السودان وموريتانيا.. تاريخ يمشي على قدميه /مينه منت التهامي(راى حر)

alt

إن المتلمس لنقاط التشابه بين الشعبين الموريتاني والسوداني؛ لا تخطأ عينه ذاك التمازج الفريد في جوانب عدة تصل حد التطابق في العادات والتقاليد، وحتى السحنة والبشرة بل الكلمات وبعض العبارات.

ولنا نحن معاشر النساء تشابهنا الفريد مع أخواتنا السودانيات في طريقة اللبس؛ إذ يرى البعض أن الملحفة في الأصل كانت زيا نسائيا سودانيا قبل أن يكون موريتانيا منذ عدة عصور؛ وقبل أن ترتديه لاحقا نساء اتشاد.

ورغم الاختلاف في طريقة لبس الملحفة بين السودانيات والموريتانيات الذي لا تميزه سوى الفطينات من بنات حواء؛ تكاد لا يميز بين المرأة السودانية وأختها الموريتانية؛ وإن كان البعض يرى أن بلادنا انفردت ومنذ ما قبل التاريخ لكونها كانت الوحيدة بين نظيراتها في المغرب العربي التي انصهرت فيها الأجناس العربية والزنجية على حد سواء وهي بذاك تشبه السودانً.

قبل أيام؛ قال لي أحد الأخوة من السودان يقيم في موريتانيا منذ فترة إنه لا يحس بالغربة هاهنا؛ وأنهم محط تقدير الموريتانيين؛ وأنهم في السودان يسمون موريتانيا “بلاد الشناقيط”؛ وأن أحد أشهر الشوارع بمنطقة الثورة بأم درمان يطلق عليه “شارع الشنقيطي” وهو من أشهر الشوارع في السودان قاطبة، ولم يفوت الفرصة ليؤكد لي أن “الشنقيطي” هذا ربما يكون أول رئيس للبرلمان السوداني بعد الاستقلال والذي تعود جذوره إلى موريتانيا.

هنا أدركت أن للشعبين من التاريخ المشترك والتقاطع الثقافي ما يجعل حاضرهما واعدا؛ فلو تجاوزنا دور الحجاج الشناقطة الذين مروا بالسودان في نشر تعاليم الدين الاسلامي والتصوف واوجه التشابه والتماهي بين الشعبين في العادات والتقاليد سيما فيما يتعلق بالزي النسائي وبعض العادات الغذائية لدى الشعبين؛ إلى قواسم مشتركة أخرى تتعلق بالتركيبة العرقية واللغوية لكل منهما ، واشتراك البلدين في المذهب المالكي واسع الانتشار في كليهما ، وخصوصاً المدرسة الخليلية الإسحاقية ، والعقيدة السنية الأشعرية ، وكذلك التصوف؛ وحتى التشابه في الكثير من ألفاظ لهجتي البلدين والأمثلة على ذالك كثيرة من قبيل (الشهر مات: بمعنى انتهى وانقضت أيامه؛ وكذلك كلمة “الصالحين”، بمعنى: أولياء الله الصالحين، إذ لا يندر أن تسمع عبارة ” يا الصالحين جملة ! ” كعبارة استغاثة في السودان)؛ ونقول في موريتانيا في معرض الحلف “علي بلحرام” وهو ما يطابق قول السودانيين: ” عليْ بالحرام ، أو علي الحرام “؛ وقولنا في القسم واليمين “علي بجامع ليمان ” ، وهي تقابل قول السودانيين: ” علي بجملة الأيمان “؛ وغيرها كثير مما أورده الباحث السوداني “خالد محمد فرح” في مقاله بعنوان “أوجه الشبه بين العامية السودانية واللهجة الموريتانية (الحسّانية)” .

كل هذا التقاطع والتشابه والتماهي الذي لايعد ولا يحضى في جوانب عديدة؛ خلق أرضية خصبة ومهد أمام تطور علاقات الدولتين؛ فتدفق رأس المالي السوداني على موريتانيا تاركا بصمات واضحة لا تخطأها العين للشركات السوادنية بدأ بـ” شنقيتل” للاتصالات؛ ومدينة رباط البحر السياحية؛ و مشروع سكر موريتانيا المرتقب التابع لمصنع سكر كنانة العملاق بالسودان؛ دون أن ننسى شركة “الساحل بانكرنق” في نواذيبو؛ وشقيقتها شركة ” فُرَصْ” للمقاولات العقارية ؛ ينضاف إليها الوصول المرتقب لمجموعة من الأخصائيين السودانيين الذين سيعززون قدرة طواقمنا الطبية في المستشفيات خاصة الداخلية منها.. لتبقي موريتانيا والسودان شعبا واحدا متين الأواصر التي لا يفصمها التباعد الجغرافي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى