كاتب فرنسي: أرفض الإنضمام إلى ” الإعدام دون محاكمة”

إدغار موران، الفليسوف الفرنسي، أصدر كتابين مشتركين مع طارق رمضان، لذلك طلبت منه مجلة “لوبسيرفاتور” الفرنسية، لمناسبة غلافها للأسبوع الجاري المعنون بـ”طارق رمضان، تحقيق حول سقوط الغورو”، رأيه في قضية اتهامه بالاغتصاب من قبل عدد من النساء. الفيلسوف قال، في مقال لم تتصرف فيه المجلة، إنه بقدر ما تأثر بمعاناة الضحايا، بقدر ما يرفض الانضمام إلى “الإعدام بدون محاكمة” الذي يستهدف المفكر الإسلامي. هنا ترجمة من “تيلكيل – عربي” لمقال إدغار موران.

تعرفت على طارق رمضان عندما جاء يقترح علي كتاب محاورة حول المشاكل الكبرى المعاصرة. كانت لديه سمعة المدافع المتشدد عن الإسلام، وبدا لي ذكيا ومثقفا. قبلت التحدي متوقعا أن أخوض مباراة فكرية مع مبارز من درجتي.

لقد كنت، وسأبقى، مسرورا بالمساهمة في بناء جسر بين الثقافات وأنماط الفكر غير المتفاهمة، وغير المتواصلة في ما بينها، في وقت يتعاظم التناقض وعدم التفاهم بينها.

بالنسبة إلي، الإسلام، وعلى غرار المسيحية، أنتج تاريخيا، الأفضل كما الأسوأ، علما أنه في الماضي، المسيحية هي التي أبدت أسوأ ما في اللاتسامح. إن فكري كان دائما مضادا لاختزال الأمور في جانبها السيئ.

وخلال محاوراتنا المسجلة، شاركت زوجتي،  فسألته عن موقفه من المساواة بين الرجال والنساء، فبنى جوابا متوافقا مع مبادئنا.

وأثناء نقاشنا، أبرز طارق رمضان، أنه مع إسلام أوربي يقبل الديمقراطية والمساواة لفائدة النساء، وأظهر فكرا إنسانيا، مختلفا من حيث مصدره الديني، لكنه مطابق لموقفي، فخرج إلى الوجود كتابنا المشترك “خطورة الأفكار”*.

أعتقد أن طارق رمضان طور تصورا متجاوزا لماضي أفكاره المتصلبة، وأنا لست من النوع الذي يسجن الآخرين في تصوراتهم التي تجاوزوها. ولم يكن ممكنا أن يلعب لعبة مخادعة أو مضللة في كتابنا، الذي استثمره في “البروباغندا” (الدعاية) لدى الشباب المسلم.

بعد سنتين أو ثلاث، أردت مناظرة جديدة، لأننا تجاوزنا مشكلة الدين، وحرصت على التعبير عن وجهة نظري الأنتروبولوجية والسوسيولوجية، التي تقول إن العقول البشرية هي التي تنتج آلهتها التي تهيمن على العقول التي أنتجتها.

 قمنا بذلك النقاش الجديد**، الذي أظهر اختلافنا (ومنه جاءت سخافة تصنيفي إسلاميا-يساريا)، وحيث تباينت كذلك أفكارنا حول قراءة الربيع العربي، إذ يرى أنه، في الأصل، متحكم فيه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ورأيت أنا أنه عفوي. لقد كان النقاش مهذبا ووديا، وأداره كلود هنري دوبور، وهو مؤمن مسيحي.

وبعد الهجمات الداعشية الفظيعة بفرنسا، وأماكن أخرى، طرأت موجة استنكار للإسلام السياسي وعملائه المفترضين، وبينهم شخصي، فبدأ التنديد، وبإلحاح، بازدواجية طارق رمضان.

إن عملية شيطنته، دفعتني إلى الدفاع عنه، في أحاديثي، سيما أن هناك  جماعة ضد شخصه، ترمي إلى نزع صفة المثقف عنه.

بعد ذلك، تفاجأت وتأثرت باتهام الاغتصاب وإساءة المعاملة الأول الذي وجه إليه، ثم بالاتهامات التي تلته.

لقد أنكر المنسوب إليه، وقرر متابعة المشتكيات قضائيا،  ولكن إذا كان متورطا، فلن يمكنه، في وضعيته، غير القيام بما عليه فعله إذا كان بريئا: الإنكار إلى ما لا نهاية، علما أن الاتهامات، التي يندد بعضها بالوحشية وإساءة المعاملة، والبعض الآخر بالتغرير بالقاصرات، تظل في كل الأحوال، علاقات جنسية تندرج، حسب معتفد رمضان،في إطار الخيانة.

أعرف أن هناك عنفا إيروتيكيا، يمكن أن يكون مرغوبا فيه من قبل هذا الطرف أو ذاك، ولكن أدرك في الوقت ذاته، أن أصنافا من ذلك العنف، يمكن أن يفرضها ذكر مهيمن خاضع لميولاته الجنسية الأكثر عنفا.

أعرف أنه يجب انتظار المواجهات ضمن التحقيق الجاري، لتشكيل رأي كامل، أو على الأقل بكيفية صائبة، ولكن الشيء الذي لا يمكن التنازع فيه، في نظري، هو التناقض بين خطابه الديني حول الطهارة والعفة، وسلوك المغرر الدنس، والأسوأ، حسب الاتهامات، سلوك الرجل المهيمن الذي يبدي تصرفات جنسية بأن الرجل متفوق على المرأة.

أنا متيقن أن كل ديانة لها رجالها المنافقين، والإسلام يمكن أن يكون لديه الخاصون به، كما أعرف أن الرجال المعتقدين والمجسدين في سلوكاتهم لاعتقادهم بتفوق الرجل على المرأة، يوجدون في كل أطياف ومواقع السلطة السياسية والاقتصادية والدينية، وأعرف بأنه توجد فئة ضد شخصية طارق رمضان، وأطلقت شهامها قبل انكشاف هذه الفضيحة، التي تستعمل من أجل تدميره.

لدي اشمئزاز من هذا الإعدام الرمزي دون محاكمة، وأرفض ضم صوتي إلى هؤلاء المسعورين، ولكن لست أقل تأثرا إزاء معاناة ضحايا طارق رمضان، وهيرفي وينستين (المنتج الأمريكي)، وكل ضحايا الاغتصاب والعنف، إنما فقط، أضع تمييزا بين موقفي من فكره السياسي والديني، وبين موقفي الناقم من  أفعال الإذلال والإهانة، خصوصا ضد النساء والأطفال.

سأظل مواكبا وآخذا بعين الاعتبار مختلف المعلومات الجديدة التي ستأتي حول القضية، من أجل تعديل تحليلي الحالي، إذا اقتضى الحال ذلك.

——

( امحمد خيي، بتصرف عن مجلة l’OBS)

(*): صدر بالفرنسية في مارس 2014 وترجم إلى العربية.

(**): كتاب “l’urgence et l’essentiel”، أكتوبر 2017.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى