ماذا تركت القمة غير قمامتها كالعادة؟ / سيدي علي بلعمش

ـ من بين جميع دول الجامعة العربية هناك 12 دول عربية ، أكثرها عروبة و أقطعها أدلة و أنصعها أمارات هي موريتانيا ؛ فلماذا هذا الشعور بالانتماء الناقص عند نخبنا كأن هناك من يتكرم علينا بعروبتنا!؟

لقد أخجلتنا نخبتنا بهذا التهافت المقزز حتى أشفقت علينا السماء.

2 ـ لو لم تطغ الدعاية السخيفة على تحضير القمة و استقبلتم جميع ملوك و أمراء و رؤساء العرب في بيوت بدار النعيم ، لما لاحظوا أي ازدراء بهم و لا أي نقص في معاملتهم فالهاجس الوحيد لديهم يرتبط بالناحية الأمنية و كانت الدعاية الخاطئة في شح الوسائل و قصر فترة التحضير و إظهار الارتباك على كل المستويات هي التي عرت ضعف الناحية الأمنية و جعلت كل القادة العرب يتحرجون من القدوم.

3 ـ دخول الأمن المسلح في الزي العسكري في قصر المؤتمرات و خيمة القمة بتلك الكثافة و الخشونة كان عملا رديئا أمنيا و مربكا تنظيميا و مستفزا على كل الأصعدة.

هذه مجرد ملاحظات بسيطة.

ــــــــــــــــــــــــ

لم تعرف العرب منذ إنشاء جامعة البؤس العربية، قمة غير فاشلة و لم يصدر قرار من جامعة العرب منذ أنشئت غير تآمري . فلا جديد تحت الشمس في هذا المجال.

ما تعيشه الأمة العربية المجيدة الآن من مشاكل في فلسطين، في العراق، في اليمن، في ليبيا، في سوريا ، في السودان و في قلب أي بلد عربي آخر لا يدري متى يصل دوره ، ليس سوى حصيلة مؤكدة و مباشرة لسبعين سنة من مؤامرات الغرب و تنفيذ الجامعة العربية، التي أسسها الإنجليز و حكموا فيها عملاءهم الأوفياء لتدمير الأمة العربية طبقا لمخطط سايسبيكو.

بهذه الحقيقة وحدها نستطيع أن نقول و بكل تأكيد، أن الجامعة العربية أنجزت كل المطلوب منها على أكمل وجه خلال سبعين سنة عاشتها أمة لا تعرف الهزائم و لا اليأس، أسوأ فترة انحطاط على امتداد التاريخ:

ـ لقد عرف العالم أجمع أحكاما ملكية و أميرية لكن لا شيء في التاريخ يشبه دروشة و خمول و جهل و عدم إحساس و طغيان ملوك و أمراء العرب أو ملوك و أمراء الانجليز على الأصح..

ملوك و أمراء العرب الجدد لم يعرف التاريخ لهم مثيل ، لا في الحيوانات و لا في الطيور و لا في القردة و لا في الإنس و لا في الجن.. لا هم ملوك حرب و لا ملوك سلم و لا ملوك ثقافة و لا ملوك أصالة ؛ أين فحولة شبقكم الجنسي؟ أين أصالة تعنتكم الفكري؟ أين جسارة تسلطكم و احتقاركم لشعوبكم؟ أين عزة و اعتزاز تشبثكم بأوائلكم؟ ـ و عرف العالم كله قادة قساة و دكتاتوريات صعبة المراس و قادة مولعين بالحروب لكن في أي بقعة من الأرض غيرنا يستطيع مجنون مثل القذافي أن يحكم بلدا لأكثر من أربعين سنة ؟ في أي بقعة يستطيع سخيف مثل ولد الطائع أن يحكم بلدا أكثر من عشرين سنة؟ في أي بقعة من الكون اليوم يستطيع مثل عبد الله صالح أن يقود غير قطيع ذئاب سائبة؟ في أي بقعة من العالم يستطيع معتوه مثل ولد عبد العزيز أن يحكم بلدا به عقلاء و مثقفون و علماء؟ و إذا استثنينا هواري بومدين و الملك الحسن الثاني و صدام حسين و ياسر عرفات، (رحمهم الله جميعا) فأي قائد عربي آخر تستطيع أن تكن له أي درجة من الاحترام في أي وجه من أبعاد إنسانيته؟

منذ ظهور الإسلام حتى اليوم لم يستطع الغرب أن يبتكر وسيلة لهزيمة العرب غير هذه القيادات المخملية الخائنة ، المهزومة ، الراضية بالذل و العمالة.

(…) و لهذه الأحكام المخجلة، صنع المستعمر طوابيرا ظهيرة من المثقفين الجبناء، و العلماء المتمصلحين و المحللين السياسيين المخنثين، لامتصاص أي ردة فعل عربية و تبرير كل هزيمة و “تطبيع” كل فضيحة: أمة كاملة مجوقلة منذ 70 سنة في حالة طوارئ دائمة بسبب طغيان أنظمتها و تمصلح نخبها و انهزامية معارضاتها و طول أمل شعوبها!؟

و يتطلع المواطن العربي المسكين اليوم إلى قمة عربية تزيل عار المذلة عن وجه العروبة، ناسيا أو جاهلا أن ما نعيشه من ويلات اليوم هو حصيلة لسبعين سنة من عبقرية الجامعة العربية اللعينة و طوابير أتباعها من المثقفين الممسوخين، تخطيطا و تنفيذا.!

لقد استبشرت خيرا حين رفضت المغرب استضافة القمة العربية لأسباب ثورية معلنة ؛ فما الفائدة من قمة تم تحديد تقريرها النهائي قبل أسابيع في سكرتارية الجامعة العربية بالقاهرة؟ فإذا بأتفه مجانين الجامعة العربية يقفز على الحلبة ليستضيفها في خيمة لتستفيق الأمة على بيان الجامعة العربية الختامي الذي لم تتفق فيه بالإجماع إلا على دعم المبادرة الفرنسية ؟

متى يفهم العرب أن الاحتلال الصهيوني أفضل ألف مرة من النوايا الفرنسية و الانجليزية؟ من زرع إسرائيل في أرض العرب غير الفرنجة و الانجليز؟ من مكنهم من التفوق على العرب غير الفرنجة و الانجليز؟ من تحول إلى ذراع إعلامي للدفاع عن شرعية احتلالهم للعرب غير فرنسا؟ من تحول إلى ذراع عسكري لطحن العرب لصالح تفوق الصهاينة غير الانجليز ؟ إسرائيل تريد أرض العرب و ثروات العرب أما الفرنجة و الانجليز فلا يريدون غير الدم العربي. إسرائيل ورطة غربية . وبزرعها في قلب الأمة العربية استطاعت الدول الغربية أن تتخلص من عدوين تاريخيين لها : العرب و اليهود.

و لأن الانجليز و الفرنسيين بصفة خاصة يدركون أكثر من الجميع أن العرب أمة لا تهزم، فهم متأكدون من النهاية الحتمية لليهود على أياديهم.

نعم، لقد كان رفض المغرب لاستضافة القمة “لعدم فائدة القمم العربية” موقفا ثوريا، كان يحتاج استضافة موريتانيا لها لتأكيد عمقه و خطورة التمادي في السير في نفقه المظلم.

على من يضحك العرب حين يشجعون و يمولون قمة في نواكشوط لا يحضرها أي منهم؟

من يخفى عليه أن العرب لا يستطيعون اليوم عقد قمة من دون طرح القضية السورية و الليبية و العراقية و اليمنية و السودانية؟

من يخفى عليه أن العرب لا يستطيعون اليوم الجلوس حول قضية أي من هذه الدول التي تم احتلالها واحدة بعد الأخرى بمؤامرات عربية لا لبس فيها؟

من يستطيع من قادة العرب الذين اتفقوا على دعم المبادرة الفرنسية، أن يفسر لنا أبعاد ما تريده فرنسا منها، قبل أن يؤيدها؟

هل يعتقد “القادة” العرب أن الشعوب العربية المعذبة بين نيران أعدائها و سجون أنظمتها، ستظل تعتبر هروبهم إلى الأمام شجاعة تستحق التهليل و التصفيق؟

ما يحيرني أكثر هو أن أجهزة صناعة الخونة في الغرب أصبحوا عاجزين عن تأطير و توجيه ملوكهم و رؤسائهم الذين يختارون لنا!

ماذا بقي للشعوب العربية سوى أن تثور على أنظمتكم العميلة؟

ماذا بقي للشعوب العربية بعد دك بيوتهم على رؤوسهم سوى أن يكونوا أو لا يكونوا؟

أول “داعش” عرفها التاريخ البشري هي كانت الرازيا الفرنسية في الجزائر بنفس البشاعة و نفس الأسلوب و نفس الدوافع. و ليس من عادة التاريخ أن يعيد نفسه إلا حين لا تفهمه الناس في طبعته الأولى.

الرازيا الفرنسية هي التي صنعت ثورة المليون شهيد .. هي التي صنعت العظمة الجزائرية .. هي التي صنعت الكبرياء الجزائري ..

يتكلم ولد ابريد الليل في تقريره الرائع (في بعض جوانبه على الأقل) عن الناس كما لو كانوا شرائح الكترونية مختلطة تتبع لأنظمة مختلفة تحتاج عزل كل نوعية منها و ربطها بنظامها لتكون قابلة للتحرك ..

هذا التبسيط لا يذكرنا إلا باعتقاد “قادة” العرب أن باستطاعتهم أن يظلوا يحكمون شعوبا لم يساهموا يوما في غير شقائها : كل التحاليل ، كل منطق، كل علم و كل دهاء بشري يسقط حين لا يصبح لدى الإنسان ما يخسره ..

لقد أوقفت الدول الغربية “ربيعها العربي” حين بدأ يخرج عن سيطرة تخطيطها و غاياتها. لكن لماذا فكرت الدول الغربية أصلا في تصميم “الربيع العربي”؟

لقد انكشفت كل أوراق الأنظمة العميلة و ملتها الشعوب و لفظتها الحياة فأصبح الغرب يبحث عن بدائل لها لا يساعد التاريخ على ابتكار نماذجها بشكل جماعي لأن مشكلة الغرب الأولى هي كذبه و تضليله لرأيه العام . و الإنسان الغربي ليس عقلا متغطرسا مثل أنظمتهم الشريرة إنه عقل تقني بسيط يعيش في رفاهية لا وقت لديه لغير عمله و ممارسة غرائزه و حين يتأكد أن الإسرائيليين هم من دبروا 11 سبتمبر أو أن سياسة هولاند العدوانية هي سبب ردة فعل الإرهاب في ساحة نزهة الانجليز في نيس أو في باريس ، لن يحتاج أكثر من دقائق للتحرك ضدهم و لن يقبل بأقل من المطالبة بشنقهم..

لنكن واقعيين و نسأل اليوم أنفسنا : بعيدا عن الوطنية و عن كل خصال القادة العظماء، من من بين جميع حكام العرب اليوم ـ إذا استثنينا ملك المغرب و ملك الأردن ـ يستطيع أي إنسان على وجه الأرض أن يجعله مزارعا في واحته أو سائقا لسيارته أو بائعا في محله أو حارسا لبيته ؟؟؟

كيف نكذب على أنفسنا إلى هذا الحد ؟

ماذا يمكن أن ننتظر من مثل هذه القادة غير ما عودونا عليه من تنفيذ إملاءات من صنعوهم وضعوهم على رؤوسنا و حكموهم في رقابنا؟

ي هؤلاء جميعا من دون استثناء، يملك أي نوع من الشرعية؟

الشرعية في العالم العربي تعني أمر الواقع فكل من يستطيع فرض وجوده هو من يتمتع بالشرعية : أما شرعية مستمدة من أصوات الشعب و خياراته فلا وجود لها على الإطلاق في أي بلد عربي ، لا حتى شرعية الأفضلية و لو المحتملة.

لقد آن للأمة العربية العظيمة أن تنهض و لن تنهض قبل تحديد أعدائها الداخليين (أنظمتها) و أعداءها التاريخيين (الفرس و الاتراك و الانجليز و الفرنجة) . أمريكا قوة عظمى تبحث عن بسط سيطرتها على العالم و الهيمنة على الاقتصادات العالمية و هي طموحات مرتبطة بمكانتها العسكرية و الاقتصادية لا تخصنا دون غيرنا و سطوة و اللوبيات الصهيونية فيها (و لا أقول المتحكمة فيها) جزء من النظام الاقتصادي الأمريكي، مسموح للجميع و متاح للجميع.

أردت أن أوضح أن من كان يخاف أن تفشل قمة نواكشوط لا يفهم أي شيء لأن أفضل القمم العربية أكثرها فشلا.. و من كان يتمنى أن تكون ناجحة أجهل منه لأن أنظمة فاشلة و خائنة كهذه لا يمكن أن تصنع قمة ناجحة بأي معجزة.

و هنا لا بد أن تكون لنا وقفة استدراك و تنبيه يحتاجها الموقف لأقول فقط إن فشل القمة العربية ليس ما يجب أن يفاجئنا اليوم أو يحز في نفوسنا : إن ما يفاجئني و يخيفني و يحز في نفسي شخصيا هو أن يكون ما زال هناك عربي ينتظر قمة عربية ناجحة تولد من رحم “الجامعة العربية اللعينة” .

لهذا السبب و تأكيدا له قلت و أكرر إن رفض المغرب لإيواء قمة عربية “لا فائدة من ورائها”، موقف ثوري لم يلق ما يستحقه من إشادة من النخب العربية الخاملة و المهزومة. أما من انتظروا نجاح قمة ولد عبد العزيز فهم كمن تريد “كليبا حيا” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى