القبلية في موريتانيا: العقبة الرئيسية أمام بناء دولة حديثة
السيد ولد الغيلاني

الزمان أنفو _على الرغم من أكثر من ستين عاماً من الاستقلال، ما تزال موريتانيا متأثرة بعمق بسطوة القبلية، التي أصبحت عائقاً كبيراً أمام بناء دولة القانون والعدالة والتنمية. ففي الوقت الذي يتقدم فيه العالم نحو العقلانية والتكنولوجيا والمواطنة، تبدو موريتانيا عالقة في منطق الولاءات القبلية الذي يشلّ الإدارة والسياسة والانسجام الاجتماعي.
أولاً: القبيلة بين الإرث التاريخي والمشكلة الحالية
تاريخياً، لعبت القبيلة دوراً إيجابياً في الحماية والتكافل والتنظيم الاجتماعي. لكن في الدولة الحديثة تحولت غالباً إلى:
- أداة للزبونية والفساد؛
- وسيلة للوصول غير المشروع إلى المناصب والموارد؛
- غطاء لإفلات الفاسدين من العقاب؛
- عائق أمام الجدارة والوحدة الوطنية.
ثانياً: آثار القبلية على الدولة والمجتمع
- غياب تكافؤ الفرص: إذ يُضحّى بالجدارة لصالح الانتماء.
- فقدان الثقة في الدولة: تصبح المؤسسات رهينة للحسابات القبلية.
- تفكك النسيج الوطني: نزاعات إثنية وجماعية واجتماعية.
- تعثر التنمية: مشاريع تُخطط بشكل سيئ وتُسند بشكل سيئ وتُنفذ بشكل أسوأ.
ثالثاً: كيف نقضي على القبلية؟
للتخلص من هذا المنطق المتجاوز، يجب اعتماد استراتيجية متعددة الأبعاد:
1. إجراءات تشريعية
- تجريم الدعوة للقبلية في الفضاء العام (بما في ذلك شبكات التواصل).
- سنّ قوانين تمنع استخدام الأصل القبلي في المسابقات والتعيينات والانتخابات.
- عقوبات صارمة ضد ممارسات المحاباة القبلية.
2. إصلاح الإدارة
- التوظيف والترقية على أساس الكفاءة فقط.
- إنهاء التعيينات المبنية على “التوازن القبلي”.
3. إصلاح انتخابي
- منع الترشيحات ذات الطابع القبلي.
- اعتماد نظام تمثيلي أكثر شمولاً ومواطنة.
4. التعليم والإعلام
- إدماج التربية على المواطنة في المناهج الدراسية.
- تعبئة وسائل الإعلام ضد خطاب التقسيم.
- إطلاق حملات وطنية لمكافحة الذهنية القبلية.
5. القضاء
- تعزيز استقلالية وحياد القضاة.
- معاقبة كل تمييز أو خطاب قبلي.
6. الشباب والمجتمع المدني
- دعم المنظمات والمبادرات التي تعزز الوحدة الوطنية.
- تشجيع الشباب على تبني هوية مواطنية من خلال الثقافة والموسيقى والرياضة والإبداع.
7. إرادة سياسية قوية
- القدوة من قمّة الدولة: تعيينات وقرارات مبنية على المصلحة العامة.
- حظر كل منطق للمساومات القبلية في السياسات العمومية.
خاتمة
لن تنجح موريتانيا في انتقالها إلى الحداثة إلا إذا قَطعت نهائياً مع القبلية. حان الوقت لاستبدال منطق القبيلة بمنطق الأمة؛ والمحسوبية بسيادة القانون؛ والقرابة بالكفاءة والمواطنة.
إنّ مكافحة القبلية لا تُكسب إلا بإرادة حازمة، وقوانين واضحة، وعقوبات فعلية، وتغيير عميق في العقليات. فالرهان وجودي: بلا مواطنة لا دولة، وبلا مساواة لا عدالة، وبلا عدالة لا سلام ولا تنمية.
نواكشوط، 15 نوفمبر 2025

