ملاحظات حول مذكرات محمد خونا ولد هيداله/ شيخنا ولد إدوم

 

altطالعت إصدارا جديدا بعنوان “محمد خونه ولد هيداله: من القصر إلى الأسر صادر عن منشورات “وكالة أنباء الأخبار” المستقلة، فإذا به محاولة جادة وجهد طيب بذلته الجهة الناشرة لحمل الرئيس السابق السيد محمد خونه ولد هيداله على سرد مراحل هامة من تجربته الذاتية، خاصة منها الجوانب العامة التي كانت لها علاقة تأثير مباشر أو غير مباشر على مسار البلاد ومصائر الناس.

ورغم احترامي الشديد لشخص السيد محمد خونه ولد هيداله، ولتجربته العامة وسيرته السياسية، وتقديري للجهد الطيب الذي بذلته “وكالة الأخبار المستقلة” لإعداد وصياغة ونشر هذا الكتاب، فإن هناك ملاحظات على هذا الجهد الجيد، أود أن أدلي بها في النقاط التالية: ” من القصر إلى الأسر” ليس عنوانا مناسبا للكتاب، لا من حيث الدلالة على مضمونه، ولا من حيث القيمة التعبيرية التي يضفيها عليه؛ فمن حيث المضمون لم يتجاوز الحديث عن مرحلة الخروج “من القصر إلى الأسر” ثمان صفحات من إحدى عشرة ومائتي صفحة هي حجم الكتاب، ولم تتخط مساحة الحديث عن تجربتيه في القصر والأسر معا ستين صفحة. ثم إن السيد محمد خونه ولد هيداله، لم يكن أول من خرج من القصر إلى الأسر، ولم يكن الآخر، فمن قبله خرج المغفور له المختار ولد داداه 1978، ومن بعده خرج سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله 2008؛ مما يعني أن هذا الوصف يجمع ولا يمنع، ولولا إيقاعية مكونتيه، ومسحة التعاطف الخجولة لديه، لكان منخفض المصداقية، متعسفا في صياغته. التهميش والإحالات هوامش الكتاب اختلطت فيها الضمائر والتبست فيها وجهة الإشارات؟ لدرجة  قد تصيب القارئ بحالة من الإرباك والتشويش، إذ غالبا ما يوضع تعليق أو تفسير أو إحالة في الهامش لا  يتضح مصدرها. هل هي توسع  أو تفسير صرح  بهما محمد خونة  ولد هيدالة، أم زيادة أضافها  المحرر من عنده؟. مضمون الكتاب قدم لنا الكتاب  تفاصيل مهمة حول جوانب عديدة من حياة البلاد بما فيها ملابسات بعض أحداثها وتطوراتها التي تعرضت لها خلال فترة  ما بين 1947 و2003، وأمدنا بمعلومات عن علاقات وتصرفات وآراء عدد غير قليل من الأشخاص الذين كان لهم دور مؤثر في الشأن الوطني، بمن فيهم غالبية القادة العسكريين الذين أداروا شؤون البلاد خلال ثلاثين سنة، والذين أظهرهم الكتاب على هيئة مجموعة من المراهقين المزاجيين قصيري النظر السياسي، يحتقرون السياسيين من المدنيين، سواء منهم” القدماء”  أو”الشبان الخياليون” على حد وصف البيان الأول  للجنة الخلاص الوطني الصادر يوم 6 /4/1979، المنشور في هامش ص 88 من هذا الكتاب، ويتسابقون إلى السلطة، من خلال الانقلابات والإقالات المتتالية، ويتصارعون عليها بالتصفيات الداخلية الفردية والشللية، بما عبرت عنه تجربة ولد هيداله نفسه، منذ خطواته الأولى في الجيش، إلى أن أخرج من القصر إلى الأسر. واحتلت “الصحراء الغربية “حيزا مكينا من التجربة، سواء ما تعلق منها بتفاصيل مجريات حربها التي هزت كامل أطراف البلاد، أم بالاتهامات التي تعرض لها المؤلف في شأن انحيازه إلى جبهة (البوليزاريو)، إبان قيادته لمناطق عسكرية كانت عرضة لمواجهات مسلحة معها، أم تعلق بتأثيرها في أسباب انقلاب العاشر يوليو 1978، وفي أسباب صراعات وخلافات وتوترات داخلية وخارجية كان من نتائجها انقلاب السادس ابريل 1979 ومحاولة 16  مارس 1981، وسواء ما تعلق بتأثيرها في توجهات ومواقف واهتمامات وأولويات نظام ولد هيداله نفسه، حيث أصبحت علاقات الدولة الموريتانية، في هذه الحقبة، تتحسن أو تسوء مع الأطراف الدولية بناء على موقف تلك الأطراف من القضية الصحراوية التي أضحت قضية وطنية بامتياز، بدرجة أن أهم ملفات زيارات الرئيس الخارجية كانت بهدف تحصيل الاعتراف لجبهة البوليزاريو”(يقول في الصفحة 112: “بالنسبة لقضية الصحراء فقد شهد موقف بلادنا وموقعها في هذه القضية، خلال فترة حكمي، تغيرا لا بأس به”، وفي الصفحة ذاتها يقول ، “كنا ننسق معهم ـ يعني الجزائر ـ  لدعم القضية الصحراوية” وفي الصفحة 119 طلبت من العراقيين دعم القضية الصحراوية، وفي الصفحة 122 “طلبت منهم ـ يعني الصين ـ  أن يتبنوا دعم القضية الصحراوية فقبلوا”…إلخ ) بل أن تأثيراتها حتى في علاقاته الداخلية مع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية كان مؤثرا بشكل فعال، فمثلا اعتقالاته للبعثيين ومطارداته إياهم كانت ِردة فعل على موقف العراق الداعم للمغرب من القضية الصحراوية. يقول المؤلف، في الصفحة 134، متحدثا عن أسباب ملاحقته للبعثيين: (وكان أول ذلك أنهم غيروا موقفهم من القضية الصحراوية بعد ما فعل العراق الشيء نفسه)، وكذلك رأى في الناصريين الذين واجههم بداية 1984 بحملة اعتقالات ومطاردات واسعة، كانت سببا في نهاية حكمه قبل متم السنة نفسها، ومارست ضدهم أجهزته فظائع من أبشع صنوف التعذيب، استشهد جراءها اثنان من خيرة قادتهم (سيدي محمد ولد لبات في نواكشوط وأحمد ولد أحمد محمود في أطار)، وذلك حين غير معمر القذافي موقفه من الصحراء واقترب من المغرب (موقف عبرت عنه اتفاقية وجدة 1984)، وفي هذا السياق عرَض باسم قائدين تاريخيين بارزين للناصريين موهما بأنهما كانا ينويان إخبار أجهزته بمزاعم تفيد بأن النظام الليبي كون جناحا داخلهم مواليا له، وهي إشارة لا يخفى مستوى ضعف مصداقيتها. فالقول بأن الشخصين كانا “ينويان إخبارنا” لا يعدو كونه مجرد قراءة في نيات أشخاص  تعرضوا للتعذيب والمضايقات والاعتقال لمدة سنة كاملة دون أن يفصحوا عن تلك النيات!! أما حين تحدث عن ” الحركة الوطنية الديمقراطية ” المعروفة بصلاتها الفكرية والسياسية والتاريخية  القوية مع جبهة (البوليزاريو)؛ فقد وصف علاقتها بنظامه بأنها كانت جيدة، وبأن شخصيات عديدة من أعضائها أو من المقربين منها شاركوا في حكوماته. ويؤكد على متانة علاقتهما (في ص 136): “ونظرا لقرب الحركة منا ومساندتها لجميع قراراتنا باستثناء تطبيق الشريعة، لم نسع إلى زرع عناصر فيهم لنكون على بينة من أمرهم … وكنت أعرف (أن لديهم) تنظيما سريا ولكن لم أطلب منهم حله، لأنني كنت على اقتناع بأنهم حركة وطنية).. الأمر الذي يمكن أن يدفع بقارئ هذا الكتاب إلى أن يظن بأن ما تعرض له البعثيون والناصريون  في زمن نظام ولد هيداله، من ملاحقات ومضايقات ومحاولات اجتثاث، لم يكن  في جوهره إلا انتقاما من العراق وليبيا لصالح (البوليزاريو) على مواقفهما منها، وليست  بالدرجة الأولى لأسباب وطنية داخلية. وإلى جانب ذلك اتسم الكتاب أيضا ـ في بعض الأحيان ـ بما يمكن وصفه  بالتحامل والتحيز والتناقض، وبخفة حدة الدقة حيال بعض الشخصيات والأطراف والأحداث، وأذعن  للتبسيط والسطحية في جوانب متعددة  من طروحاته وتحليلاته للقضايا الوطنية والإقليمية والدولية ومعالجاتها. خلاصة غير أن ذلك لا يعني أن تجربة السيد محمد خونة ولد هيداله لا تستحق أن تنشر وتقرأ، سواء فيما قبل سنوات حكمه، أم في الفترات التي قضاها حاكما أو أسيرا أو سياسيا حرا طليقا.. إنما على العكس من ذلك؛ فلقد كانت تجربة هامة ثرة جديرة بالاحترام والتقدير.. فلقد تعرفنا على جوانب هامة في تاريخنا السياسي المعاصر ما كان لنا أن نطلع على تفاصيلها وملابساتها لولا  كتابة هذه التجربة… ثم إن محصلة تجربته في الحكم، لم تكن على الإطلاق، هي الأسوأ في تاريخ أحكامنا الوطنية، وليس من المتاح لمن يتحلى بالقدر المناسب من الموضوعية والإنصاف إلا أن يشيد بشجاعة ولد هيداله وجرأته، وأن يقدر محاولاته “إعادة الإعمار” في مجال تقويم الاقتصاد وقطاع الصيد، والثروة الحيوانية، والعلاقة مع البنك الدولي، ومواجهة موجة الجفاف، وأن يشيد بقراراته الهامة في ميادين إلغاء الرق والإصلاح العقاري، وتطبيق الشريعة الإسلامية. وبطبيعة الحال فقد اكتنف تطبيق هذه الإصلاحات والقرارات  تعثرات واختلالات وأخطاء كثيرة، اعترف هو نفسه ببعضها (الاعتراف بالخطأ فضيلة). اضغط لقراءة الموضوع من المصدر(موقع ميثاق)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى