله عزَّ و جلَّ : ﴿وَلا تَضْحَى﴾. كان الراحل شامةً في الشعر، فقد كان شاعراً لا يشق له غبار، مَلَكَ زمام الشعر، و أناخ راحلته وامتطاها، فَنَّاً، و ذَوْقَاً، و حِبْكَةً، و دِرَايَةً، و وَصْفَاً و إبداعاً، و لم يكن شعرُه شعرَ الفقهاء كما يقول الدكتور يحيى بن جار الله الخليفة، بل كان العاشقَ في غزلِهِ، المتمكنَ في وصفِهِ، الجوادَ في مدحِهِ، الأمير في فَخْرِهِ والإنسان في رثائه. و لا أدلَّ على ذلك من قصائده التي ذاع صيتها، فعندما أرادت جامعته، جامعة الملك عبد العزيز، أن تتباهى على كل الجامعات في حضرة خادم الحرمين الشريفين الملك الفهد بن عبد العزيز رحمه الله، كان شعره حاضراً لِيٌعْلِيَ القامة، و يُنٍيْرَ الجبين و الهَامة، فكانت رائعته:

بجامعة المليك عُوجوا و سَلِّمُوا              

سيلقاكم فيها البها و التقدمُ قصيدة مازالت إلى يومنا هذا –على الرغم من مرور ثلاثين عاماً- منتصبةً كالسيف البتار في متحف الجامعة، تحكي عنفوان الحدث. وإلى ذلك، كان شاعر بلده ووطنه، حكى لسان الفيصل بن عبد العزيز في حرب 1973م بقصيدته العصماء الشهيرة:

شفاءُ همومي في التحام الكتــــــائب                  

و نيل أماني في مواضِي القواضب وتركك في أرض الصهاينِ مجلساً                   

قراراته كل الأماني الكواذب فلن يقهر الأعداء إلا كتائبٌ                            

تطير لها الهامات عند التضارب وأبدع في وصف فرحة شعبه بشفاء قائده خادم الحرمين الشريفين الملك الفهد بن عبد العزيز، بقصيدته:

الكون مذ عوفيت تم شفاؤه                            

و الداء داء الدين أنت دواؤه ذي أمة الإسلام عَجَّت بالدعا                          

و الكون عَجَّت أرضه و سماؤه دافع  عليه رحمات الله بشعره -كما بعلمه- عن وطنه ضد مرض الإرهاب المتفشي، خاصة في قصيدته (خوارج العصر)؛ ثم اختتم المشهد الشعري الوطني برائعته السديدة، وأيقونته الفريدة :

لِمَيَّةَ دارٌ بالحجاز يَرُوْمُهَا                                

مُحِبٌ لَهُ بالأَمْسِ لاحت رُسُوْمُهَا يلومونني في وصل قومٍ على الهوى                   

و للأخت قومٌ لا تزال تلومها و لو علموا ما كان بيني و بينها                      

لما كان لوّامٌ بلومٍ يلومها وكما سَجَّل شعرُه حضوراً في عمله الأكاديمي، فإنه كان حاضراً في العمل الدبلوماسي، ومن أمثلة ذلك رائعته التي ألقاها بمناسبة قمة رؤساء دول منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، تلك القصيدة التي أقسم في حينها الشيخ زايد بن سلطان أنه لم يعرف شاعرا أشعر منه:

إلى قومي أبوحُ بها جهارا                            

لترفع رايةُ الدين انتصارا

إلى أن يقول : فيا أم القرى فلتذكريهم                                 

غداة رسولنا مسك الستارا و كانت لقبيلته في شعره نصيب كبير، وحظ وفير :

وادي الإله به أهلٌ و جيرانُ                           

هاجت لذكرهمُ في القلب أحزانُ إلى أن يقول:

هم أربعون جواداً أبحرٌ كرما                            

 بيض الوجوه على المعروف أعوانُ هم جددوا الدين إذ مالت دعائمه                     

فانتاشه فتية في الروع فرسانُ هم المصيبون إن قالوا و إن حكموا                   

فحكمهم في الورى عدلٌ و ميزانُ لكن أَعْذَبَ شعره وأنْقَاه، وكلُّه عذب نقي، وأَبْلَغَهُ وأبْهَاه، وكله بليغ بهي، تلكمُ المدائح النبوية التي تشرف بها عليه رحمات الله وشرَّفَ بها شعره:

لطيبةَ برقٌ لامعٌ يتَأَلَّقُ                         متى لاح باتت أَدْمُعِي تتدَفَّقُ

تَيَمَّمْتُهُ وَهْنَاً و من دون وَمضِهِ             تلالٌ و أبطاحٌ و بيداءُ مغدقُ

