المعظم “نهبـــنوت” .. هههههههه .. أضحكتني!

د. دداه محمد الأمين الهادي

 

“شر البليــة ما يضحك”…؛ …

اتصل بي أحد الأصدقاء ليحدثني عن مقال، كنت كتبته، ونشرته مواقع إخبارية، وكان معنونا بــ “موريس بانك .. حكاية البنكنوت الموريتاني”، وفيه ذكرت “النهبنوت” الوطني، فأخبرني صديقي أن مقالي علق عليه أحد المعلقين الأكارم، وطلب مني أن أكتب عن المقدس “نهبنوت”، أو الأعظم “نهبنوت”، وعدت للمقال على الأنترنت في موقع “تقدمي”..

فوجدت التعليق ماثلا أمامي، فبدأت أضحك عفويا، وأتأمل العمق الدلالي للكلمة “نهبنــوت”، التي كتبتها دون أن ألقي له بالا، و أرجو أن تكون مما يرفعني في الجنة.

ورجعت تلبية للطلب لأكتب عن تألــيه “نهبنوت” وأتباعه، علما أنني أؤمن بصعوبة الكتابة عنه، في مجتمع أهلكه النهب والسلب، وتفهم فيه الأمور فهما سطحيا، ما يجعلني حذرا في تحبير وتسطير هذا المقال، خوفا من أن يخرج السطحيون بتأويلات غير مقبولة للهدف من هذه الكتابة، وسأقدم توطئة مفيدة حول اسم الجلالة بداية تثبيتا لعقيدة بعضنا، و من ثم سأتكلم عن النهب ساخرا ومحللا بعدها، وقبل الختام سأقدم لكم كلام وخواطر محمد متولي الشعراوي، حول تفسير آية قرآنية تتحدث عن الفساد، علما أن كلامه موجود في موقع “الروح”، الذي تتواجد على صفحاته الرقمية التفسيرات القرآنية جميعا.

وفي البداية عليكم وأنتم تقرؤون هذا المقال أن تستحضروا الفرق الجوهري بين لفظتي “إله”، و”الله”، حيث تطلق لفظة إله على المعبود بحق، وبغير حق، فتجدون عند الرومان والهنود “إله المطر”، و”إله الريح”، و”إله الشعر”، وتتعدد الآلهة عند الشعوب، لكن اللفظة الثانية “الله” لا تطلق إلا على المعبود بحق، ولفظة (إله) مأخوذة من التأله وهو التعبد ومعناه المعبود المطاع، سواء كان بحق أو بغير حق-كما أسلفنا-، فكل ما عبد بأي نوع من أنواع العبادات، ولو كان المعبود جمادًا فهو إله عند عابده كما قال تعالى: ﴿ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيرَ تَتْبِيبٍ ﴾ [هود:101. ولا يطلق لفظ الجلالة «الله» إلا على المعبود بحق، وهو الله سبحانه وتعالى، وهو مختص به لا يطلق على غيره.

وأردت من التوطئة السابقة أن تدخلوا معنا إلى هذا الموضوع بفهم عميق لمعنى لفظة “إله”، وأن يتفهم بعض القراء ممن لا تتوفر لديه هذه المعلومات أننا نكتب هذا الموضوع سخرية من واقع النهب، ولا نستخدم لفظ إله أو آلهة قبل نهبنوت عن وعي وقصد، ونحن وأنتم بعيدون –والحمد لله- من تأليه المخلوقات بجميع أشكالها، وأصنافها، وبمعنى أن لفظة “إله” تعني المعبود بحق، وبغير حق، فإن شهادة أن لا إله إلا الله، تعني “لا معبود بحق إلا الله”، ومجتمعنا –والحمد لله- مؤمن تمام الإيمان بهذه الحقيقة.

هذا لكي لا نترك مجالا للتطرف والمغالاة في الفهم، ومن ثم نتناول موضوعنا “فرعون النهبنوت”، أو “المعظم نهبنوت”، وهو لا يعدو كونه سخرية لفظية من واقع النهب والسلب، الذي ترزح تحته بلادنا منذ استقلالها وإلى اليوم، بل هو متجاوز للاستقلال إلى العصور الخوالي، التي امتلأت فيها بلادنا سلبا ونهبا.

والحال أن مفردة “النهبنوت” تحيلنا إلى  صيغ صرفية وردت في كتب الصرف، تحيل لمعجم اصطلاحات دينية تنتهي المفردات فيها بحرفي الواو والتاء، وتدل على المبالغة، فإلى جانب “الجلجوت” ثمة الملكوت والناسوت واللاهوت والجبروت والطاغوت”، على أن “نهبــــنوت” لم نجد من استخدمها قبلنا في اللغة، ونرى أنها لفظة مستحدثة، مجلجلة في الأذن، ومعبرة أكثر من غيرها عن واقع النهب المأساوي، الذي وضع ختمه على أشخاصنا، وعلى واقعنا المعاش، وآخر أيام اليمامة، بمعنى آخر أيام الخزينة العمومية، التي حولوه لجيوبهم، وتركوا الشعب يضرب رؤوسه على حائط المبكى تماما كاليهود.

وإن أمة هانت عليها أموالها العمومية بتلك الطريقة، لحري بها أن تكون مثار سخرية، وهي أمة تحتاج إلى إعادة التربية الدينية لها، لأن من يعرف الله حق المعرفة لا يتجاسر على حقوق العباد بتلك الطرق المشينة، في بلاد تناسى أهلها واجبهم الديني تجاه الفقراء والبؤساء والمحتاجين والمحرومين، وأصبحوا يتلصصون جهارا نهارا، ويتغنون بأنهم قادرون على الإفلات من العقاب بقدرتهم على التحايل على الشريعة والقانون وعلى الفطرة السليمة.

ولم يبق لهذه البلاد إلا أن تنتج “النهبنوتية الكبرى”، و”النهبنوتية الصغرى”، على غرار التعاويذ، والعزائم القوية، التي يستحضر بها الجن، حيث نجد “الجلجلوتية الكبرى”، و”الجلجلوتية الصغرى”، وفيهما تستحضر أسماء ملوك الجن الذين استعبدهم سليمان ومن عباراتهما: “بصمصام طمطام، ويا خير بازخ ..بمحراث مهراش به النار أخمدت ..بآج أهوج يا إلهي مهوج ..ويا جلجلوتٍ بالإجابة هلهلت”، وبنهب الخزينات أفسدت.ههههه أضحكتني!

ولقد قيل قديما: ” آية الفاسد، المبالغة في ادعاء النظافة”، وفي السنوات الأخيرة سمعنا الكثير من العنتريات في هذا الصدد، وانبزغت شمس الفساد بشكل لافت، وظهر في البحر والبر، وفي الخزينة، والبنوك، واسنيم، وفي تهريب أموال الشعب المسروق إلى خارج البلد، حيث من المتوقع أن تحدث في النهاية قصة مشابهة لقصة بن علي وليلى الطرابلسي وأعوانهم، أو قصة أخرى مشابهة لأموال القذافي وحوارييه، التي تناهبتها الدول فيما بينها، وكل ذهب بقضمة منها في اتجاه، وانتهت المسرحيات النهبنوتية بعد أن اعتقد المخذولون أن تأليه وعبادة “النهبنوت” في المجتمعات المسلوبة قد استوى، وامتد في باطن الأرض، ورسخ في جذورها، ولم يبق إلا التوريث، والتوريث، والتوريث.

وتتمدد فصول “النهبنوت” غير الوطني بسبب الخلط الظاهر بين التجارة والنفوذ، فرؤوس البلد يريدون أن يكونوا أرباب التجارة، ويريد التجار أن يكونوا أرباب السلطة، وهذا بلاء عم وطم، وقديما قالوا: “إن الإمارة والتجارة لا تجتمعان”.

وفي ظل كثرة الكتابات التي تتعرض للشعوذة المحلية، وكثرة المشعوذين لم يبق للنهبنوت إلا أن تكون له تماثيله، في رأسها رؤوس الحربة من ممسكي السلطة التنفيذية، وفي وسط التماثيل تكون رسوم التجار، وفي قاعدتها أزلام ما هو حكومي وما هو تشريعي، وتحت أقدام التماثيل تلة من عظام نخرة تمثل الشعب المسلوب المنهوب المغلوب.

والنهبنوت يعيش يطيش، ومرة يحصل لأن مسؤولا مسعولا تعرف على فتاة أو مومس عذراء فأعطاها مفتاح النفوذ والخزينة، ومرة لأن قوادا حظي بفرصة الجمع بين ناهب منهوب وناهبة منهوبة، ومرة لأن قريبا موثوقا فيه أعطيت له مقاليد سلطة مبهمة فصار ناهبا عظيما، ومرة لأن أحد الوطنيين انضم لشبكة ناهبين وطنيين، يعملون لخدمة الشغب، وإشاعة السغب حقيقة، وفي الظاهر هم المصلحون، ومرة لأن وساطة حملت عنقودا من عائلة مادرية إلى الواجهة، فصار قنابل عنقودية انفجرت مخلفة فسادا عظيما في الأرواح والأموال، ومرة لأن أموال الشعب ببساطة تولتها طغمة من “الطرابلسية”، وأخرى من “آل مبارك”.

إن إصلاحنا لحد الساعة هو مجرد خرافة، وخدعة، وسخافة، وإذا كان محمد حسنين هيكل تكلم عن مشاكل الوطن العربي ساخرا، فقال بأنه: “يحتاج إلى آلهة مثل الآلهة الهندية كالي، لها أياد كثيرة، وتفعل الكثير من الأشياء في آن واحد”، فإننا أيضا نعتقد أن وطننا ليس بحاجة –والحمد لله- إلى آلهة مثل “فشنو”، أحد خرافات الهند، ونعكس أسلوب السخرية الهيكلية، و “فشنو”، هو أحد آلهة الهند يعتقدون أنه يحارب الشر، ” فـــفشنو –بحسب شعوذاتهم- يدمر الشر ويحمي الاتقياء، وكلما ظهر الشر في الأرض ظهر فشنو في نسخة معينة، ليحمي الخير، ولذلك هناك عشر تناسخات لفشنو، حدث منها تسعة ولازال الهندوس ينتظرون التناسخ العاشر” أستغفر الله، فمن يكون فشنو موريتانيا-المخلص؟ هههههههههههههههه!

أيها القراء الأكارم إننا في ورطة حقيقية، فالفساد باغتنا منذ زمن ليس بالقريب، وحاليا يشهد ذروة مجده، و يعيش حلاوة أيامه، وكلما عقدوا طاولة مستديرة لتدارس الوضع جلس على الواجهة المفسدون، يحللون، يتحدثون عن الطهارة، يضعون الآليات اللفظية، والقانونية لحمايتهم، وليس من الجديد أن يدعي مفسد أنه مصلح، فهذه القضية طرحت في الجاهلية الجهلاء، ولا تزال مطروحة، وتعرض لها القرءان، قال المولى جل جلاله: “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ”، وكثير من العلماء تعرض لتفسير هذه الآية من البقرة، ومنهم من رأى أن المفسدين-المصلحين في نظر أنفسهم سيكونون فيما بعد، فَرُوِيَ عَنْ سَلْمَان الْفَارِسِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : لَمْ يَجِئْ هَؤُلَاءِ بَعْد . فهل تكون أمتنا باتت حاضنة لهؤلاء المفسدين؟ …

وطلبا للفائدة نورد كلام فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي حول الآية السابقة، حيث يقول: “الفساد في الأرض هو أن تعمد إلى الصالح فتفسده، وأقل ما يطلب منك في الدنيا، أن تدع الصالح لصلاحه، ولا تتدخل فيه لتفسده، فإن شئت أن ترتقي إيمانيا، تأتي للصالح، وتزيد من صلاحه، فإن جئت للصالح وأفسدته فقد أفسدت فسادين، لأن الله سبحانه وتعالى، أصلح لك مقومات حياتك في الكون، فلم تتركها على الصلاح الذي خلقت به، وكان تركها في حد ذاته، بعدا عن الفساد، بل جئت إليها، وهي صالحة بخلق الله لها فأفسدتها، فأنت لم تستقبل النعمة الممنوحة لك من الله، بأن تتركها تؤدي مهمتها في الحياة، ولم تزد في مهمتها صلاحا، ولكنك جئت إلى هذه المهمة فأفسدتها…، فلو أن هناك بئرا يشرب منها الناس، فهذه نعمة لضرورة حياتهم، تستطيع أنت بأسباب الله في كون الله أن تأتي وتصلحها، بأن تبطن جدرانها بالحجارة، حتى تمنع انهيار الرمال داخلها، أو أن تأتي بحبل وإناء حتى تعين الناس على الوصول إلى مياهها، ولكنك إذا جئت وردمتها تكون قد أفسدت الصالح في الحياة.

وهكذا المنافقون.. أنزل الله تعالى منهجا للحياة الطيبة للإنسان على الأرض، وهؤلاء المنافقون بذلوا كل ما في جهدهم لإفساد هذا المنهج، بأن تآمروا ضده وادعوا أنهم مؤمنون به ليطعنوا الإسلام في داخله.

ولقد تنبه أعداء الإسلام، إلى أن هذا الدين القوي الحق، لا يمكن أن يتأثر بطعنات الكفر، بل يواجهها ويتغلب عليها. فما قامت معركة بين حق وباطل إلا انتصر الحق، ولقد حاول أعداء الإسلام أن يواجهوه سنوات طويلة، ولكنهم عجزوا، ثم تنبهوا إلى أن هذا الدين لا يمكن أن يهزم إلا من داخله، وأن استخدام المنافقين في الإفساد، هو الطريقة الحقيقية لتفريق المسلمين، فانطلقوا إلى المسلمين اسما ليتخذوا منهم الحربة، التي يوجهونها ضد الإسلام، وظهرت مذاهب واختلافات، وما أسموه العلمانية واليسارية وغير ذلك، كل هذا قام به المنافقون في الإسلام وغلفوه بغلاف إسلامي، ليفسدوا في الأرض ويحاربوا منهج الله.

     وإذا لفت المؤمنون نظرهم إلى أنهم يفسدون في الأرض، وطلبوا منهم أن يمتنعوا عن الإفساد، ادعوا أنهم لا يفسدون ولكنهم يصلحون، وأي صلاح في عدم اتباع منهج الله والخروج عليه بأي حجة من الحجج؟ ” انتهى الاستشهاد.

     وإذا كانت الشعوب الوثنية تعتقد بالحلول، حيث يعتقدون أن الآلهة تحل في البشر، فيكون مقدسا، فهل يجوز لنا أن نتساءل إذا ما كان مجتمعنا لا شعوريا صار يعتقد أن روح “المعظم نهبنوت” صارت تحل في الأشخاص المفسدين من لصوص المال العام، وبالتالي صاروا مقدسين في مجتمعنا –أستغفر الله-؟ ….

     وأدعوا كتابنا وشعراءنا وباحثينا على حد سواء إلى التعرض لقضية “الأعظم نهبــنوت” …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى