حكاية مساعد قبطان بالصدفة 1.
محمدالبستاني:

الزمان أنفو (نواكشوط): منذ انطلاقة أساطيل الحرية في وجه الحصار الظالم المفروض على أرض العزة غزة، توالت الرحلات البحرية التي حملت على متنها متضامنين وصحفيين وحقوقيين من مختلف دول العالم، متحدّين آلة الاحتلال، ومؤمنين بحق الشعب الفلسطيني في الحياة والكرامة.
وقد تعرّضت آخر تلك القوافل، ” أسطول الصمود” ، لاعتراض سافر من طرف بحرية الاحتلال الصهيوني، التي اختطفت المشاركين فيها من على متن 48 سفينة، تمكنت إحداها على الأقل من دخول المياه الإقليمية لغزة قبل أن يتم احتجازها.
وفي هذا السياق، تنشر الزمان أنفو الحلقة الأولى من سلسلة “حكاية مساعد قبطان بالصدفة”، وهي شهادة إنسانية مثيرة لأحد المشاركين في أسطول الصمود، عاش تجربة لا تُنسى في عرض البحر بين الخوف والأمل، بين الليل والبحر، حيث كانت غزة الوجهة والبوصلة والرجاء.
الحلقة 1: بين الليل والبحر… كنت أرى غزة
مع ركوبنا السيارة المتجهة إلى مطار كاتانيا الليلة، شعرت بحزن عميق، وكأنني في هذه اللحظة فقط أدركت أن الرحلة قد انتهت.
رحلة حاولت بكل ما أملك أن تستمر، أن لا تتوقف، رغم كل ما واجهناه.
حين تشاجر المساعد المقرر مع القبطان وقرر الانسحاب، كان ذلك كفيلاً بتعطيل انطلاقتنا، فالبحث عن مساعد جديد من إدارة الأسطول كان سيأخذ منا وقتاً لا نملكه وقد لانجده، كنا متأخرين أصلاً عن باقي السفن.
لم أتردد، قلت للقبطان: أنا سأكون مساعدك.
نظر إليّ وقال: ستتحمل الكثير. أجبته: مستعد. فرد بابتسامة فيها بعض الحزم: لكنك ستتعلم.
تم تسجيلي رسميًا كمساعد قبطان لدى حرس الحدود، ثم لدى إدارة الأسطول.
غادرنا ميناء سيدي بوسعيد في المساء، حوالي السادسة. ومع حلول الظلام قال لي القبطان: سأرتاح قليلاً، السفينة بين يديك وأنا أراقبك.
مرت ساعات الليل الأولى، نام هو، ثم تبعه الجميع. بقيت وحدي، أتابع الرحلة وأراقب البحر والريح.
وعند الفجر، أيقظتهم ونحن قد وصلنا إلى آخر نقطة من تونس، ميناء قلمبية. القبطان نفسه تفاجأ أننا بلغنا هذا الحد دون توقف.
منذ تلك الليلة، أصبحنا نقتسم القيادة: هو يتولى النهار، وأنا الليل.
أساعده في كل صغيرة وكبيرة، حتى أننى في النهار، والذي من المفترض أنه وقت راحتي، كان يوقظني: “تعال أنزل الشراع معي، افحص حرارة المحرك، حضّر لي طعاماً، انظر إلى كمية البنزين…”
كنت ألبي كل طلباته دون تردد، وكان يعاملني كما يعامل السائق مساعده.
ومع ذلك، كنت صابرًا، بل ومرتاحًا. لم أكن أشعر بالتعب رغم أنني لم أركب سفينة من قبل، ولم أعرف البحر ولا أمواجه.
السر؟ ببساطة، لأنني كنت أرى في هذه السفينة غزة، وأهلها. كنت أراها وجهتي، فكان كل جهد مبذول راحة في روحي.
#الصورة: الليلة الثالثة لنا في البحر، بعدسة صديقي الإندونيسي فاطور، الذي كان إضافة جميلة على متن سفينة قمر الموريتانية.