فما نامَ مني الطرفُ في الليل كله       و لكنه للبرق قد بات يرمق

ثُمَّ لم يكن العلم والأدب ما يميزانِهِ فقط عليه رحمات الله، بل كان ذا شخصية مميزة، آخِذَاً بوصية الخَضِرِ لموسى عليه السلام ( كُنْ بَسَّامَا و لا تكن ضَحَّاكاً، ودع اللَّجاجة، ولا تمشِ في غير حاجة … الى آخر الوصية)، جوادا، حليما، سَخِيَّا كريما، لا يحب الغيبة ولا النميمة، ويكره القيل والقال، ساعياً لنفع القريب والبعيد.  ومن ثَمَّ، تعددت معارفه وصداقاته، فمن علاقاته المميزة بحكام بلده، علاقاته بالملكين الفيصل والفهد، وبولي العهد سمو الأمير نايف بن عبد العزيز عليهم رحمة الله، إلى علاقاته بقادة الدول العربية والإسلامية، وأذكر استدلالاً لا حصرا الرئيسَ المختار بنَ دَاداه، والشيخَ زايد بن سلطان، والرئيسَ النميري، وأمناءَ منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي ودولة نائب رئيس الوزراء الشيخ العلامة عبد الله بن بيه، والقائمة تطول. اهتم الراحل الخالد بأمور أمته، و حَمِلَ قضاياها في أروقة منظمتي المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، يفرح لفرح الأمة، و يحزن لأبسط مصاب يصيبها، و كانت دعواته لأمته حاضرة آناء الليل و أطراف النهار، وممن أدعيته الدائمة “اللهم لطفك وحنانك بأمة نبيك و حبيبك ﷺ). كذلك، كان الوالدُ من أجود من عاصرتُ، حَتَّى أنه عُرِفَ عطاؤه ابتداء من قبل أن يُسْأل، ورحم الله العلامة المصطفى بن معاوية إذ يقول في وصفه: يا من تردى بباء ( البذل ) مغتنيا     

       بالذال مكتسياً عن قومه لامه وواهب المالِ لا يبغي به عِوَضَاً    

          و في المواهب لا يصغي لمن لامه أكرمت كُلَّ فتىً جاء الحجاز ومن     

      جاء الحجاز أراد الله إكرامه وأصاب الوصف الأستاذ الكبير محمد عبد الرحمن بن معاوية عندما قال في قصيدته التي سماها (البيعة):

عارٌ على الشعر مهما اشتاق أو شاما           

  مَدْحَ الكرام و لم يمدح أبا شاما

إلى أن يقول

طارت مناقبه في كل مُتَّجَهٍ      

               شرقاً و غرباً و ميقاتاً و إحراما لم يبقَ قطرٌ من الأقطار ما عرفت      

       أبناؤه منه إفضالاً و إنعاما كان بحق -عليه رحمات الله- السَيِّدَ نسباَ، والسيد فِعْلاً، ورحم الله العلامة الشهير الدنبجه بن معاوية إذ يقول فيه:

السَيِّدُ ابن السَيِّد ابْنُ السَيِّدِ   

          الطيب الأصل الكريم المحَحْتِدِ جمع الراحل الخالد الفقهَ والقضاءَ والسياسة والعمل الأكاديمي، وطيب الله ثرى المصطفى بن معاوية إذ يقول في وصفه: و بشرتنا بِنَدْبٍ لا نظير له               

مُهَذَّبٍ هَذَّبَ التدريس أفهامه جمُّ المكارم ماضٍ في عزيمته           

قاضٍ إذا التبسَ الأمران فهَّامه أهلاً بمن بشرت نون البحار به         

ضب الكدى و نعام الجو أنعامه أهلا بإلمام أستاذ ألمَّ بنا              

و هنأت شعراء العصر إلمامه أهلاً بمن مدحه لا ينتهي عدداً          

و لا يتم لمن قد رام إتمامه وفضلا عن هذا وذاك، فقد كان الوالد الحنون، الشفيق الرفيق الرحيم، الودود الحليم، المُعِينَ على بِرِّهِ عليه رحمات الله. والله يعلم أني لا أذكر أنه ضربني قط أو أحدَ أبنائه، ومع ذلك كان عليه رحمات الله حازماً ولكن في لين، لا يقبل منَّا إلا معاليَ الأمور وأرفعَها، وكان يبرز الجوانب الإيجابية في شخصياتنا ويعمل على تنميتها ورسوخها، لقد كان المثالَ في التربية وحسنَ المعاملة والعشرة. و لله درُّ أمير الشعراء وكبيرهم الأستاذ محمد الحافظ بن الشيخ محمد أحمد إذ يقول في رثائه:

لقد ثكلتك أشتات البرايا               

و قد دكَّ الشمالخ من ثبير وحَدَّ المحصنات عليك حزناً           

وجانبنَ التَّخَدُّقَ بالعبير وأيام النوائب قد أحدَّت                

و ليلتنا بذي جُشمٍ أنيري وسِقطُ الزند من شعر المعري          

و لهفته لِشَحْطٍ من سَنِيْرِ وفقه الأصبحيِّ عليك يبكي            

وتبكيك النقائض من جرير وتبكيك التنادغةُ الأجِلَّا                

حنيناً بالشهيق و بالزفير و آخر ما أكتبه في هذه الكلمة –  التي هي اختصار لكتاب أعمل عليه يؤرخ لحياته عليه رحمات الله – ما قلته يوم وضعته في لحده بقرب سيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما (اللهم إني أشهدك وأنت خير الشاهدين أَنِّي أشهدُ أنَّ والدي هذا كان يحب الله ورسوله ﷺ حبا سرى في دمه وعظمه وكيانه، اللهم فأعلِ ذكره في المهديين واجعل مقامه في عليين وكما جمعتَنا به في هذه الدنيا من غير سؤال، فاجمعني به في حضرة سيد المرسلين ﷺ، اللهم إني أُشْهِدُك وأنت خير الشاهدين أنٍّي ما رأيت أحدا يحب الله ورسوله كحب والدي لك ولرسولك ﷺ، اللهم فعامله معاملة حبيب، و قربه إلى نبيك ﷺ يا مجيب ). والحمد لله على قضائه و قدره، و إني على فراقك يا والدي لمحزون.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى