خيبة أمل

الشاعر طلعت سفر:

الزمان أنفو ـ
بعد عشرين عاماً…أتيت أطرق بابها وأنا حزين لعل بسمتها تمنحني
شيئاً من الفرح
*
جفا عيوني الكرى… واعتادني حزَني

واليأسُ… لوّح لي من شرفة الزمن

ضاقتْ أساورها الأيام… واتّسعتْ

أحداقُ همّي… وطافَ الصمتُ في مُدني

إذا ترحّلَ يومي… جُنّ من طربٍ
ليلٌ على خشَبات السهد… يصلُبني
تنهلُّ بي صَوَرٌ شتى… وأخيلةٌ
تلوّن الليل في عيني… وتَسْحَرني
ياقلب!
مالك بعد اليوم من سكَنٍ
وهل تجود رياح العمر بالسكن؟!!
إن كنتُ ودّعتُ أجفان النساء… فلي
من ذكرهنّ سواقي الطيب تغمرني
عدْ بي لمن لم تزلْ تحيي بطلعتها
نيسان عمري… وبالأطياب تنفحني
كم أطلعتْ من وسادي صاحباً مرحاً

حتى ينادمني في ليليَ الخشِن!!

هل رمَّدَ الزمنُ المسروق

أم أنها بعد هذا النأي تعرفني؟

إذا تلفَّتُّ… صبَّ الأمسُ خمرتَه
وراح يملأ… أكوابي… ويسكرني
فللسنين… على أبواب ذاكرتي
محاجرٌ من كوى الأيام… ترمقني..
ما أشرعتْ بيد الذكرى نوافذَها
الا ترامتْ غيوم الحب… تمطرني…
هتافها ملء سمعي… كلما وقفتْ
على غصون الهوى تشدو… وتطربني….
عشرون… مرتُ فرادى… ثم نظّمها
في سُبْحة العمرخيط الدمع والمحن
كأنّها بمداد القهر… قد كتبتْ
تاريخ أمجادها الدامي على بدني
الوقتُ من حزنٍ ومن سأمٍ
والليل… أظفاره السوداء تجرحني
حبيسُ صدري هوىً… طاغٍ أُكابده
من ألف عام وهذا العشق يسكنني
كتبتُ بسمتَها…الشقراء أغنيةً
يطير بي… فوق خد النجم يزرعني
تلك التي مقلتاها… كانتا قدري
وكان درب هواها منتهى وطني
جُنّتْ خطايَ.. وصاح الدرب من وجعٍ
كأن بحراً من الأشواق يدفعني
رقَّ الأصيل… فأهداني نسائمه
وراح يلهث ظلي… وهو يتبعني
كأنّه ظنّ أني سوفَ أتركه
فاشتدَّ في عدْوهِ يجري على سنَنَي
أتيتُها بجبينٍ… حال من تعبٍ
وأعينٍ… فارقتها هدأة الوسن
بساحة الوهم… قد وقّفْتُ مرتدياً
ثوب الظنون… وريح الشوق تلفحني
تمسكتْ بزمام الشوق… راحتها
كالطفل بي.. وهي تدنيني… وتُبعدني
ألقيتُ ساريتي الولهى… وأشرعتي
على موانئ صدرٍ… كان يحضنني
نثرتُ دمعي… وأحزاني كما نثرَتْ
يدُ الرياح الندى والزهر… عن فَنَنِ
تطلّعتْ بعيون… كم غرقتُ بها!!
وكم تهادتْ على أمواجها سفني!!
كم سافرتْ بهوانا لهفة عجبٌ
وأشعلتنا براكينٌ من الفِتَن!!
وكم أطلّتْ صواري البَوْح… واتّشحتْ
عند اللقاءِ… شفاهُ السر بالعلَن!!
كانت على شفة الأيام سوسنةً
يندى بها سمرٌ في ليلة الشجن
طال انتظاري ما أخشى.. وألفُ يدٍ
مسكونةٍ بجنون النار… تجلدِني
رنَتْ… ودار بها النُّكران ناحيةً
حتى تسمَّرْتُ عندالباب… كالوثن
وقفتُ كالقائد المهزوم… منتظراً
والصمتُ حول المنى… يلتفُّ كالكفن
تقول بالعين “أيامُ الصِّبا ذهبت
ومات دفء الهوى… والشوق غادرني”..
شيّعتُ آخر أحلامي بنظرتها
وكان في جفنها عرسٌ يشيعني
مدَّ الخريفُ على الدنيا عباءته
فغابَ وجهُ الهوى… والناس… والزمن
ألقى على القَسَماتِ الليلَ… فانطفأتْ
كأنني… وليالي الشوقِ… لم نكُن
غام المكانُ… وضاع الأمس… وارتحلتْ
كل الطيور التي غنّتْ على غُصُني
تكسرَّ الزهرُ… وانسلتْ على مهلٍ
أصابع الخجل المحموم.. تسرقني
ففي الجبين… مناديلٌ مبلَّلَةٌ
وفي الجوانح… نيران تُحرِّقني
إن كان أطفأني في صدرها
زمَنٌ
فليس كل شموع الأمسِ تشعلني
نما القَتاد… على أغصانِ حنجرتي
وعرْشتْ داليات الغم… والحزن
وأَوْرقَ اليأسُ في عينيَّ عوسجةً
فلا أُديرهما إلى على وَهَن
تكلّمُ الدمعُ حتى هانَ… وانحسرتْ
شواطئُ ودَّعتْها.. آخرُ المُزُن
وما افترشْتُ حصيرَ الدمعِ من وجَعٍ
لكنَّ شوقي إلى عينيْكِ… تيمّني
لم تبق من لغةٍ.. إلا بكيتُ بها
وظلّ وجهي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى