العيون: الحلم الذي كان مدينة

في قلب مدينة المهن والكفاءات (2)

الزمان أنفو – يوميات مسافر – محمدبون عبدالله – مايو 2025

العيون: الحلم الذي كان مدينة

في الليلة الثانية من زيارتي لمدينة المهن والكفاءات، لم أخلد للنوم كعادتي. بقيت أُقلّب الصور التي بدت كبيرة جدًا في ذهني، صور المدينة التي رأيتها صباحًا: أبنية حديثة تشبه المختبرات، شباب بعيون تتلألأ بالحلم، وأصوات تكاد تُسمع وهي تُردد: “هنا يُصنع الغد”. لا أدري متى غفوت، لكن ما أعلمه أني وجدت نفسي هناك من جديد… في تلك المدينة.

كان كل شيء أكثر صفاء، كأنني أعبر المكان لا كزائر، بل كفكرة تسير بين الناس. رأيت شابًا يضع نظارة واقع افتراضي ويضحك، ليس لأنه يتسلى، بل لأنه يفهم. أمامه محاكاة لورشة بناء، وكل حركة يقوم بها تحاكي الواقع بدقة مذهلة. في جناح آخر، فتاة تطوّع الطاقة الشمسية بمهارة، بينما في زاوية مضيئة، تُناقش مجموعة صغيرة مشروعًا في تكنولوجيا الصحة، بكل جدية العلماء.

المكان لا يُشبه مدرسة ولا جامعة، بل يُشبه ما تمنّيناه دومًا أن تكون عليه أماكن التعلم: حاضنة للذات، مرآة للطموح، ومنصة تُنصت للحلم وتُصقله.

سمعت صوتًا داخليًا يهمس لي:
“هنا، لا يُلقّن المتعلم، بل يُوجّه… لا يُمتحن، بل يُرافق… لا يُصنّف، بل يُكتشف.”

ولم يكن الحُلم بعيدًا عن الأرقام، بل محاطًا بها كدليل على النضج والتخطيط:
مدينة تمتد على مساحة 15 هكتارًا، تستقبل ما يزيد عن 2000 متدرب سنويًا، في 46 شعبة تكوينية منها 75% حديثة النشأة، داخل 6 قطاعات استراتيجية.
وراء هذه الهندسة البشرية والبيداغوجية، أكثر من 300 متعاون، و100 مكون دائم، في مدينة تتوفر على سكن داخلي يستوعب 500 متدرب، وتحتضن 20 قاعة متعددة الوسائط، وقاعات للتعلم الذاتي، ومحاضرات، وورشات تطبيقية… وكأن الحلم لا يحتاج فقط إلى خيال، بل إلى بنية تحتية أيضًا.

كل شيء هناك ينبض بمرتكزات تشبه القيم أكثر من المفاهيم:
التمحور حول المتعلّم، التكوين عبر المحاكاة، رقمنة المحتوى، تفاعل دائم مع المقاولات، مواكبة فردية، وتنمية المهارات الذاتية… كأن المدينة وُلدت من حلم، وتحوّلت إلى واقع لتمنح الآخرين فرصة أن يحلموا هم أيضًا.

فتحت مذكرتي الصغيرة، وبدأت أكتب كمن وجد الجملة التي بحث عنها طويلًا:

“في العيون، وجدت مدينة تُعلّم الشباب كيف يحلمون بمهارة…”

لكن قبل أن أتمّ الجملة، نادى صوت جميل… كان أذان الفجر يدوي من منبّه الهاتف، وصوت محرك سيارة كبيرة يزمجر غير بعيد من النافذة…
فتحت عينيّ مذعورًا، ثم ابتسمت، ومددت يدي أكتب تتمة الجملة:

“…وكيف يُحوّلون الحلم إلى مهنة.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى