قصاصات ابروكسيل/ محمدالأمين محمودي

ابروكسيل-طنجة- الرباط

صورة ملف ‏‎Mohamed Lemin Mahmoudi‎‏ الشخصي ، ‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏منظر داخلي‏‏‏‏الزمان انفو ـ كنت منذ ايام قد تعرفت على محمد محمود ولد سيدي، اما الصحافي والحقوقي وديعة والأستاذ جميل فكنت اعرفهما من قبل،احدهما في الصحافة والآخر في السياسة والصحافة معا..انتهى بهم الحال الى قصر منيف في بلدية ترون ببروكسيل.واعتقد انني حكيت لكم ملابسات الرحلة والوصول ولاشك انهم تحدثوا عن رحلتهم العجيبة والموفقة.

لم الاحظ تميزا في الرجل الجديد كليا علي،كان نحيف البنية بذقن كرأس حربة،يشبه الى حد كبير طلبة المحاظر،خلال الأيام الأولى للتعارف،اقاموا عشاء على شرف الأعداء الأصدقاء، وكانوا يتبادلون الأدوار في خدمة الضيوف،لاكبير فيهم ولاصغير،ومع الأيام بدأ الشخص الدقيق ينصع ويتشكل في ذهني،إنه رجل يبدو تقليديا في تعامله معنا كشبان جامحين وهو المتدين المصلي دائما،لاحظت انه يغالب الضحك حين يتفوه احدنا ببعض المرفوض تقليديا،ثم سرعان مايغلبه فيستسلم لهستيريا مهذبة و غير مسموعة..عالم دين في ظاهره وشيخ تربية في حقيقته وجوهره. “محمد محمود طيب”،هكذا كان تعليق الرفاق واحدا بعد الآخر،ويبدو ان كل واحد منهم ارتبط معه بصداقة خاصة،اساسها دعوي وظاهرها اللجوء لابن الوطن في الغربة وفتح القلب له. كانت محطة بلجيكا مهمة للرجل ليتعرف على طبائع الشبان المهاجرين وكيف يمكنه ان يعينهم روحيا دون ان يزعجهم او يتدخل في حرياتهم الشخصية،وللأمانة كنت اذا مرضت ذهبت الى محمود ففي لاشعوري انه رجل صالح وانه لايمارس السياسة وانه كان مع الرجلين بالصدفة او بالانتماء لتيار ديني يأخذ منه هو جانبه الروحي فقط،اذ في تلك الفترة كانت المزاوجة بين الدين والسياسة بالنسبة لي خطيئة كبرى اعيذ الرجل منها..كنت اقضي معه الساعات حتى احس بأن الملم الصحي انتفى فأعود الى الدنيا واهلها. المهم(!) نبأت من بلجيكا الى المغرب حيث كنت في رحلة من ابروكسيل الى طنجة في سفرة شخصية سأحدثكم عنها لاحقا، حين سألني ان اجلب له بعض الكتب من الرباط ان امكن مضيفا: انها بعض الكتب الخاصة بجميل منصور “لكنها سياسية فكن حذرا وان رأيت انها قد تضرك او تزعج السلطات فاتركها حيث هي”. وصلت طنجة جوا بتذكرة ذهاب ،وبعد يومين من الاقامة بحي “بني مكادة” الشعبي، قررت ان اذهب الى الصحافيين باباه سيدي عبد الله وسيدي ولد النمين في سكنهما غير بعيد من اذاعة البحر الأبيض المتوسط ” ميدي 1″ ..كنت احتاج جلسة اتاي وأنس،دخلت “قيصرية السعادة” حيث العنوان ،وطرقت باب باباه فاستقبلني بحفاوة وحين سألته عن سيدي قال ان بيته يقابلهم،ثم اضاف: ريثما تشرب سأخبرهم بوصولك -لا اريد ذلك،الحقيقة انني لااريد ان اتعرف على فنانة كبيرة كديمي او ان ازورها اول مرة دون ان اجلب لها هدية والله يعلم حالي فأنا قادم في امر لما يتحقق بعد وبالكاد املك ميزانية ايامي المتبقية وتذكرة العودة في الباص هذه المرة. – – “ماهو فالك ديمي ماهي من ذاك النوع..ديمي اكبيرة”..هكذا سحبني باباه الى بيته الثاني. – اقمت في طنجة تلك الأيام العشرة مع باباه و “اب فال” وسيدي “وكات” رحمه الله والرائعة الراحلة ديمي رحمها الله ،اذ اكتشفت فيها من الخصال مافاجأني،حيث كانت كريمة حد البذخ وتصرف كما يصرف الرجال وتعاملني كأنني طالب مبتعث،ومتى هممت بشراء غرض من اغراض البيت حين يكون سيدي وباباه مداومين ترفض وتتعلل بأنني صهرها والحقيقة انها كانت تشفق علي وتتفهم وضعيتي المالية. – اسمعتنا رحمها الله روائعها الخالدة ليلا على شاطئ المتوسط في صيف رائع تتخلله ادخنة المشاوي وخرير الشاي، كما اقامت لنا حفلات خماسية الأبطال في البيت ايضا،وكنت سعيدا اذ ان ديمي كانت نصف الوطن وهاهي معي ولم يعكر مزاجي الا التفكير في رسالة الاسلاميين التي لا اعرف مضمونها، فمن يدري قد يكون التفجير هو المرحلة القادمة من تطورهم وارتقائهم في هذا الفكر الخطير. – التقيت محمد شكري هناك ذات يوم وعرفت المحلبة لأول مرة وعرفت الآفوكا الذي يشرب ويؤكل هذه المرة بعد ان كان الآكل دائما، وسرت ساعات وقت الأصيل على كوبري طنجة حيث يمكنك ان تتحسس المدافع المنصوبة و ان تشاهد اضواء الخزيرات الاسبانية.وتشاهد كيف يحتفي المغاربة بأبنائهم المهاجرين القادمين في اجازات لاتقضى الا في ” لبلاد” على لغتهم. – سافرت الى الرباط وهناك كانت لي جلسات مع فتى زمانه احمد بدي ولد اباه رحمه الله،وكنت اريدها ان تطول لأنها جلسات مع متصوف عاش سني عمره مابين باريس ولعقل وايكدي فكان توليفة من هذه البقاع والثقافات،كما كنت غير مستعجل على الرسالة ” الملغومة”. – اتصل بي (مدير موقع الأخبار حاليا)الهيبة ولد الشيخ سيداتي الطالب حينها مرات من حيث يقيم بالرباط وكنت في كل مرة اسأله ان اتأخر الى ان كان الوقت الذي لابد منه،خرجت من بيت اهل اباه رأسا الى المستشفى لأحضر عملية نزع شظايا من جسد زوجة صديق لي كانت قذيفة هاون قد انفجرت عليها خلال انقلاب فرسان التغيير،حضرت العملية وبقيت مع الصديق لغاية السادسة مساء حين لاحظت ان جل المرضى في العنابر موريتانيون، اخبروني ان المملكة ارسلت طائرة لحمل ضحايا الانقلاب لعلاجهم في المغرب على حساب القصر،فانتهز وزير الصحة الفرصة وارسل مرضى كان الانقلاب قد اصابهم “بالسكري او الكبد او امراض الكلى..،”حل الظلام فذهبت الى الهيبة في ” القامرة” حيث يقيم جل الطلبة،التقيته،شربنا شايا معا،تعشينا بمعكرونة وفخذ دجاجة، نافسني عليها الطلبة بشراهة،وامام البيت سلمني الهيبة كيسا اغلق وغلف باحكام،اعانني حتى حملناه الى سيارة اجرة،ودعته وانا العنه سرا :هل سيورطني هذا الرجل و”اخوانه” في عملية ارهابية عابرة للقارات؟!!!(اعتذر اليوم اخي الهيبة عن هذا التفكير غير اللائق) – حمل بعضهم معي الكيس وادخلته في القطار كان الوقت متأخرا،تركته مرميا بالقرب من احد الركاب،اهملته،وصرت اتجول بين المقصورات وانا افكر في الآتي..،خمس ساعات من ارتعاد الفرائص وتسارع دقات القلب،ففي احسن الأحوال هي كتب الفها اسلاميون او فيها تنظير اسلامي كان مربكا ومخيفا فنحن في السنوات الأولى للارهاب،والكتب ملكيتها تعود لمتهمين بالارهاب في بلدهم مع تعميم دولي عليهم..ثم اين انا؟ في المغرب،حيث المخابرات التي لاتنام ولاتتثاءب..ومعي جواز السفر الخاص باللاجئين غير المحبب في البلاد العربية. – لا ادري الى الآن كيف وجدتني صباحا امام محطة القطار في طنجة وامامي آلاف الجنود يحملون بنادقهم وينزلون من الشاحنات بسرعة،قلت هل سينفجر الطرد حالا ام انهم سيفككونها اولا ومن ثم يبدأ اعتقالي،وتعذيبي بالقارورة” المقعد”.. كان العاهل المغربي سيزورمحطة قطارات طنجة لتدشين توسعة كبيرة ذلك اليوم،فهمت الأمرمن احد المارة،فقررت نتيجة حالة الهلع التي انتابتني قبل لحظات ان اسافر بعد ساعات او ان اتلف الكيس،او الكتب ان كانت فعلا كذلك.. – في بيت باباه تركت الكيس،وحكيت هواجسي له و لسيدي وديمي ،منعوني من السفر وطلبوا مني البقاء لأيام،وصاروا يتندرون علي ويضحكون من خوفي،لكنهم فعلا اخافوني مرة بادعائهم ان شرطيين سألا عني،ومرة اخفوا الكيس واخبروني بأن الكلاب المدربة قادت اليه رجال الدرك وانهم اخذوه وسيرجعون..الى آخر ذلك من قصص جعلتني اقرر السفر فجأة. – هذه المرة سافرت فعلا و عبر الباخرة اولا والباص بعد ذلك،حين ركبت الباص احسست بأن الخوف انتفى،فحتى لو كان مع الكتب مخططات تفجير فالأمر سيتضح لأن المحققين في اسبانيا او فرنسا او بلجيكا سيصلون الى الحقيقة لامحالة..المهم الآن انني خرجت من عالم العرب. – مررت من اسبانيا وفرنسا وانتهت رحلتي فجرا في محطة ميدي بابروكسيل وهناك اتجهت رأسا الى القصر فوجدتهم يصلون الصبح ويستعدون ليوم جديد،قلت سأذهب فكما تعلمون حين ” يستيقظ الاسلاميون ينام الرفاق” ولاستلام مفتاح بيتي يجب الوصول الى هناك قبل ان يناموا. – قبل ان اخرج فتحوا الكيس فاذا بكمية كبيرة من كتاب “موسم الافتراء” لجميل منصور وهو كتاب كانوا يردون فيه على علماء المرق واللحم والسلطان.. – كان كتابا لكنني اعتقدته قنبلة..وانا اقص القصة بعد ايام على رفاق اليسار قال احدهم: ليس قنبلة لكنه مادة من موادها وقد تكون قنبلة لكن بعد عقد من الزمن..لاحقا اي بعد عقد ونصف تقريبا من هذا الكلام لم تصدق نبوءته،فلا القنبلة انفجرت ولا الكتاب تحول الى قنبلة..هذه قصاصة تعارف فقط مع ولد سيدي والبقية قادمة. –

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى