لقاء مع أصغر باحثة مغاربية في مرويات التراث الشعبي

alt

لعزيزة منت البرناوي: المرأة أيقونة المكان في ذاكرة الصحراء

لعزيزة منت البرناوي، كاتبة موريتانية، صنفت كأصغر باحثة مغاربية في مجال مرويات التراث الشعبي، وتم تكريمها في محافل عدة لمساهماتها في ذلك. بدأ شغفها بالتراث الشفاهي منذ سن مبكرة، وفي منجزها البحثي اليوم كتابين مهمين، يمسان صميم هذا الموروث. في حوار مع (البيان) تحدثت لعزيزة عن تفاصيل شغفها بالقصص الشعبي، كما تحدثت عن اهتمام دراساتها بالمرأة في الذاكرة الجمعية في مجتمعات الصحراء، معتبرة إياها أيقونة المكان في هذه الذاكرة. فإلى التفاصيل..

 

 

صورة مجتمع

– من خلال كتاب (المرأة البيظانية) استطعت جمع أكثر من 500 مثل حساني، صفي لنا بداية مشروع هذا الكتاب وظروف التأليف والمعايير التي تم على أساسها اختيار الموضوع والبحث؟

 

 

– يمكنني القول إن بداياتي مع مشروع هذا الكتاب كانت بسبب تأملاتي الدائمة حول تلك التحولات التي شهدها المجتمع في فترة زمنية وجيزة، والتي حملت معها الكثير من الظواهر الغريبة عليه والضارة في كثير من الأحيان، والتي خلخلت قيمنا وأسس حضارتنا العربية الإسلامية التي شيدها الأجداد في أعماق الصحراء متحدين كل الظروف البيئية القاسية، ومؤسسين مجتمعا راقيا، فكان من الصادم لي ظواهر التفكك والانحلال تلك في الوقت الذي كان علينا أن نضيف إلى ذلك المجد التليد مساهمتنا الخاصة، مستغلين ما تتيحه مستجدات العصر من إمكانيات هائلة.

 

 

فبدأت أعود إلى موروثنا الثقافي الشعبي في محاولة لتحديد ملامح تلك الصورة المشرقة لمجتمعنا، ولاشك أن قضية المرأة كانت تحتل حيزا كبيرا من تلك التأملات، لأنني اعتبر أنها قضيتي الأساسية، وأثناء ذلك بدأت أفكر في جمع الأمثال المتعلقة بالمرأة وأتساءل عن دورها و مكانتها في المجتمع، لتتخذ الفكرة في نهاية المطاف شكل قرار بتأليف كتاب في الموضوع، وقد وجدت أنها تحتل مكانة مهمة، في مجتمعات الصحراء، حيث عززتها الذاكرة الجمعية كأيقونة تملأ جنبات المكان.

 

 

مكانة المرأة

 

– بعض الباحثين ذهب إلى وصف المجتمع الموريتاني بالمجتمع الأمومي، بمعنى أن المرأة هي المسيطرة هل ذلك صحيح، على الأقل من خلال الصور التي استنطقتها من المأثور من الحكم الشعبية؟

– أعتقد أن التكامل بين دور المرأة والرجل، وتلك المساواة النسبية في حدود الشريعة الاسلامية كانت أحد الأسرار وراء نجاح المجتمع التقليدي وخلوه ـ نسبياـ من تلك الظواهر الغريبة و التي أصبحت تشكل أحد المخاطر المحدقة به اليوم، فقد كان من عادات المجتمع البيظاني (وهي تسمية يطلقها المؤرخون على السكان العرب الناطقين باللهجة الحسانية، المشتقة من العربية، أو ربما أقرب اللهجات إليها، في النطاق الجغرافي لموريتانيا)، إكرام وتبجيل المرأة إذ كانوا يشركون النساء في صناعة القرار، كما يجلوهن عن الأعمال الشاقة والمزرية.

 

 

وعلى العموم فقد كانت المرأة البيظانية في أغلب الأوساط الاجتماعية تحتل مكانة متميزة، فهي دائما مكرمة لا تكليف عليها ولا تعنيف تجسيدا للمثل الحساني القائل: ” لــَعْلَيَاتْ أعـْمَايَمْ لَجْوَادْ ونْعَايَلْ لَكْلابْ” أي : النساء عمائم للكرام ونعال للكلاب.

 

 

محكيات شعبية

– تشتغلين الآن على كتاب (صورة الرجل) هل هو جزء ثان من الكتاب الأول بشكل آخر، أم أنه يختلف في المنهج والسياق وطريقة البحث؟

ـ الواقع أن كتاب “صورة الرجل” قد صدر في بداية سنة 2012 وهو يستمد خصوصيته المنهجية من خصوصية موضوعه.

 

– هل لك لعزيزة طموحات في مجال البحث الأنثربولوجي بأبوابه الواسعة والتي يعد التراث الشعبي ومحكياته ومروياته أحد بوابه الواسعة؟

– الواقع أن ما يتعلق من حضارتنا بالتقاليد المروية لم يحظ لحد الآن بما يستحق من جهود بحثية، فقد اقتصرت تلك الجهود على جمع ونشر بعض الدواوين الشعرية الشعبية، وتدوين جوانب محدودة من تلك الثقافة الأصيلة، وقد شكلت تلك الوضعية أحد الدوافع الأساسية التي جعلتني انخرط في مغامرة البحث.

 

– هل شاركت في جائزة الشيخ زايد للكتاب (فرع المؤلف الشاب) من قبل؟

– لـم يحصل لي الشرف بعد في المشاركة في هذه الجائزة العظيمة، مع أنني أرى أن الفوز فيها حلم أتمنى أن أحققه.

 

 

– توصفين كأصغر كاتبة موريتانية وأصغر باحثة مغاربية متى بدأ كل هذا الشغف وهل لك اهتمامات أخرى؟

– لا شك أن لقب أصغر باحثة مغاربية يعني بالنسبة لي الكثير وقد شجعني كثيرا على مواصلة الدرب، أما بداياتي مع الكتابة فقد كانت في سن الطفولة مع تدويني ليومياتي مما ربطني في تلك السن المبكرة بالكتابة التي أصبحت بالنسبة لي عادة بقدر ما هي حاجة. وعلى هامش الكتابة اهتم كذلك بالشعر و بالأعمال الخيرية و النشاطات الإنسانية.

 

 

مشترك حضاري

– ظهرت في العقد الأخير كاتبات عربيات متميزات بشغفن بصورة المرأة في المخيال الشعبي من أبرزهن الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي ومقارباتها التاريخية الجادة في هذا المجال. هل تؤسسين لحقل ومدرسة خاصين في مساهماتك البحثية أم أنها تأتي ضمن مساهمات لإلقاء الضوء على خصوصيات المجتمع المحلي؟

– رغم احترامي الكامل للباحثة المغربية فاطمة المرنيسي ومساهماتها العلمية المتميزة، ورغم المشترك الحضاري العربي الاسلامي الذي يجمعنا فإنني أرى أن للمجتمع البيظاني خصوصيته وللمرأة فيه تميزها أيضا، أما أنا فإنني أسعى من خلال مجهودي المتواضع إلى تحقيق هدف مزدوج: فمن جهة فإنني أعتقد أن علينا جميعا كل من موقعه أن نتدارك تراثنا المروي المهدد بالانقراض، مسرجين خيولنا في معركة جمعه وتدوينه وتحقيقه ونشره، ومن جهة أخرى فإنني اعتقد كذلك بأن لمجتمعنا خصوصياته الحضارية التي علينا أن نبرزها وأن نتواصل معها لأنها تشكل منابعنا الحضارية الأصيلة.

 

 

– لمن تقرأين وماهي هواياتك ولو لم تكوني باحثة ماذا كنت تحبين أن تكوني؟

 

– أقرأ لكتاب كبار ومن ثقافات مختلفة، فالقراءة تساعدني على الهدوء وتوسيع مداركي المعرفية، ولدي هوايات مختلفة من أهمها: القراءة ، الكتابة، الرياضة، السفر، تصميم الأزياء، التصوير الفوتوغرافي. ولو لم أكن كاتبة لربما كنت فنانة تشكيلية أو مهندسة ديكور.

 

 

اهتمام

إلى جانب اهتماماتها البحثية، لعزيزة منت البرناوي، لايشغلها البحث الاجتماعي عن متابعة دراستها في مجال آخر مختلف، فهي طالبة مجدة في المرحلة النهائية من كلية الطب في نواكشوط، وترى تكاملا بين المجالين رغم اختلافهما. وحول حوارها مع (البيان) رأت أن في ذلك فرصة للتواصل مع القارئ العربي، تحيي من خلالها الصحيفة وموقعها الإلكتروني، الذي تصدر قائمة المواقع الأكثر نشاطا على الإنترنت، وهي فخورة بذلك كقارئة مواظبة على تصفحه، مع تأسفها لعدم وصول الصحيفة الورقية إلى القارئ الموريتاني.

المصدر: البيان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى