توباك تنقذ حوار قصر المؤتمرات…

أزيد من اسبوع و انا في وحدتي و انفرادي ، فقد اعتزلني اتباعي فجأة و هجرني جمهوري لم تعد ساحتي تعرف ذلك الاقبال و الاكتظاظ ، اوقفت انشطتي، و حزمت جراب صبري و تلمست سبيلي باحثة عن خيط يعيد ارتباطي بالجمع المفقود ، فتشت عنهم في مخافر الشرطة و في المراقص و الملاهي ، و ذهبت إلى قاعات الأعراس و جبت الشوارع و تمعنت ملامح المتشردين و المخبرين المتسمرين أمام إشارات المرور و البقالات ، و طفت بالمعتصمين و المحتجين أمام الرئاسة ، طرقت المشعوذين و العرافين، فايقنت أن الأرض ابتلعت رهطي ، أو أن حدثا ما فوق التصور قد حاق بالأقوام. 

لا اثر لحشدي في هذا الوجود ، استوطنني الحزن بعد يأس كئيب من عودة الأماسي الجميلة التي جمعتنا ، كانوا كالفريق المدرب على التجانس رغم تفاوت الاعمار و الاقدار و تباين الجنس و الالوان ، و اختلاف الظواهر و الاحوال ، و تقاطع المشارب و الافكار ، انهم كفريق السيرك ينشطر و يتفرق ليلتحم و يتعانق في حركات محسوبة و خطوات مدروسة غاية في الدقة و الاقناع لبناء مشهد جمالي رائع يستحق الانحناء و التصفيق . عدت للحي كي اتلهى من ضجري ، جلست قربهن في سمر باهت و حزين ، كانت جاراتي تتهامسن و تحكين عن تواجدهم بكامل الزينة في ذلك القصر البهي ، و عن صنوف الموائد المرصوصة على الطاولات ، و الموسيقى الهادئة و الأجواء الحميمية و عن العطور و البخور و تخدير المشاعر ، اقسمن الايمان ان بينهم الشيوخ التائهين و الشبان اليافعين و النساء و المخنثين و المهمشين العاطلين و المتسولين الضائعين ، و انهم هناك في قصر المؤتمرات ياكلون و يشربون و يمزقون وثائق الوطن يرقصون و يتبولون على جبينه الوضيئ، أطلقت ساقي للريح ، و في لمح البصر و جدتني عند بوابة قصر منيف ، قلدوني اوراقا على صدور الجميع ، فلاحت لي الدهماء من كل الاشكال و المخلوقات ، انه جمهوري كان يصفق في امسياتي و يتعلم الحكمة من كلماتي و يتهجى المفاهيم في حلقاتي لا أعرف من الأسماء و الصفات إلا اليسير من مشاهيرهم و اساورتهم زيدان و بنه و باي ابيخ و حمقى و مجانين الوظائف و مهرجي أحزاب الحقائب و المنظمات ، انتم بالفعل من كانوا يملاون حياتي و يشعلون حماسي ، لماذا رحلتم عن عالمي و اطفأتم شمعتي ، تحلق الافواج حولي جموعا غفيرة من سادات الصفل و الغرارة تصرخ و تصيح باسمي و تنادي بشعارات و رموز وطنية طالما شدا بها الأغبياء و ترنم بها البلهاء ، تربعت على المنصة فاطرق الناس و لا تسمع لهم حسيسا، ضرب زيدان طبله و رفع بنه عقيرته ( عزيييز ) فضجت القاعة و رج المكان ، ضربت نانا توباك الطاولة بالمطرقة لاستعادة الهدوء و سألتهم ما الحكاية ؟ ، نق الناس و شقشقوا أشباح في هذه الصحيفة تفزعنا ، إنها مجرد أرقام ( 26_28_99) لكنها كالموت الكاشر عن انيابه يتبزى منهن السم و تقطر بالمبيد المميت ، لا نستطيع الخروج من هنا ولو طال بنا الامد قبل سحلها، قد نمضي الشهور و الأعوام محاصرين في هذا المكان ، كلما طلبنا لاحداهن سبيلا اوقفنا حارس سمج ثقيل ، جلنا في خريطة الصحيفة و مواطنها الاخرى بحثا عن فجج يمكننا من تمزيق حمايتهن و هتك حصنهن المنيع ، لكن النهج مسدود و الأمل في فتحه مفقود ، و انت مطيتنا للخروج من خيبتنا و إخفاقنا فقد دهمنا العجز و قيدنا الوهن الشديد .  فتحت نانا توباك الصحيفة و هتفت في الملإ ساحرركم من الخور و الاستذلال فقد جربتم اصالة رأيي في الحماقة و الجنون و تيهي و غباء تدبيري ، و نزقي في مواجهة العويصات ، ان حظه معنا وفير في الخلاص من قيودهن ، و وصفتي ان تغمضوا العيون و تخرسوا العقول و تنسفوهن فاهل الرشد و النهى لن يطوفوا حولهن لصلابة منعهتهن ، لن يفيدهن تمديد الحوار و لو لسنين . لكن عته المجانين و هبل الممسوسين لا يوقفه منطق و لا تحده رصانة . جلجل القصر و دوى و خرجنا صفوفا ننشد زيادة عهد قاحل قاحط ماحل ، نشد صريمة العزيز ، و ندمر أحلام العقول الحمقى ، و لن تكون موريتانيا سوى موريتانيا .

بقلم / يحي الامين الاندلسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى