هل فقدت رشدها ابنة الرشيد ؟

altهذا السؤال كان بودي لو أطرحه على الشاعرة العظيمة و ” المناضلة ” الكبيرة ( النانة لبات الرشيد ) ولا أزيد عليه كلمة ، لأتجنب امتهان الكتابة في حضرة أصحابها ، ويكون الله قد كفاني ” قتالا ” لست مؤهلا له أمام خصم متمرس يجيد فن الهجوم على ” الأصدقاء ” كإجادته صنع الأعداء ، لكن السياق العام للسؤال فرض علي الوقوف عند بعض الحيثيات التي لا يمكن أن تستساغ إلا إذا كانت السيدة قد فقدت رشدها .

       قبل أكثر من ثلاثة شهور سألني بعض الأصدقاء إن كنت قد قرأت مقالا للشاعرة تم نشره على صحيفة تقدمي تتهجم فيه باستخفاف على موريتانيا ، وعرفت بعد قراءتي للمقال أن مرد سؤال هؤلاء الأصدقاء هو معرفتهم أني كنت من المتطوعين الموريتانيين في صفوف البوليساريو ، وحديثي المتواصل عن شهامة ونخوة الصحراويين وبالتالي فالسؤال كان نكاية بي لمحتواه ذلك المقال من استخفاف بمشاعر الموريتانيين من طرف من يفترض أنه ممن كنت ولا زلت أفاخر بهم الأصدقاء والأهل ، وكان أن تصادف نشر ذلك المقال ” المدفع ” مع مرض والدتي رحمات ربي عليها فلم يحصل لي ” الشرف ” بأن أقرأه بالرغم من كوني ممن يقرأون للشاعرة على الدوام وخاصة على صفحتها الشخصية التي يبدو أنها حافظت على أن لا تتسخ بذلك المقال ، ويفسد عليها رائحة العروبة التي ذكرت في إحدى التدوينات أنها اشتمتها في موريتانيا حين كانت في ” رشدها ” .        بعد انقضاء أيام التعزية في والدتي وبالصدفة ومع نفس الأصدقاء كنت أتابع لقاء أجرته قناة الساحل الموريتانية مع الشاعرة ، وكنت تضايقت مما زعمت خلال المقابلة أنه منظمات مجتمع مدني داخل المخيمات تمارس نشاطها بكل حرية ، وبأن التاريخ سيسجل للبوليساريو بأنها لم تكن ديكتاتورية ، بل أنها ذهبت إلى أكثر من ذلك و ” فضحتني ” وفضحت نفسها وفضحت من تدعي الحديث باسمهم حين نفت أن يكون الربيع العربي انطلق من تونس ، مرددة ما قاله باحث يهودي من أن ” اكديم ايزيك ” كان الشرارة الأولى لهذا الربيع ، ولعله غاب عنها أن الشباب الذين شاركوا في هذا المخيم يلعنون اليوم قيادة البوليساريو صباحا ومساء على استغلالها الرخيص لمطالبهم الاجتماعية وتخليها عنهم بعد أن حققت الهدف الدعائي من وراء الدفع بهم إلى مغامرة لم تحقق أي مطلب من مطالبهم التي خرجوا من أجلها في أول يوم . خلال تلك المقابلة التي دفعتني إلى قراءة مقال وددت لو أنني لم أقرأه ،أطلقت الشاعرة العنان لخيال الشاعر البدوي الذي يتغنى مع العصافير على صوت خرير المياه في صحراء قاحلة في محاولة لتجعل من قيادة البوليساريو نبيا منزها ومعصوما  من الزلل وكأنها نسيت أن تبعد الشهود وتناست أن ” أهل الأرض متعارفين ” ، ومع ذلك فهذا حقها ، لكن الذي ليس من حقها ـ أخلاقيا على الأقل ـ أن لا تستحي من نفسها وهي تجلس ( تعطي لكبدها ) في احدى قنوات البلد الذي كتبت عنه بالأمس القريب مقالها الناري ” اطفئوا  نيرانكم الصديقة ” والذي هاجمت فيه موريتانيا على خلفية برنامج تلفزيوني استضاف مقدمه أحد ضحايا نبيها المعصوم ( قيادة البوليساريو ) ووصلت من الوقاحة حد التهديد المبطن بأن الحرب بين موريتانيا والبوليساريو لم تنته بعد ، وتنتقد موقف الحياد الذي تتباه موريتانيا اتجاه قضية الصحراء ، وأكثر من ذلك وصفت موريتانيا بأنها ساحة لرعاية المصالح المغربية ، ولم تجهد نفسها في التذكر بأن موريتانيا هي المنفذ شبه الوحيد على العالم الخارجي لسكان المخيمات من الباحثين عن لقمة العيش التي حرمهم منها ” النبي المعصوم ” ، وهي كذلك سوق يستثمر فيها هذا ” النبي ” عرق النساء والأطفال الواقفين تحت لهيب الشمس منذ ما قبل دخول الشاعرة العبقرية لوادي ” عبقر ” بسنين .        في ذلك المقال تحتج شاعرتنا على شهادة ضحية من ضحايا قيادتها بالقول بأنها لن تكون نهاية الدنيا لو لم يقدم شهادته وهو احتجاج  لا يمكن أن يفهمه إلا الشاعرة التي تدافع عن قتلة كانوا يهددون ضحاياهم بالويل والثبور إن هم تحدثوا عما تعرضوا له من تعذيب وتنكيل في المعتقلات الجهنمية التي كان أشهرها ـ بالمناسبة ـ معتقل الرشيد … أنتِ فَمْ .         إذا كانت الشاعرة تعمدت – قصد التضليل – أن تسمي الضحية الذي أثارت شهادته غضبها بالأسير بالرغم من أنه مدني تم اختطافه ، فهل يمكن أن تسمي مئات الشباب الموريتانيين الذين تطوعوا في صفوف البوليساريو بالأسرى بعد أن زج بهم في المعتقلات فيما اصطلح عليه يومها بالشبكة   الموريتانية ؟ ، وهل كانت ستكون نهاية الدنيا لو لم يتعرضوا لما تعرضوا له دون ذنب اقترفوه سوى أن جنسيتهم موريتانية ؟ تلك الجنسية التي غاب عن ذهن الشاعرة والمناضلة والكاتبة والناشطة و …و… … و(خذ نفس) ، أقول غابت عنها مفارقة عجيبة ، وهي أن قادتها المبجلين الذين تعلمت منهم فن السخرية والتهجم على موريتانيا ، كانوا قبل أيام يقفون على ” جلالهم ” في طوابير طويلة مع النساء والشيوخ للحصول على الجنسية الموريتانية بعدما بدأت الدنيا تضيق بهم ، وإن لم تصدق فلها أن تسأل دروب ” بئر أم أكرين “.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى