الصاروخ الإيراني في مواجهة جدران النار: قراءة في موازين الردع الجديد

بقلم محمدبون محمدعبدالله:

الزمان أنفو _ في زمن لم تعد فيه الحروب تُقاس بعدد الجنود ولا بحجم الدبابات، أصبح الصاروخ الباليستي الذكي رسالة سياسية قبل أن يكون ضربة عسكرية. وبينما تخوض إيران منذ عقود طويلة سباقًا صامتًا مع القوى العظمى في تطوير قدراتها الصاروخية، جاءت السنوات الأخيرة لتكشف عن تحول استراتيجي لافت:
لم تعد صواريخها تُختبر في الصحراء، بل تُجرب فعليًا فوق أجواء تل أبيب.

حين يُطلق صاروخ إيراني متوسط أو بعيد المدى من عمق أصفهان أو تبريز باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا يطير وحده، بل يواجه ما يُشبه جدرانًا من النار المتتالية.
منذ لحظة الإطلاق، تلتقطه أنظمة الإنذار المبكر الأمريكية المنتشرة في المنطقة، من قطر إلى العراق، مرورًا بالأقمار الصناعية فوق الخليج.
ثم تبدأ مرحلة التحدي الحقيقي:
▪︎ أنظمة الدفاع البحري الأمريكية في الخليج،
▪︎ بطاريات “باتريوت” و”ثاد” في قواعد عسكرية أمريكية بالأردن والعراق،
▪︎ وربما مشاركة جوية من طائرات حربية غربية متمركزة في قواعد الحلفاء، بحسب التهديد.

لكن هذه ليست سوى البداية.

داخل المجال الجوي الإسرائيلي، تنطلق سلسلة دفاع طبقي فريدة عالميًا:
من آرو 3 الذي يحاول إسقاط الصاروخ في الفضاء،
إلى آرو 2 عند عودته إلى الغلاف الجوي،
ثم مقلاع داوود للصواريخ المتوسطة،
وفي المرحلة الأخيرة، القبة الحديدية التي تعترض الصواريخ داخل مدى قصير جدًا
رغم كل هذا، شهدت إسرائيل في السنوات الأخيرة اختراقات حقيقية من صواريخ ومسيرات إيرانية أو حليفة لإيران، طالت مناطق حساسة من دون أن تنجح كل تلك “الطبقات” في إيقافها.

ما يُثير التأمل ليس فقط قدرة إيران على تخطي هذه الجدران النارية، بل أن كل هذه الصواريخ، صُنعت تحت حصار خانق مستمر منذ 40 سنة، داخل منظومة تصنع محركاتها وبوصلتها وأجهزة توجيهها بنفسها، في ظل عزلة دولية وتضييق تكنولوجي غير مسبوق.

في المقابل، تعتمد أنظمة الاعتراض على أقوى ما أنتجته الصناعات الدفاعية في أمريكا وأوروبا وإسرائيل مجتمعة، بتكلفة خيالية لكل عملية اعتراض.

في خلاصة المشهد:

لم يعد السؤال اليوم: هل الصاروخ أصاب الهدف أم لا؟
بل أصبح: ما هي الرسالة التي أوصلها بمجرد انطلاقه؟
إن نجاح إيران في فرض هذا النوع من التهديد الدقيق رغم الحصار، لا يعكس فقط تقدمًا عسكريًا، بل يشير إلى تحول في موازين الردع الإقليمي، ستكون له تداعيات كبيرة على شكل المعركة القادمة، وطبيعة التحالفات، وحتى حدود الحرب والسلم في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى