في مثل هذا اليوم( من ذكريات الثالث اغشت)
تدوينة بقلم محمدسالم ولد اجد

الزمان أنفو (نواكشوط): في مثل هذا اليوم… تدوينة بقلم محمد سالم ولد اجد
(مرفقة بصورة من إجازة القراءات السبع المؤرخة بتاريخ 3 أغسطس 1993)
في الثالث من أغسطس، لا يستحضر بعض الناس سوى ذكرى الانقلاب على الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع، حين أطاح به ضباطٌ اقتدوا به واستنّوا بسنّته في الوفاء لمن ائتمنهم.
غير أن هذا اليوم يوقظ في قلبي ذكرى أخرى، شخصية وعزيزة، أولى بالذكر وأحق بالتخليد: ففي مثل هذا اليوم، قبل أكثر من ثلاثين سنة شمسية، نلتُ إجازة في القراءات السبع، وتلكم قصتها…
كنت قد أحرزت عدة إجازات في قراءات مفردة، بدأت مطلع هذا القرن الهجري بإجازة في قراءة الإمام نافع من الإمام بداه ولد البوصيري رحمه الله، وكنت قد عايشت مراجع المقارئ ومشايخها فترة طويلة. وفي سنة 1992، نصحني الشيخ اباه بن محمد عالي بن نعم العبد (حفظه الله) باستكمال السبع، فشرح الله صدري لما نصح، وبدأتُ أبحث عمّن أرتضيه شيخًا لهذا المسعى.
في نهاية المطاف، رسوت على برّ شيخنا الميمون محمد عبدَ الله بن عبدِ الله، (بكسر الدال الثانية وترقيق لام اسم الجلالة). كان رجلًا يذكّرني بأخلاق الصحابة، وسكينة العلماء، وقد عاش بيننا حتى رحيله سنة 2020م. قلت فيه ذات مرة:
ما زرته إلا انتشيت بطبعه
لا الكيف ينشيني ولا الصهباء.
كان يخطو بسكينة، وينظر بسكينة، ويتكلم بسكينة، ويضحك فيضع كمّه على فمه.
حين شرّفني الله بتلقي السبع عليه، تكررت زياراتي له في بيته بعرفات، وازداد تعلقي به. وفي النهاية، حرّر لي إجازة بخطه الكريم، مؤرخة بالثالث من أغسطس 1993م، حملتُها مسرورًا إلى إدارة التوجيه الإسلامي للتصديق.
كان المدير يومها الأستاذ المرابط ولد محمد الأمين، وهو ابن مشايخ شيخي، فزاد على التصديق ثناءً جميلاً، وأكد نسبة الخط والمكانة الرفيعة للشيخ، فكانت الإجازة شهادة علمية مضاعفة القيمة.
في تلك الفترة، تغيّبت مرة عن بعض الحصص بإحدى المؤسسات، فطلبت من أستاذي أن ينوب عني فوافق مشكورًا. ولما عدت في الموعد المحدد، وجدته سبقني، فاستأذنته في الدخول وجلست بهدوء في مؤخرة القسم. وقد طال نظر الطلاب إليّ، واستمر همسهم واستغرابهم، حتى أوضحت لهم لاحقًا أني مجرد طالب في حضرته، ومكاني هو ما رأوا.
كنت ألقاه أحيانًا وفي يده حقيبة أو كيس، فأود لو حملته عنه، فأمد يدي لآخذها منه، فيبتسم ويقول بهدوئه المعهود:
> “ربُّ الشيء أحقُّ بحمل شيئه”.
وفي أواخر سنة 1998، تعرضتُ لاعتداء عنيف من بعض أفراد عصابات “دخل شي” في مكان مظلم. أفقدوني الوعي، لكن الشرطة ألقت القبض على أحدهم، وباعترافه أُوقف شركاؤه. امتنعت عن العفو رغم الإلحاح، لما في الجرم من خطر على الناس. فلما أعياهم الأمر، لجأ بعضهم إلى الشيخ، ربما طمعًا في شفاعته.
شرفني الشيخ بالزيارة. ويعلم الله أني أتمنى قضاء حاجته مهما بلغت. فلما عرض عليّ العفو، قلت له:
> “الأمر إليكم، فإن رأيتم جواز العفو فافعلوا”.
أطرق برهة، ثم قال بحزمه الورع:
“هذه حرابة، ولا عفو في حد من حدود الله. ولو أن الحدود معطلة، وما كان يجوز لي أن أشفع فيه، فأستغفر الله من ذلك”.
هكذا علّمني الشيخ…
بالعلم، وبالسكينة، وبالحدّ الفاصل بين الحبّ والحقّ.
– صورة الإجازة مرفقة، بخط الشيخ محمد عبد الله بن عبد الله الجاجي، وتاريخها: 3 أغسطس 1993م، مصدّقة من إدارة التوجيه الإسلامي.