معارضتنا المأزومة / أحمدو ولد الوديعة

في التقدير العاطفي ليس الوقت مناسبا لفتح الملف النقدي للمعارضة الموريتانية فهي تعيش لحظة ليست من أكثر لحظاتها عنفوانا،لكن بالحساب الوطني والأخلاقي والسياسي هذا هو الوقت  بل لعله آخره ما يجعل أي تأخر إضافي داخلا في تأخير البيان عن وقت الحاجة.

  بكل تأكيد لايعني فتح الملف النقدي تجاهلا للأدوار الوطنية التي لعبتها هذه المعارضة في مقارعة الطغيان على مدى خمسة عقود، فهي مشهودة ومقدرة ومحفوظ للكل دوره فيهاعند الله وعند الناس، لكنه يعني توقفا واجبا مع الأزمة المزمنة لهذه المعارضة وتعثراتها وإخفاقاتها وطعناتها المتبادلة للحلم الديمقراطي.

التوقف مع أزمة المعارضة ليس حديثا مدفوعا بتطورات اللحظة ولاهو صادر عن رغبة في التنفيس أو تسجيل موقف من هذا الطرف أو ذاك لكنه مؤسس على وعي متراكم وعميق بدور هذه الأزمة في تعميق وتمديد أزمتنا الوطنية الأعمق والأشمل والتي يمثل حكم العسكرعنوانها الرئيس المفجع المهين.

خلاصة أزمة معارضتنا الوطنية هي طغيان الحسابات الحزبية الجزئية – حتى لا أقول الضيقة – على الحسابات الوطنية، وقصر واضطراب وحتى انعدام الرؤية أحيانا لدى مكوناتها الأساسية، وهو ما كان دائما كفيلا بإجهاض التغيير في مسار طويل بدأت أحداثه في نهاية التسعينات وما تزالمستمرة حتى يومنا هذا ولا مؤشر يقول أن أيا من هذه المكونات أو أنها مجتمعة استخلصت الدرس وبالتالى وضعت رجلها على طريق الألف ميل.

   – في نهاية التسعينات وبينما كان نظام ولد الطايع يتوغل أكثر في الدوس على الحريات والحرمات كان هناك من المعارضة الديمقراطية من بذل جهدا  فكريا وسياسيا وعمليا لتسويق فكرة المساومة معه.

-وفي العام 2005  وبينما كانت  حصيلة نضالات الموريتانيين على مدى عشرين سنة ترغم مقربين من العقيد ولد الطايع على الإطاحة به، وكانت الفرصة مواتية لفرض شروط انتقال ديمقراطي حقيقي كانت الحسابات الجزئية والانتخابية هي الطاغية على مختلف مكونات الطيف المعارض مما مكن العسكر من ترتيب أوراقهم والظهور خلال أشهر عديدة بمعالم نظام جديدة عنوانه المستقلون، فتمت سرقة الثورة الموريتانية على حكم العسكر التي دارت وقائعها بين نهاية الثمانينات وصيف العام 2005.

– وفي العام 2007 وفي وقت كانت الرغبة في التغيير تفرض على المرشح المدعوم من العسكر الوصول إلى الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية كانت الحسابات الحزبية تميل الكفة لصالح اختيار العسكر ليتوارى الحلم الديقراطي مرة أخرى تحت مطرقة الحسابات الخاصة.   -وفي العام 2008؛ حين كان الجنرالات ينقلبون بعنجهية على التجربة الديمقراطية كانهناك من وجد الوقت مناسبا للقفز في المدرعة العسكرية والإعلان منها أن ما يقوم به الجيش هو حركة تصحيحية مباركة لتستقر طعنة جديدة في  قلب الحلم الجريح

-وفي العام 2009 وبعد عشرة أشهر من الرفض المصصم وغير المسبوق للانقلاب العسكري وقعت قوى المعارضة مجتمعة في الفخ موقعة في دكار وثيقة تسليم الأمر والحكم للعسكر،لتعود إلى نواكشوط دافعة بمرشحين مختلفين ولتكون نهاية السباق تقديم أحد مكوناتها  تزكية متسرعة ومجانية لعملية الخداع الكبيرةالتي سميت انتخابا مسددا بذلك سهما مسموما لذات الحلم المنكوب.

-وفي العام2011 وفي لحظة انبلاج فجر الحرية في المنطقة – جنوبا وشمالا –وبينما كان آلاف الشباب الموريتاني ينخرط في حراك شبابي غير مسبوق، أنتجت بيئة المعارضة المأزومة من وجده الشباب الثوار أكثر استعداد لتشويههم والتشكيك في نياتهم وتسفيه  أحلامهم من الجنرالات أنفسهم.

-وفي العام 2012 وفيما كانت بعض قوى المنسقية تعمل وتدفع في اتجاه ثورة شعبية شاملة تطيح بحكم العسكر، كان هناك في صلب المنسقية نفسها من لم يعجبه الأمر واستيقظت عنده هواجس لاتحصى جعلته في النهاية يضع الدواليب في مسيرة ما كان يمكن أن يكون بداية حقيقية لثورة شعبية تطهر موريتانيا من حكم العسكر.

 

-واليوم وفي نهاية العام 2013 هانحن  أمام  المشهد نفسه الذي يتكرر منذ عقدين من الزمن ؛مكونان  من مكونات المعارضة يختاران في لحظةمهمة الانحياز لحساباتهما الجزئية على حساب الحلم الديمقراطي، والجهد الديمقراطي الساعي لعزل حكم العسكر تمهيدا للتخلص منهم وإقامة النظام الديمقراطي العادل

 

لاحظتم إذا أننا أمام مسار وطبيعة  لكل المكونات المشكلة للمعارضة الديمقراطية في موريتانيا ،ولسنا أمام حالات معزولة وهذا مايجعل  وصفه بالأزمة العميقة   ووصم المعارضة بالمأزومة أمرا لاتسرع فيه ولاجناية، وهنا لابد من تضافر جهود وطنية صادقة  لفهم هذه الحالة المؤسفة أولاوالعمل على وضع حد لها  ثانيا فقد باتت جزءأساسيا من معول هدم الأمل في إمكانية تغيير أحوالنا إلى الأفضل ما دام أن من يعلق عليهم الأمل في ذلك منخرطون في ماراتون الطعن في خاصرة الحلم الديمقراطي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى