التشهير ضد مؤسستنا الأمنية خلاف النصح التوجيهي الموضوعي/ بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن – نزل السعادة بمدينة لعيون (الحوض الغربي)

الزمان أنفو- في تصريح لصاحب الفخامة، محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني، ضمن لقائه مع الأطر بعاصمة الحوض الشرقي مساء 02-03-2023، رفض صاحب الفخامة رفضا باتا، ولو نسبة ضئيلة من التشهير ضد جهازنا الأمني، وقد يقفز بسرعة لذهن المتابع، وحتى الموضوعي المنصف، الحذر المؤتمن، السؤال التالي:

 

لماذا يمنع السيد الرئيس ضمنيا نقاش بعض الاختلالات المروجة، ضد جهازنا الأمني يدعيها البعض، كاذبا أو محقا، قد يجر تجاهلها كليا بمثل هذا الأسلوب الرئاسي الحازم، إلى كارثة غير مفاجئة على رأي البعض، على غرار (حين يتسع الرقع على الراقع)، وذلك بسبب تجاهل مقدمات الفساد، والترهل المفضية إلى نتائج قد تعصف بالدولة كليا، لأن الأمن ركيزة أساسية في بنائها.

لكن السيد الرئيس، حدد محقا وجه التحفظ، أي التشهير.

فلا مجال للالتباس بين التشهير المغرض السلبي المخرب الذي حذر منه السيد الرئيس محقا، مع النصح الحازم، وقد يركب بعض رواد وأفراد مؤسستنا الأمنية، هذا التصريح الرئاسي الثمين الجيد التوقيت والمحتوى، لمحاولة تحصين أنفسهم من العقاب المستحق، بأي أسلوب.

فالعقاب في مثل هذه الحالات قد لا يقتصر على القضاء، وقد يلتبس النصح والتوجيه، التباسا غريبا، يصعب تمييزه عن التشهير.

ربما ليصل الأمر لمحاولة تحديد المقصد والنية، وذلك أمر مستحيل، لأن النوايا والمقاصد الخلفية الحقيقية علمها عند الله سبحانه وتعالى وحده، جل شأنه، إلا إن كشفها لمن يشاء من عباده المقربين، او المستدرجين.

ونحن في الصحافة سلطة تقديرية حازمة، عارفة بميدانها، حازمة في مصائر الشأن العمومي، ولا تجامل أحدا، حتى السيد الرئيس أحيانا إن اقتضت ذلك المصلحة العليا للوطن، مع كامل التقدير والاحترام، لأننا مؤتمنون، بحكم التعريف القانوني، وما سوى ذلك قد يكون تضييعا كليا أو جزئيا للأمانة، وتلك من أشد محاذير خطنا التحريري، (السهل الممتنع)، هذا هو تعريف الصحفي في قانون الصحافة، الذي تم تعديله سنة 2007، إثر الانقلاب على الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع، إبان المرحلة الانتقالية التي شهدت تحسنا في الترسانة القانونية، التي يفترض نظريا وعمليا أن تحكم الجمهورية الإسلامية الموريتانية، رغم الطابع الانقلابي لتلك المرحلة المثيرة للجدل المشروع بحق:

“الصحفي هو الشخص المخول للحصول على الخبر، ومعالجته دون ضغوط أو مخاطر”.

لكنني مضطر وبصورة استعجالية للقطع والحزم في هذا الصدد، من تصريح صاحب الفخامة.

فالسيد الرئيس كان حازما وحاسما وصريحا، وقد وضع النقاط على الحروف وتوقف عند التشهير فحسب، وفي أدنى مستوياته أو مقاديره في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ الدولة والمجتمع، وملابسات واقعة الشهيد الصوفي ولد الشين رحمه الله، المثيرة للجدل، وتجربة مؤسسة الشرطة بوجه خاص، ذات الطابع الأمني والتنظيمي والاجتماعي، فشرطتنا لا تقتصر مهامها قانونيا على الأمن، وإنما تتسع لمجالات عديدة، قدمت فيها في الأغلب الأعم معطيات تستحق أحيانا التنويه، بقدر ما تستحق من الحذر والتنبيه، قبل فوات الأوان.

واللحظة حساسة وحاسمة بحق وصراحة، وفي الصراحة راحة، يا صاحب الفخامة، وقد تطالكم أنتم شخصيا، لا قدر الله، شخصا ورمزا دستوريا، وساكنا في القصر الرمادي، الذي ظل وخصوصا منذ 1978 وإلى اليوم محل استهداف وطمع ما بين متهور طامح ومصلح، – حسب الدعوى – وإن ثبت العكس لا حقا، ونحن على مفترق يا سيادة الرئيس، والأمور تسير بوتيرة مخيفة، بل ومرعبة أحيانا، وذلك يستحق تقديم الحزم والنصح بدل الاتهام في المقصد بالتشهير.

ونتيجة لقانون الرموز، والعقاب الذي حصل ضد بعض الآراء الناصحة غير المغرضة، اقتنع الأكاديميون والمقتصدون، والبسطاء في الرأي عن ابداء آرائهم في شأن موضوع الشرطة الوطنية، سلبا وايجابا، وذلك مخافة العقاب المضاعف.

وحق لهم فالسجن كريه، وبغيض، ويحطم، لكنه أحب إلي من ما يدعونني إليه.

لكن معشر القارئ المتابع السيد الرئيس يشفع له في هذا المقام أنه حذر من التشهير والتشهير فحسب، ولكن السجن أحب إلي من ما قد ندعى إليه، صراحة أو ضمنيا، من مباركة الباطل أو السكوت عن ما قد يصلح أو يدرأ خطرا وشيكان مرتقبا.

وكلمة واحدة يسكت عنها صحفي خبير قد تعني الخيانة، وقد يحاسب عليها حسابا عسيرا، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لأنها قد تفوت درأ خطر وشيك، او تحجب مصلحة طامة واسعة النفع، فاتركونا نمارس مهنتنا على المنوال الذي رسمتموه نظريا، وأكرر “الصحفي هو الشخص المخول للحصول على الخبر، ومعالجته دون ضغوط أو مخاطر”.

وإن شئتم امنعونا من بعض الفتات، أو جردونا من مهنة قد يتصورها بعض المقربين قيدا، ونحتسبها توفيقا من الله لكم، واهتداء لصوت جوهري صداح بالحق، وقلم لن يكسر أبدا بإذن الله، وإن شئتم أيضا ارموا بنا في غياهب السجن، أو اضغطوا علينا حتى  نختار الهجرة، وهي أفضل، ونسأل الله العافية، وهذا كله بشرط أن لا يحترق الوطن، فليس لنا بديلا عنه، وإن ضيعناه فسنسأل  عنه مرتين، مرة أمام محكمة التاريخ، والتاريخ يعيد نفسه، ومرة أمام رب العالمين، قال تعالى “وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا”.

أن نسكت عن الحق، فلن نفعل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إنما الطاعة في المعروف”، ولئن رسول الله جدي، خاتم الأنبياء والمرسلين طرا، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، قال “الساكت عن الحق شيطان أخرس”، (أي منعقد اللسان عن قول الحق).

لكنكم قوم تستعجلون، ولا تكادوا تفرقون بين النهي عن النصح الإيجابي والموضوعي، والمتمسك بالتوجيه الإيجابي، للسلطة مع معارضتها أو دعمها، وبين التشهير المغرض السلبي المدمر، الذي غلب على بعض المدونين المتخبطين، والذين أساءوا الطريقة والأسلوب.

وعود على بدء، التشهير خلاف النصح السليم، والتوجيه الإيجابي الموضوعي المتوازن، على غرار ما سبق.

وطبيعة الظرف الوطني والأمني، وطبيعة المرحلة، وأجواء الفتنة، (مقتل الشهيد الصوفي ولد الشين، رحمه الله) يستدعي الحزم في هذا الصدد، وعدم الخلط بين التشهير والنصح، دون التفريق في التوجيه في الوقت الملائم، وهذه هي الحصيلة باختصار لمن أراد مصلحة الشرطة والسلطة، والاتباع الحرفي لنصائح صاحب الفخامة، الايجابية الحازمة، وقبل ذلك مصلحة الدولة الموريتانية عموما بسائر مكوناتها (الإقليم الموريتاني، أو الحوزة الترابية الموريتانية، والشعب الموريتاني بجميع مكوناته دون تمييز، والسلطة الموريتانية بجميع تجلياتها الديمقراطية الدستورية الحتمية الاحترام من قبل الجميع، دون الاقتصار على سلطة دون الأخرى، فالسلطة التنفيذية سلطة، والسلطة الإعلامية تكاد تكون أقوى، وليجرب من شاء، وخصوصا السلطة الجديدة غير التقليدية في مجال الواتساب، والتواصل الاجتماعي، والسوشال ميديا عموما، ومن ثم تأتي السلطة القضائية، وأما التشريعية ففي نهاية الركب، لغلبة التصفيق عليها، والبصم بنعم، حرصا على الراتب والدخل، وتفريطا في الأمانة والمآل الأخروي والدنيوي أحيانا).

ومن ثم تأتي السلطة القضائية، وأما التشريعية ففي نهاية الركب، لغلبة التصفيق عليها، والبصم بنعم، حرصا على الراتب والدخل، وتفريطا في الأمانة والمآل الأخروي والدنيوي أحيانا).

صاحب الفخامة، يريد منا جميعا التوقف الحازم والتام والفوري عن التشهير، وهذه قمة المسؤولية وتقدير اللحظة، اتجاه موضوع الجهاز الأمني، الناجح في أغلب تجربته، والمتعثر في بعضها فحسب، وليس التوقف عن البحث الأكاديمي أو المتوسط، في سياق النصح والتوجيه الراقي اللائق المؤدب المتوازن.

 

حفظ الله موريتانيا..

 

عاشت مؤسستنا الأمنية الرائدة..

ووفقنا الله جميعا لتقدير ايجابياتها الغالبة، والتنبيه في الوقت الملائم، بعيدا عن التشهير، وبنصح وإخلاص، لبعض عثراتها المهددة المنذرة، لكي تتلافي في الوقت الملائم، قبل فوات الأوان.

وحفظ الله لنا صاحب الفخامة، السيد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الشيخ الغزواني، ذخرا لنا، حزما وتوجيها، وحلما وبعد نظر.

السيد الرئيس قانون الرموز ملائم، ملح في بعض جوانبه، وخطير في الكثير من مكوناته، وقد مرره برلماننا، وما كان له أن يفعل ذلك، لو كان مواليا لكم بحق ونصح، وإنما ربما قصد التمرير قصد التشهير، فالصحافة والمدونون تشهيرهم أقل خطرا من تشهير بعض البرلمانيين، وبعض القضاة، وبعض المتمرسين داخل المؤسسة الرئاسية، وقد حرصت على التبعيض، عسى أن أسلم من بعض ارتدادات قانون الرموز، سيئ الذكر لدى البعض، رغم بعض جوانبه الايجابية في المرحلة الراهنة، التي تستدعي العين “الحمره” قبل التساهل، ولكل مقام مقال، وليس كل ما يعرف يقال.

واللبيب تكفيه الإشارة، وباختصار يا سيادة الرئيس أنصار قانون الرموز داخل نظامكم، أقرب لمعارضتكم والتآمر عليكم، والتحريض على أصدقائكم الحقيقيين، والفهم… الفهم… الفهم…، قبل فوات الأوان!.

قانون الرموز، رغم بعض جوانبه الإنجابية الملحة، قنبلة موقوتة، قد تم تفكيكها على يدكم الحازمة الحليمة، وحل محله بعد اقراره، قاعدتكم التي تطبقون، بدل التطبيق الحرفي لهذا القانون المثير للجدل بامتياز (نعت بصراتك لقانون الرموز، وخلي خصراتك عبر تطبيق المثل البليغ، سيد قومه المتغابي، أو بالحسانية الأجواد ألا عن شى طرش).

النصح والتشهير وجهان لعملة واحدة، لا يفصل بينهما أحيانا إلا معرفة النوايا، والنوايا -سيادة الرئيس – علمها اليقيني عند الله وحده.

ربما كنت في غنى عن هذا التصريح، لأنه يخدم مفسدي هذا القطاع، ولبيس مصلحيهم، وهم أصحاب القرار، ومؤسستنا الأمنية بخير حتى الآن على الأقل، رغم وجود اختلالات مزمنة تستحق الاعتراف بدل التجاهل وتحذير الناصحين، وخدمة المفسدين، داخل هذا القطاع الناجح المتميز في أغلب وجوهه، فكلامكم قد يدعي البعض أنه إصدار حكم سابق لأوانه، لأن المتهم بريئ حتى تثبت إدانته، ومهما تأكدت المسؤولية المباشرة لأولئك الأفراد المشار إليهم من شرطتنا الوطني (بوجه خاص مفوضية دار النعيم2، محل الواقعة الأليمة المرعبة، إلا أن السجن الحالي مؤقت، والحكم القضائي لم يصدر بعد، وأنتم في السلطة التنفيذية، ومها تكن مستوى وصايتكم على القضاء الواقف “النيابة”، إلا أن كلامكم للأسف تضمن تصريحا بالإدانة الضمنية للبعض، على نسق سياسة كبش الفداء، التقليدية التي توقع عادة العقاب على الضعاف وتتحاشى تعميق التحقيق حتى لايصل للأقوياء بحجة الاستقرار وحماية الوطن.

ما من صواب فمن الله وما من خطآ فمني، ولله الأمر من قبل ومن بعد، والله ولي التوفيق، والنوايا علمها عند ربي وإنما الأعمال بالنيات.

فلا داعي للسير في متاهات محاولات التمييز المرهقة البيزنطية، بين التشهير والنصح، لكن تحذير السيد الرئيس كان في توقيته، وكنا في هذا التوقيت في حاجة ماسة إليه، لو علمنا مقصد هذا التصريح، هل هو الخوف من مخاطر التشهير، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح أو الخوف في ترك النصح الموضوعي، والبحث والتمحيص الإيجابي.

وكان مالك ابن أنس، رائد مذهبنا،وإمام مسجد المدينة يردد باستمرار قول الشاعر الحكيم البليغ:

خير الأمور الوسط الوسيط

وشرها الإفراط والتفريط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى