عبدالباري عطوان يعلق على مقال المحلل السياسي الكسندر نازاروف

هل نسقت حركة حماس هجومها الاخير على مستوطنات غلاف غزة مع محور المقاومة أم لا؟

الزمان أنفو – في مقاله الأخير الذي نشره على موقع مُؤسّسة “روسيا اليوم” الإعلاميّة طرح الكاتب والمُحلّل السياسي الشهير الكسندر نازاروف سُؤالًا على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة وهو: هل “نسّقت” حركة حماس هُجومها الأخير على مُستوطنات غلاف غزّة مع محور المُقاومة أم لا؟.
نازاروف، في المقال نفسه قال إنّ ضخامة الهُجوم، وتعمّد وقوع قدر كبير من القتلى والأسرى في الجانب الإسرائيلي، جاء لإثارة رد فعل عربيّ وعالمي ضخم، يُؤكّد النظريّة التي تقول إنه جاء لعرقلة مسيرة تطبيع العلاقات بين المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الاحتِلال الإسرائيلي، وهي المسيرة التي ستنعكس سَلْبًا على القضيّة الفِلسطينيّة في حال نجاحها.


لا نختلف مع الكاتب نازاروف في تلميحاته إلى أن هذه العمليّة الهُجوميّة الجريئة ربّما تمّت بالتّشاور والتّنسيق المُسبَق مع محور المُقاومة الذي تتزعّمه إيران، ولكنّنا نستبعد أن يكون الهدف الرئيسي هو عرقلة مسيرة التّطبيع السعودي الإسرائيلي، لأن احتمالات فشل هذه المسيرة كان أكبر بكثير من احتِمالات نجاحها، رغم الضّخ الإعلامي الأمريكي المُعاكس لأنّ السّلطات السعوديّة كانت تلعب على عامل كسب الوقت، وإطالة أمَد المُفاوضات بتصعيبِ شُروطها، لأنها كانت تُدرك جيّدًا حجم المخاطر عليها وعلى سُمعتها، ومكانتها في العالم الاسلاميّ، وأمنها الداخليّ، ووحدتها الترابيّة، وهو الأسلوب نفسه الذي مارسته بنجاحٍ مع إدارة الثّور الهائِج دونالد ترامب، وإن كانت في هذه الحالة قد استخدمت سِلاح المال لدعم خِيار المُماطلة لتحييد هذا الثّور وكسْبِ الوقت.

أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي الحالي، وربّما وزير خارجيّة إسرائيل لاحقًا، لاعتزازه بيهوديّته، والمُجاهرة بها، وإيمانه المُطلق بدولة إسرائيل، وتفانيه في خدمتها، بلينكن كان أوّل من تبنّى النظريّة التي تقول إن عمليّة هُجوم حماس على مُستوطنات غِلاف غزّة جاءت بتحريضٍ إيرانيٍّ من أجل عرقلة التّطبيع السعودي الإسرائيلي مُفترضًا أن المملكة العربيّة السعوديّة كانت تتطلّع إلى هذا التّطبيع بحماس، ولكن مصدر دبلوماسي في لندن شكّك في هذه الافتراضيّة، أيّ رغبة السعوديّة بالتّطبيع، اعتِمادًا على اتّصالات أجراها مع مصادر مُقرّبة من القِيادة السعوديّة، وحتّى لو كانت هذه الفرضيّة صحيحة، أيّ عرقلة التّطبيع، فإنّ حركة حماس قدّمت خدمةً جليلةً جدًّا للقيادة السعوديّة، وأخرجتها من حرجٍ استراتيجيٍّ كبير، لأنّها ليست بحاجةٍ إلى التطبيع مع دولةٍ لم تعد قادرة على حماية نفسها، وباتت تعتمد اعتِمادًا كاملًا على أمريكا وتستنجد حِمايتها مُساعداتها الماليّة.
ما غاب عن ذهن السيّد نازاروف، ودفعه إلى التمسّك بنظريّة نسف مسيرة التّطبيع المذكورة آنفًا، هو طبيعة العلاقة التحالفيّة الاستراتيجيّة بين أعضاء محور المُقاومة، والعلاقات بين فصائله المُسلّحة والقِيادة الإيرانيّة خاصّةً، وضخامة وعُمُق عمليّات التّنسيق بين الجانبين، ولهذا لا نستبعد أن أهداف هذه العمليّة التي نفّذتها مجموعة من ألف وخمسمائة مُقاتل من حركة “حماس” كان أكبر بكثيرٍ من عرقلة عمليّة التطبيع السعودي الإسرائيلي، من حيثُ جرّ أمريكا و”إسرائيل” إلى حربٍ إقليميّة تُضعِف الجانبين، وتكون بداية النّهاية للهيمنة الأمريكيّة، والغطرسة الإسرائيليّة وصِياغة خريطة “شرق أوسط” جديد تعكس هذه النهاية، والاحتِلال الزّعامة الصينيّة الروسيّة الجديدة مكانها، في توازٍ مع المُتغيّرات المُماثلة المُتصاعدة في القارّة الإفريقيّة، وأمريكا اللاتينيّة وشرق آسيا ووسطها.
القِيادة الإيرانيّة كانت تُدرك جيّدًا، أن الثّنائي الإسرائيلي الأمريكي فشل في احتِوائها، وجرّها إلى اتّفاقٍ نوويٍّ جديد يُنهي طُموحاتها النوويّة، وأنّ الرّد على هذا الفشَل هو الخِيار العسكريّ بعد أن أعطت العُقوبات الاقتصاديّة نتائج عكسيّة صبّت في تطوير أسلحة حديثة مُتطوّرة في ميدانيّ الصّواريخ والمُسيّرات، وزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ما يَقرُب الحاجِز الاستِراتيجي الأهم أيّ 90 بالمِئة، ولهذا فإنّ المُواجهة الأكبر القادمة ستكون قي جنوب لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى