المنتدى ليس لعبة/ سيدي علي بلعمش

حين يرد ولد عبد العزيز على سؤال بالفرنسية، يطغى دائما ما يستطيع أن يقوله على ما يريد أن يقوله، لا سيما إذا كان أمام سيدة فرنسية من جيله تعتبر ترويض الرؤساء الأفارقة، صناعة تقليدية تحتل مرتبة الأولوية في التراث الثقافي الفرنسي الموكل إحياؤه لـ”TV5 monde” و افرانس ـ آفريك . لهذه الأسباب تحتاج ردود ولد عبد العزيز على قناة فرنسا الدولية في “لمرية” إلى قراءة خاصة : لقد قال ولد عبد العزيز في هذه المقابلة ما يستطيع أن يقوله و قليل جدا من ما يريد أن يقوله.

 

ـ قال (و يلاحظ الفطن أنه كان هناك من يساعده عن بعد) إنه يتمتع بأغلبية مريحة و لا يحتاج إلى حوار و لا إلى شريك في الحكم من أي نوع : و لا جدال في أن أغلبية ولد عبد العزيز مريحة جدا، لا بكمها  و لا بوفائها و إنما لأنها “أغلبية” هجينة، غير شريكة في الحكم بأي درجة ، إذا حضرت لا تستشار و إذا غابت لا يسأل عنها.

 

ـ و قال ولد عبد العزيز إن المعارضة أحزاب قليلة بائسة، لا تمثل إلا نفسها أي أنها هي الأخرى “معارضة مريحة” لكن التعبير غير شائع و لا يمكن للفكرة أن تتبلور ذهنيا في غياب اللغة.

 

كان ينبغي أن يكون هذا الرد كافيا للمهرولين إلى الحوار مع ولد عبد العزيز، لكنها معارضة مريحة بحق ، لا ينبغي أن توقف “حوارا وطنيا سيحل كل مشاكل البلد” بسبب تصريح دعائي مرتبك لقناة أجنبية.

 

ـ بعد 3 أيام، في مؤتمره مع “الصحافة الوطنية” بالحسانية ، قال ولد عبد العزيز إن الحوار نهجه النابع من إيمان راسخ و إن أياديه ممدودة للمعارضة لقيام حوار بلا شروط و لا موانع و إن كل أحزاب المعارضة مستعدة للمشاركة في هذا الحوار إلا حزبين “ما زلنا في انتظار و أمل مشاركتهما”.

 

و إذا كان ولد عبد العزيز يرد دائما بما تسمح له به اللغة فإن المعارضة تفهم دائما بما تملي عليها المصلحة.

 

ـ في رده على القناة لفرنسية ، قلل ولد عبد العزيز من أهمية المعارضة لإخفاء ما تسبب له من إحراج ، جاهلا أن من يتكلم إليها لا يمكن أن تفهم الديمقراطية من دون دور فعال للمعارضة في سياسة الحكم و جاهلا أكثر أن من تسأله تدرك ما يحدث في موريتانيا أكثر منه و من ولد عمير و أن أجوبته المتهربة من كل حقيقة، حولته أمامها إلى مهرج محتال . و كل أسئلتها كانت ألغاما محكمة لم يوفق ولد عبد العزيز في تفادي الوقوع في فخ أي منها.

 

كنا نعتقد هنا أن المهرولين إلى الحوار مع ولد عبد العزيز بمبررات “رغبة الرجل الصادقة في حوار وطني مسؤول مع معارضة يحترمها و يعترف بأهمية دورها”، سيكونون أول الغاضبين من هذا التصريح  و أول المهددين بنفض أياديهم من أي حوار معه، فإذا بهم يشكلون لجنة أخرى للاتصال بولد داداه و ولد اعبيدنا لإقناعهما بأهمية الانضمام إلى “كتيبة” المهرولين. !!

 

ـ في لقائه مع صحافة “الوطنيات” الملقحة، قال ولد عبد العزيز ما يكفي ليفهم منه أنه لو كان يبحث عن حوار مع المهرولين لكان بدأه منذ أول يوم بلا شرط و لا قيد، لكنه ما زال في انتظار “الممانعين”..

 

و ليست هذه أول مرة يسمع فيها قادة المهرولين مثل هذا لكلام من ولد عبد العزيز، فقد قالها لهم بالصريح بعد نهاية جولته الماضية في الولايات الشرقية. و قد عادوا حينها إلى المنتدى و بذلوا جهودا مضنية و صعبة ليجتروا معهم هذه المرة كل أحزاب المنتدى (إلا اثنين) ليقول لهم ولد عبد العزيز أنا في انتظار الاثنين.

 

لقد فهم ولد عبد العزيز الآن أن مشاركة الممانعين معه من عاشر المستحيلات من دون الرد كتابيا بكل ما يعنيه الأمر من إذعان . و لا يهم الآن أن يذهب في حوار لا يريد منه أي نتيجة غير صيانة ماء الوجه أو تعليقه بحماقة أخرى لا تراعي غير توفير تكلفته، إلا أن ثمة أمور واضحة أستغرب أن لا يفهمها من حملتهم عربة الهرولة إلى حوار لن يكون (بالنتيجة) :

 

1 ـ لا يستطيع ولد عبد العزيز ـ و الإرهاب الإسلامي يتمرغ في الدم الفرنسي منذ أزيد من سبعة أشهر ـ أن يقيم حوارا وطنيا مع معارضة مهما كانت مريحة، تقودها “تواصل”. كنت أتمنى أن تفهم “تواصل” أن الاندفاع في هذا الاتجاه سيجعلها تخسر النظام و المعارضة في آن . و لا أعتقد أن لديها الآن مشكلة في التحليل لكن الخوف أفقدها الصواب؛ إن هزيمة ولد عبد العزيز وحدها هي ما يمكن أن يجنبكم هذا المصير و لن تهزموه قطعا بالهرولة إليه. لقد تبرأ “تواصل” من الإسلام و تبرأ من المعارضة و تبرأ من العروبة و لم يبق له اليوم سوى أن يضع راية “أنا شارلي” على بوابة مقره ، لكن هذه التنازلات لا تذكرنا  إلا بقبول العراق بتفتيش مقار برنامجها النووي و الكيمياوي و رفض كوريا و إيران.. !

 

2 ـ لقد انتهى ولد عبد لعزيز لتوه من انتخابات نيابية و بلدية و رئاسية قاطعتها المعارضة، تم الاعتراف بنتائجها (المزورة كلها) من قبل أهم الدوائر الغربية أو لم يتم الاعتراض عليها على لأقل و تم له حتى اختيار زعيم المعارضة كما يريد. فلماذا يلغي هذا كله و يطلب حوارا وطنيا و انتخابات نيابية و بلدية و رئاسية سابقة لأوانها، يستحيل بكل المعطيات أن يكسب أي منها بمشاركة المعارضة فيها و يصعب أكثر أن تعترف الدوائر الغربية بنتائجها إذا زورت؟
أريد أن يجيبني أحد المهرولين على هذا السؤال؟

 

3 ـ  لقد أصبح المسكوت عنه في هذا الصراع أوضح من المعلن و على اصحابه أن يمتلكوا شجاعة مواقفهم :

 

ـ من حقكم أن تذهبوا إلى أي حوار و لأي أسباب لكنه ليس من حقكم أن تبرروا أخطاءكم ب”تخطيء ” الآخرين.

 

ـ من حقكم أن تختزلوا كل معاني المعارضة و كل صفاتها في ما تقولون و تفعلون، لكن المنتدى مؤسسة تحكمها نظم و قوانين تُخرج منها كل من لا يلتزم بها و قد قررتم بكامل إرادتكم أن تخرجوا عليها. سنحترم أي تسمية تطلقونها على أنفسكم لكن إذا تمسكتم بانتمائكم إلى المنتدى و هو حقكم الكامل، تأكدوا أنكم لن تكونوا إلا خونته. فلا تغضبوا إذا أطلقنا عليكم “خونة المنتدى”، لأننا لسنا مستعدين للمساءلة التاريخية عن تسمية الاشياء بغير أسمائها. فلا تتكلموا باسم المنتدى إذا كنتم لا تريدون أن نلصقها بكم.

 

سيكون خروجكم من المنتدى (مثل تخلص روسيا من مقطورة الاتحاد السوفيتي)، عامل نهوض و توحد وقوة؛ لقد أتعبتم المعارضة بجركم إلى ميادين لم تخلقوا لها.

 

كل ما تحتاجه المعارضة الموريتانية اليوم هو فقط أن تكون معارضة.

 

ـ كل الشعب لموريتاني مستاء و يبحث عن معارضة حقيقية .

 

ـ كل الشباب الموريتاني مهمش و مطحون و يبحث عن معارضة حقيقية .

 

ـ كل الموالاة الموريتانية اليوم سئمت من أكاذيب ولد عبد العزيز و تبحث عن معارضة حقيقية..

 

ـ كل الجيش الموريتاني يخاف اليوم على بقاء موريتانيا و يتمنى ظهور معارضة حقيقية.

 

من يتحدثون عن تفكك المنتدى يساهمون في تشويه الحقيقة بجهل أو بتعمد ؛ يمكن أن تخرج من المنتدى لكن لا يمكن أن تفككه لأنها مؤسسة محمية بنظام داخلي واضح، إلا إذا كان الذاهبون إلى حوار عزيز يدينون بدينه و يبولون على النظم و القوانين على طريقته.

 

لقد أصبح الحوار في برنامج عزيز مجرد قيمة مضافة أو ديكور سياسي بعد تحويل الهدف منه إلى وسيلة أخرى أكثر نجاعة و هي حالة الطواري و تعطيل الدستور، لكن الخروج من الحوار لن يكون بسهولة دخوله لأن أي حوار  اليوم يتجاهل مشكلة الإرث الإنساني و ملف العبودية ، سيفجر موريتانيا حتما و إصدار أي قرار لصالح أي من الملفين سيفجر النظام . و بين تفجير موريتانيا و تفجير النظام سيختار عزيز حتما تفجير الأولى.

 

أنتم تلعبون بالنار و هي عملية تحتاج بطبيعة الحال إلى تغييب الغيورين على البلد و تهميشهم  لصالح معسكر الانتهازية السياسية و سماسرة الأزمات. و سيكفينا شرفا أننا نرفض أن ننجر إلى تخريب موريتانيا و لا يهمنا أن نكون عشرة أشخاص أو مليون.

 

ستتذكرون حتما هذه الكلمات أثناء نقاش أي موضوع و ستتذكرونها أكثر حين تتجهوا إلى صياغة التوصيات .

 

لقد اخترتم أن تفجروا موريتانيا بحوار خطأ في وقت خطأ  لأغراض أنانية مخطئة ، فتحملوا مسؤولياتكم.

 

و نحذركم فقط أن تعودوا إلينا غدا بنواح الثكالى “لقد فعلها فينا عزيز” لأن عزيز كان واضحا معكم “أريد أغبياء يصدقون ألاعيبي أمسح فيهم بعض ذنوبي” . أما الطابور الخامس فليس لديه ما يخسره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى