الارشيف الفرنسي: التقارير السرية للسفارة الفرنسية فى نواكشوط

altالزمان ـ بعد الافراج في فرنسا عن التقارير الدبلوماسية التي كانت السفارة الفرنسية في نواكشوط، ترفعها أسبوعيا إلى سلطات بلادها، أصبح بالإمكان الاطلاع على الكثير من تفاصيل مرحلة تأسيس الدولة الموريتانية من وجهة النظر الفرنسية. وفي ما يلي نستعرض التقرير الأسبوعي رقم: 107 (الأسبوع من 15 إلى 21 اكتوبر 1961).

بالرغم من أن رئيس الجمهورية المختار ولد داداه، لم يعلن برنامجا حكوميا بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن الخطوط العريضة لهذا البرنامج بدأت تتضح من خلال تصريحات أعضاء الحكومة على أثير إذاعة موريتانيا. فمن جانبه اكتفى وزير البناء احمد ولد محمد صالح بالحديث عن المبادئ العامة حين تحدث إلى مرؤسيه من موظفي المساعدة الفنية ومن الموريتانيين، قائلا: “إنكم تساهمون جميعا –أجانبا كنتم أم وطنيين- في بناء أمة. أي عبء هائل يفرضه ذلك على الوطنيين الموريتانيين وأية مهمة نبيلة يقوم بها من يمثلون في موريتانيا مساهمة بلدهم في تطوير هذا البناء! لذلك فإنني أخاطب أولا وقبل كل شيء ضمائركم ووطنيتكم، قبل أن أخاطب واجبكم كموظفين”.  وعلى العكس فقد كانت كلمة وزير العدل الرئيس السابق للاتحاد الوطني الموريتاني والمتشبث عن قناعة بالقيم الاسلامية، الحضرامي ولد خطري، أكثر تحديدا حيث قال: “إن مواطني هذا البلد العربي الافريقي لديهم تشريع نابع من عقيدتهم ومن تاريخهم العريق وهو متشبثون به بكل قوة، فلم يستطع الاستعمار بفضل تمسكهم بالإسلام، أن يجبرهم على تطبيق تشريع آخر إلا في بعض الحالات المتعلقة بالاجراءات الجنائية التي نظمها بطريقته الخاصة رغما عنهم. واليوم وبعد حصولنا على استقلالنا فإن ذلك يملي علينا إقامة نظام قضائي على ضوء النظام المتبع في البلدان الاسلامية الحديثة. ولحد الآن فقد قام وزير العدل والتشريع بإعداد بعض القوانين من بينها على وجه الخصوص: قانون الجنسية، التنظيم القضائي، الاجراءات المدنية والجنائية. بعض هذه القوانين صادقت عليه الجمعية الوطنية وبعضها الآخر قيد الدراسة وتم اتخاذ قرار بعقد ملتقى في نواكشوط يجمع نخبتنا القانونية من أجل إتاحة الفرصة أمامها لإعطاء وجهات نظرها حول المشكلات القضائية والقوانين المذكورة”.  اجتمع مجلس الوزراء يومي 18 و 19 اكتوبر وخصص الجزء الأكبر من عمله لدراسة الوضعية المالية وإعداد ميزانية 1962. وبحسب تقديرات أولية قام بها وزير المالية، فإن نفقات السنة المقبلة ستبلغ 5.333 مليون افرنك غرب إفريقي رغم أن ميزانية 1961 لم تتجاوز نفقاتها العادية 3.822 مليون. وتعود هذه الزيادة التي بلغت 1.511 مليون افرنك بشكل خاص إلى التكاليف المرتبطة بتسلم موريتانيا للجيش والدرك اللذين رصد لهما مبلغ 800 مليون، فيما رصدت لتنمية المصالح الاجتماعية 290 مليون. ولم تتجاوز المداخيل المتوقعة 2.258.78 مليون، لذلك تواجه الحكومة عجزا في الميزانية يبلغ 3 مليارات ويعتقد وزير المالية با مامادو صامبولي أن لقاءاته في باريس مكنت من رفع الدعم الفرنسي من 1.500 إلى 1.800 مليون افرنك غرب إفريقي.  وبالرغم من ذلك سيظل هناك عجز في الميزانية يصل 1.175 مليون ليست لدى موريتانيا أية وسيلة لسده. هل سيتمكن وزير المالية من “مقاومة” طلبات زملائه ويتمكن من إرجاع طموحاتهم إلى داخل الحدود المعقولة؟ مهما يكن فإن مشكلة العناية بالجيش –التي تستطيع دول إفريقية ناطقة بالفرنسية أن تجد لها حلا داخليا- تتطلب في موريتانيا، ببداهة دعما خارجيا. ويأمل الوزراء الموريتانيون بطبيعة الحال أن تتكفل بها فرنسا ولا نرى أية إمكانية لحلها خارج ذلك الاطار.  وبخصوص الوضع الاجتماعي، قرر مجلس الوزراء رفع الحد الأدنى للرواتب ب 10% ابتداء من 1 اكتوبر 1961، كما اجتمعت لجنة مختلطة تضم ممثلي أرباب العمل والعمال لإعداد اتفاقية جماعية موريتانية تحل محل الاتفاقية الحالية الموروثة عن إفريقيا الغربية الفرنسية. وفي نفس الوقت تم عرض مشروع مدونة الشغل على مكتب الجمعية الوطنية كبديل للمدونة السارية المفعول في الأراضي الفرنسية ما وراء البحار السابقة.  وفي الأخير درس المجلس مشروعا لإعادة تنظيم النقل البري يهدف بالأساس إلى تغيير وضعية الامتياز التي تتمتع بها شركة النقل LACOMBE التي يديرها وزير المالية الموريتاني السابق COMPAGNET والتي تحتكر حاليا النقل الاداري والبريدي وتملك وحدها ورشات التصليح ومخازن بيع قطع الغيار الموجودة في موريتانيا مما يجعلها تفرض هيمنة شبه مطلقة على سوق السيارات في موريتانيا.  وبالطبع فإن هذه الوضعية لم تمر دون أن تثير احتجاجات الناقلين المحليين الذين يشعرون بالغبن وقد عقدوا بداية الشهر اجتماعا لإنشاء “النقابة الوطنية للناقلين الموريتانيين” وتقدموا بعدة مطالب كما اتخذوا قرارا بالتكتل لإنشاء شركة نقل موريتانية قادرة على منافسة LACOMBE. وقد دافع وزير النقل بوياكي ولد عابدين –الذي ترأس ذلك الاجتماع- عن مطالبهم أمام مجلس الوزراء مطالبا بإلغاء احتكار شركة LACOMBE للقطاع لكن أي قرار لم يتخذ بهذا الشأن. 

 

**  بدأت المعارضة التي كان يجري الحديث عنها خلال الأسبوعين الفائتين في التقهقر، حيث تقلص عدد النواب المطالبين بمراجعة الدستور من 25 خلال الأسبوع الماضي إلى 20 يوم الثلاثاء ثم 18 فقط اليوم. وستفتتح الدورة البرلمانية يوم 14 نوفمبر القادم ويبدو أن مسألة مراجعة الدستور لن تطرح خلالها ولن يبقى من المعارضة سوى بعض المغامرين (…)، مع أنه من الغريب أن يجنح الرئيس الحالي للجمعية الوطنية –الذي لديه مزاج أكثر حدة من سلفه سيدي المختار- بسهولة إلى التهدئة. ربما لأنه وجد كل الصعوبات في الحصول على دعم برلماني كاف، قام بتوجيه طلب إلى رئيس الجمهورية من أجل دعوة الناخبين لشغل المقاعد التي أصبحت شاغرة بعد وفاة النائب عبد الله ولد عبيد واستقالة كل من COMPAGNET و BRUNO اللذين اختارا الجنسية الفرنسية و DEMBELE الذي اختار الجنسية المالية.  ولا نعرف حتى الآن كيف سيقوم الرئيس المختار بالرد على هذا الطلب. 

 

ترجمة “أقلام”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى