قابيل وهابيل!

الحياة ليست لذيذة كما توقعتها وأنا صغير،حينما تصورت أن كل من يذهبون وراء الأفق،يعودون بالمحبة والهدايا! لقد كان موسى مرحا،ويصنع البهجة حتى من الموسيقى التي تصدرها حركة “مخيظ الشكوة” في تلك الخيم البيضاء المتراصة بين الرمال والجبال!

كان يمارس السطو على صندوق الجدة ليسرق السكر،وليأخذ إبرة صغيرة ينتزع بها الشوك في باطن قدمه،كان يحلم بدراسة الطب،وفي الإعدادية لقبه زملائه “بالجمبري”،فكره الوراثة والتكاثر،وتوجه صوب الرياضيات،ووقع في حب جارته في شعبة الآداب،وأرسل لها رسالة يخبرها فيها أنه لم يعد يتناول العشاء بسبب التفكير فيها! أجابته أن رأسه مخيف ويذكرها بمتوازي الأضلاع وأنها تحب الشعر،توسل هو السماء أن تمنح خياله نصف قصيدة والقليل من الدموع لكن دون جدوى.. بعد رحلة بيات فكري تحرر فيها من كل شيئ حتى من النظر إلى الأعلى! حينما رأى صديقه يوسف يكاد أن يموت، بسبب ابتلاع قطعة نقدية من فئة عشرة أواقي خبأها تحت لسانه حتى لا ينتزعها منه الشرير سيدي ليلعب بها القمار(برك) بينما يوسف كان يريدها لشراء الحلوى! قال لصديقه يوسف إن الأرض تعج بالظلم،وهم يشاهدون الطفله هدى تبكي أبيها الشهيد الملقى على شواطئ غزة..ساعتها وجد نفسه يكتب ملحمة من الحزن وليس نصف قصيدة،ويصنع صاروخا من الحطب ويضعه في فناء المنزل حتى لا تكتشفه طائرات التجسس،ويوجه رأسه جهة مفاعل “ديمونة”،لكن يوسف قال له إنه قد يخطئ الهدف ويقع على إحدى الدول العربية فالجميع يقع في الشرق البعيد من هنا..لقد كان موسى متحمسا لقضايا الأمة،وعند كل عدوان كان ينصح جيرانه بضرورة صنع “الكسكس” من الذرة،ومقاطعة القمح الأمريكي،وأن عصير “امبصام” مفيد للمصابين بفقر الدم،لكن المارينز عبروا دجلة والفرات،وشارون مات على فراشه،ودونالد رامسفيلد ربما أصيب بالزهايمر ولم يقدم للمحاكمة،والأمم المتحدة مثل العجوز المقعدة تجيد الصراخ فقط،انتهى برنامج “منبر الجزيرة” ولم تعد هناك قمة أو منحدر،وعاد خطباء الجمعة لتناول “الكوكاكولا”،وجاء الربيع ومات شعراء البلاط وشرب الزعماء نخبهم من دماء الشعوب،وكثر الهرج والمرج،القاتل والمقتول سيظهرون طبعا في شريط الأخبار في شكل أرقام وليس أرواح! فكر موسى وقدر،وهو يشاهد صديقه يوسف يعود بماستر في الكهرباء ويقضي سنتين على فراش الإنتظار،وبلاده تصدر الكهرباء! العالم يودع السلام،وموسى تحول إلى “مومياء” من الإنتظار،وصار يبحث عن أحلامه القديمة مع عمال البلدية في شوراع الوطن الضيقة!! وقد وجد نفسه تهتز مثل أرجوحة الأطفال،تارة يستيقظ فيها قابيل وتارة أخرى يستيقظ فيها هابيل..لم الأسى هذا ديدننا نحن البشر منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل،لابد من ممارسة الخطيئة لنتعرف على الخير ولنرتفع نحو السماء! وطن يقدس الأشخاص ولا يحترم الإنسان ويعتبره ثروته الأولى،لا يمكن أن ينهض سوى في أعياده الوطنية،وعلى وقع الأناشيد الحماسية فقط. من التائهة نوكيا 205،وهنا تامشكط ومايو طويل جدا والساعة 08:10 صباحا

من صفحة خالد الفاضل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى