مِن أقدم تجارة معروفة في هذه الربوع – رد على تدوينة ولد ابراهام

altما تزال تدر ريعها السخي على مالكيها، يُفهَمُ أن مستحدَثَ النعمة الذي وصفتَه بذلك ليس كذلك؛ فكم حملتْ منها القوافل إلى بلاد السودان التي تشهد أيضا أن مستحدَث النعمة ليس كذلك؛ فها هي العقارات المصطفة على جنبات أكبر شارع في موريتانيا المبنية بريع تجارة حميدة على أديم تلك الأرض شاهدة على ذلك.

أما التحامل على شخص معروف بدماثة الأخلاق يشهد له بها حتى الذين حاورهم في دكار، فلا أرى إلا أنه من قبيل” اللي شكروه ألفين ما ايذمّوه اثنين”.

آن لنا معشر المحسوبين على الثقافة أن نترفع عن الشخصنة والمَعْشرة( من العشيرة، كي لا نقول القبيلة) لأنه يُفْترَض بنا أن نكون قدوة سيما إذا كان الواحد منا ذا نسب في الهالكين عريق! ولديه من الرصيد الثقافي الموهوب والمكتسب الكثير، وقد جاء من البدو نسبيا قبل الكثير من أبناء مجتمعه، ونَهَل قبلهم أيضا مِن حضارة النصارى، ويُفتَرض فيه بالتالي أن يكون لهم قدوة في الأخذ من المدنية بحظ وافر، خاصة إذا ما كان يسكن بلاد النصارى، كي لا نقول إنه أسير لقشور عادات بلاد اللصوص والنصارى!

وإني لَأَرْبَأُ بمَن يوصَفُ بأنه مؤرخ أن ينزل من علياء برج التاريخ العاجي إلى سفاسف الغمز واللمز والهمز والوكز والنكز! كما أُجِلّ ابن الأكرمين أن يمارس التشفي في حق شخص لم يكن قطعا وراء تجريد أول رئيس تجاني في موريتانيا من الرئاسة! ولا وراء تجريد الكثير من الأطر من مناصبهم! ولا وراء تجديد طبقة رجال الأعمال!

ولستُ آتي هنا خُلُقًا نَهيتُ عنه، وإنما أحرص على أن أُجيبَ بنفس المنطق الذي قد يغيب عن الكثير أنه هو المحرِّك الأول لكتابات تستهدف ضرب هذه الأسرة بتلك وهذه العشيرة بتلك وهذه الطريقة بتلك.

فنحن أحوج ما نكون إلى وحدة الكلمة سيّما من مثقفينا في وقت تتداعى فيه الأَكَلةُ على قصعتنا، لا أن يكون القدوة هم من يُعْمِلون حِرابهم ومخالبهم في تقويض اللُّحمة الوطنية في مجتمع طالما احترم بعضه بعضا وتجاوز منذ عقود طويلة إن لم نقل منذ قرن ونيف- لولا بعض الاستثناءات التي لا ترقى إلى الغلبة- الحساسيات الضيقة، وأيقن بأنه محكوم عليه بالتعايش.

وكنتُ أستغربُ- ولعل الأخ الكريم ابن ابراهام كذلك- لماذا لم يُكتَب تاريخ هذه البلاد، وقد أيقنتُ اليوم أن السبب في ذلك لا يعدو كونه سطحيا هامشيا تافها، يتمثل في أن بعض المثقفين لا يرون لغيرهم تاريخا ولا وجودا ولا تراكما معرفيا ولا حدَثيا ولا أهلية في الحظوة بذكر ولو على هامش التاريخ.

وبالتالي يغيب الإنصاف، وحين يغيب أو يُغيَّب فحدِّثْ ولا حرج!

ما ضرّنا لو قبلنا الآخر في ما مضى واعترفنا بدوره في صنع التاريخ؟ وهل ستسقط السماء على الأرض لو سمحنا له اليوم في حاضرنا بمقعد في الشمس مهما كان الذي خوّله إياه، سيّما إذا كان ذا أهلية؟

كنتُ قد دعوتُ إلى الإنصاف في كتابة التاريخ، منذ سنوات، بحضرة وجوه من خيرة مؤرخي ومثقفي هذا البلد من بينهم: المرحوم محمد ولد مولود ولد داداه، الأستاذ محمدن ولد إشدو، الأستاذ الخليل النحوي، سعادة محمد محمود ودادي، الأستاذ ددود ولد هاشم، الأستاذ كان، الأستاذ محمدن ولد امّين الذي استضافني مشكورا في مركز دراسات الغرب الصحراوي أمام هذا الجمع المهيب.

واليوم أدعو إلى الإنصاف في الحاضر، والتغاضي عن المثالب، لا سيّما إذا لم تكن مؤسَّسة، فما عُرف أمر واشتهر ثم اندثر إلا بقي منه رسمٌ أو أثارة علم!

يحيى ولد سيدي أحمد

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى