الحملة الرمضانية…نسبة مشاركة مقبولة

كنا قبل رمضان في حملة رئاسية، الله اعلم بمدى هشاشتها وبرودتها التنافسية، وربما على الأرجح، حسب مؤشرات كثيرة ضعف مصداقية وترتيب نتائجها مسبقا، على رأي البعض، وخصوصا نسبة المشاركة المثيرة، التي انتقلت من مستوى صفوف وطوابير هزيلة إلى مستوى غير مقنع، لدى الكثيرين.

أجل، مقبولة، أي نسبة المشاركة مقبولة عند الله بإذن الله، ونعني طبعا نسبة المشاركة في حملة رمضان المثمرة المفرحة المعتقة من النار.

فشتان ما بين الحملتين، حملة رمضان، وكل رمضان طبعا سابقا أو لاحقا إلى أن تنتهي الدنيا، وحملتنا الهزيلة التي خرجنا منها للتو.

ومقبولة أيضا من وجه كم الإقبال والالتزام بالجو الرمضاني، لأني كنت ألاحظ في الأعوام الماضية مستوى كبيرا من التظاهر بالإفطار المشروع أو غير المشروع، رغم ضرورة التواري بالإفطار، حتى لو كان جائزا شرعا، ولو على وجه إجماع الفقهاء وسائر علماء الأمة، ورغم أن التظاهر البغيض في شارع إسلامي أصيل، مثل شارعنا الشنقيطي الموريتاني الأثيل، أقول هذا التظاهر مازال متواصلا ومزعجا طبعا، إلا أنه بدأ يتناقص، تحت ضغط الوعي الإسلامي المتنامي، الذي شارك في غرسه وترسيخه، من جديد، ضمن تجديد الإيمان، لا مبرر للقول إنه إسلام وافد، فالإيمان يخلق –بكسر اللام- كما يخلق الثوب، فقد شاركت وسائل الإعلام الرسمية منذ سنوات في إحياء رمضان، ومنذ عهد المغدور معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع في هذه الحملة والمدرسة الرمضانية، بكفاءات علمية -شرعيا وطبيا- في حيز من الوقت على امتداد السنين، وبحجم من الجهد البشري المضني المتواصل، حتى أضحت عرفا إعلاميا متداولا، السهرة الرمضانية، وغيرها من المسميات.

فبدأنا -ولو تدريجيا- نجني ثمرة هذا الحث والتوجيه، عمليا في شارعنا المتفلت –ولو نسبيا- من القيود الإسلامية، خصوصا تحت ضغط العولمة والتواصل الإعلامي العالمي الخطير، ذي الحدين من الخير والشر، ومع الالتباس أحيانا، قد لا يفلح المراهقون أو حتى الكبار، في رفع إشكاله وغموضه، فيبتعله البعض، اللهم ظنا منه أنه: “كعك رمضاني” فحسب، وهو سم زعاق قاتل.

نسبة المشاركة عند اللجنة المشرفة على الانتخابات المنصرمة، سواء البلدية أو البرلمان أو الرئاسية المنتهية للتو، تؤثر فيها سلبا أو إيجابيا هذه اللجنة، أما نسبة المشاركة، من حيث  الإقبال على الصيام والقيام، فلا وجه لتزويرها، إلا لماما، لأنها مسألة لا تهم النظام الاستبدادي، الذي يفضل الانشغال بما يهمه على وجه ضيق نفعي، خادم لبقاء حالة الاستبداد والاستحواذ، أما الإقبال على رمضان صياما وقياما، فقد  حث عليه في خطابه مع مطلع الشهر، بصورة باردة ناقصة، ولم تأخذه الحالة، التي أخذته اهتماما وانشغالا  وجدية على غرار خطاب “ملح” أو مهرجان نواذيبو الأخير، وإنما يترك الأمر للإعلاميين والأطباء والفقهاء، لإجادته شرحا وتوصيلا، وإن لم يخلو  هذا الجهد الطيب من نغمة ولد النين الغريبة: “عزيز رئيس الإسلام والمسلمين”، على نهج تبجيل المغاربة لملكهم، الملقب: “أمير المؤمنين”.

وتأكيدا على سلامة نسبة المشاركة في رمضان من التزوير، يعرف الجميع بداهة ما علم من الدين بالضرورة أن كل تصرفاتنا وآثارنا محفوظة عند ملك عادل مقتدر جل شأنه، الله سبحانه وتعالى، وهي مقبولة عند الله إن شاء الله، حيث لا يظلم ربنا “ولا يظلم ربك أحد” من سورة الكهف، ومن سورة الزلزلة “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره “. كما أنه خصص سبحانه وتعالى بابا خاصا بهم معشر الصائمين، وقت لقائه ووقت دخولهم الجنة:

عن سهل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد.” رواه البخاري.

وقد لا يدخل أصحاب الأعذار، وإن كانوا معذورين غير معاقبين، ولكن لهم مناشطهم من الطاعات وفضل الرحمن، ليدخلوا إن شاء الله، من أبواب الزكاة أو الحج أو غيرها من أبواب الجنة المعنونة بالطاعات، ولا يلتبس عليك الأمر، أنا لا أعني باب قصر المؤتمرات هذا، عندنا في نواكشوط، والذي دنسته مبادرات الزور والبهتان، وصنوف لا حصر لها من التزلف، الذي لا يليق بالرجال ولا أشباه الرجال.

ليشكرهم في لقائه معهم في القصر الدنيوي المذكور على نسبة مشاركة مرتبة مزورة طبعا، في كثير منها، تحريا للصدق، بالوقوف دون الإطلاق والتعميم الفج، وشكرا على رفع نسبة المشاركة، جمع أعلن فيه “عزيزهم” بأنه بريئ الديمقراطية معتز بانقلابه الأول على معاوية على وجه الخصوص، فحقد بعض النفوس على مقدار الإحسان إليها، وفعلا قد أعلن اعتزازه بصفته الانقلابية على حساب شعاراته الديمقراطية الجوفاء، عبر الإشارة والتلميح الصريح، فأنا لن أنصب إلا قريبا من موعد إنقلابي على معاوية، وقت خلاص من وظيفة الحراسة، متحولا إلى وظيفة الرئاسة، الأكثر صعوبة دنيويا وخطورة يوم القيامة، وبدل يوم 3 أغسطس، أخادعكم وأنتم مدركون صامتون، على ذبحها بعد سلخها، أي كذبة الديمقراطية العزيزية، فأقول لكم 2 بدل 3 أغسطس، سيتم تنصيبي، وعندما يقترب الموعد سأخرق الدستور، تمهيدا مني لعهدة ثالثة ثم رابعة ثم خامسة، وفي الحقيقة أنا أخرق، وأقيس على الوضع الجزائري مع وجود الفارق، وربما يسقط نظامي على يد انقلابيين جدد، وليس ثورة شعبية، وإنما سيتحرك الشارع المعارض الراديكالي، ومعه أطراف ومشارب متعددة، ليسقط نظامي فعلا وتستريحوا مني، قبل انتهاء عهدتي الثانية.

وأقول بلساني عكس الحديث السالف بلسان حاله، ولا ثالثة ورب الكعبة في موريتانيا إن شاء الله، وسوف تعلمون، ولكن قال المخطار رحمه الله “الرئاسة بطعيمته” إشارة إلى طعمتها الفاتنة الضارة في النهاية في الدنيا قبل الآخرة من باب أولى، يقول تعالى: “وقفوهم إنهم مسؤولون”.

وسيصر عزيز على نهج بوتفليقه، وداخل السجن أو المنفى سيعض أصابعه، على غرارهم كلهم، معشر الانقلابيين، ويقول على غرار ندم وصراخ المعذبين يوم القيامة من المسلمين وغيرهم، ليتني ما فعلتها ولا دخلت الدنيا أصلا، فهل يتذكر صهرنا اليوم قبل غد، وإن قسونا عليه في النصح على وجه الصدق والإشفاق، لا نكاية ولا كراهية، ولا خديعة كما يفعل أصحاب المبادرات أيام الحملة الماضية، قبل أن يصل إلى مقام لا تنفع معه هذه التذكرة أو الوساطة “في يَوْم كَانَ مِقْدَاره أَلْفَ سَنَة “، ولات حين مناص.

الحملة الرمضانية، صادقة لا تحتاج إلى “خيام” وأبواق إلا أبواق المساجد، ولها أبواق قبل انطلاق الحملة الرمضانية المباركة، وليست حملة “رئاسة موريتانيا المفبركة”.

أقول وهذه الحملة مفرحة، فعند نهاية كل يوم نفرح بفطرنا، ويوم القيامة بإذن الله يكتمل الفرح عند لقاء الرحمان في عرصات يوم القيامة ومن داخل الجنة يوم يدخل المقبولون، اللهم اجعلنا منهم، من باب الريان ويرون ربهم أعيانا، إن شاء الله، كما ترون القمر ليلة البدر في الدنيا، ” فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.

أما المنافقون، وإن لم يكون نفاق عقيدة، لا قدره الله عليهم، ففي السلوك أو بعضه، فيتزاحمون على باب قصر المؤتمرات بنواكشوط، لسماع خطاب معروف مسبقا، فيه أخطاء نحوية ولغوية لا تحصى ولا تعد، ولو كان بالحسانية، فقد ترعرع نشأ في السنغال، وسجن بها وهو فتى يافع، قبل أن يدخل بلدنا، فتنة وبلاء على ما قدره الله عليه، أعاذنا الله وإياكم من فتنه المتنوعة الظاهر منها والمستور، بإذن الله، لطفا من ربنا ورحمة بهذه الأرض الطاهرة العريقة.

وما هو البتة ببسيط يا معشر البلهاء، خصوصا من أصحاب المبادرات، السفهاء في تدبير أموالهم، والمفرطين المستهزئين أحيانا، وبوجه دائم عند البعض، بحق الرحم الخاصة والعامة، وغير الرحم، من أصحاب الزكاة وغير الزكاة، ولهم حق في المال من غير ما هو مفروض تقليدي ” وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم “.

ولكنهم يفضلون أن يقبلوا خائفين مذعنين عند من يحتقرهم أحيانا، ويدبرون عن ساحة رب كريم، لمضاعفة الإنفاق وغيره من الأعمال الصالحة، وهو ينجي من عذابه الشديد يوم القيامة، من يستخف بعياله في الدنيا، كما ورد في الأثر: “الأغنياء وكلائي والفقراء عيالي فإذا بَخِلَ وكلائي على عيالي أخذتهم ولا أبالي”.

وخصوصا في الشهر الكريم الحالي، الذي تنتهي حملته في الدنيا بلوائح طويلة إن شاء الله، من المعتوقين المحررين من النار، التي كتبت لهم في بعض مقامات التسجيل الرباني القابل للمحو والتغيير حكمة من الله ولطفا، دون اللوح المحفوظ، فيأتي عملهم هذا في رمضان، صياما وقياما، فيستحقون رحمة وعدالة ربانيين العتق من النار، وتحويلهم للوائح المقبولين المعتوقين المحررين من النار، “فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ  وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ، وقال جل شأنه: “كلا إنها لظى نزاعة للشوى “.

حملة تغسل من درن حملة، وحملة مثمرة بالمعنى الحقيقي اليقيني الصادق، بعيدة عن كذب الشعارات الانتخابية غالبا، وإنما هذه الحملة وعودها ربانية، ومجرد الشك فيها ردة.

فاقبلوا يا إخواني على الحملة الرمضانية الراهنة، عسى أن تتخلصوا من أدران الحملة السابقة، وشتان ما بين الحملتين، ولو دبجت المجلدات ومليارات المؤلفات والكتب.

صلاة الصبح في هذه الحملة المفتوحة على جميع أعمال البرية القلبية والقولية والفعلية، لا تقل درجة عن الصيام والقيام، فقرآن الفجر في رمضان له طمع خاص: “وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا”، لا يعيه وعيا كاملا إلا من ذاقه، رزقا وحفظا من الله للولد والمال وسائر الشأن في الدنيا والآخرة، فجرب أخي الصائم  وجرب أخي المعذور وأختي المعذورة في صوم رمضان شرعا وفتوى سليما.

ففي هذه الحملة الرمضانية صنوف شتى من النعيم الروحي في الدنيا قبل الآخرة، وعند لقاء الله تجتمع كل الأحوال المعنوية والمادية، جزاءا للصائمين والقائمين وغيرهم، من أهل البر، فلنجتهد كل من موقعه، لرفع نسبة المشاركة المقبولة عند الله، والاستهزاء برمضان في شارعنا.

ولنرفع شعار “صم وقم ولا تجاهر بالفطر ولو كنت معذورا شرعا”.

وليبادر البعض على غرار مبادراتهم مع وجود الفارق الهائل، بطباعة الشعار وإلصاقه مكبرا ومتوسطا ومصغرا، وليفتنن أهل الفيسبوك واتويتر في نشره بالطرق المبهرة السريعة التي ينشرون بها أحيانا صور العاريات والجمل التافهة.

أما يليق برمضان صياما وقياما حملة حقيقية، إعلاميا وغير ذلك من طرق الترويج، مبتغين بذلك وجه الله وحده، والعالم بأسرار الصدور، ووقت تحصيل وإخراج ما في الصدور، نفرح بنصر مرشحنا ومبتغانا المنشود، رضوان الله.

حملة بحملة، عوضا للمقاطعين بالمشاركة في الحملة الرمضانية، بنفع مادي ومعنوي كبير، غير محصور في الدنيا ولا في الآخرة، وقد يكون من أقل نتائجها، الخلاص من الظلم، وخصوصا نظام الاستبداد والاستحواذ الجاثم على الصدر منذ 3 أغسطس2005، بل ومنذ زمن يعد، فهذه الأرض، أرض السيبة، وزادها العسكر الموريتاني قهرا واضطرابا، واستغلالا مشينا لسمعتها وخيراتها، المعنوية والمادية، فادعوا الله –معشر الصائمين والقائمين وحتى المعذورين عذرا شرعيا لا مفبركا وما أكثر الأعذار المفبركة هذه الأيام والدخول في الطرق الملتوية-، أقول أدعو فعلا للخلاص لأرض شنقيط، من طابع السيبة والعسكرة والفوضى في كل قطاع.

فلو سرنا على هذا الطريق، لغرست في أرضنا إمارة وسقط النظام الجمهوري، لتصبح ملكا قهريا، ضيق الباع والمجال في كل شيء، وما ذلك بعزيز على عزيز ابتلاء واستدراجا له من الله، وما ذلك -من باب أحرى- على الله بعزيز، أن يوقف مد الظلم والاستبداد والاستحواذ، وأن يوفق بلادنا للخروج من النفق المظلم، إن الله لطيف بعباده.

وخصوصا الذين يجأرون بالدعاء في كل حين، وبخاصة وقت السحر في رمضان المعظم المبارك.

احذروه قبل أن يفعلها، أي المستبد المراوغ، وفروا إلى الدعاء والاستقامة إني لكم منه نذير محذر، والله خير حفظا.

لا تفرطوا في صومكم ولا قيامكم ولا رمضانكم ولا شارعكم المهمل المليئ بالأعذار غير الصحيحة أحيانا، والذي بدأ يتعافى من هذا الإفطار المتعسف، بصعوبة وبمحدودية مقبولة على كل حال، على وجه التفاؤل ففي الحديث الشريف “إن الله يحب أن يسمع الفأل الحسن” رواه بن ماجه.

ولا تنسوا الوطن وجميع أرض الإسلام، فمن أصبح -حسب الأثر- ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

آه، إن هم الوطن ثقيل، وأثقل منهم هم المسلمين، وهم الأقصى الأسير والعراق الممزق، وافغانستان المحترقة، فلا تنسى يا صلاح الدين الإبن، ما سميتك من أجله، تحرير الأقصى إن شاء الله، ولا تنشغل بالجو البحري الساحلي، على ضفاف نواذيبو وقطاع الصيد عن القطاع الذي سميتك من أجله، قطاع الشأن العام، الهام الحساس، المثمر النتيجة في الدنيا والآخرة، ولكن بشروط قد لا أكون أفلحت في بعضها، فلتكمل المسيرة، ولتفحص التجربة، وأبتعد عن المساوئ دون مجاملة للأبوين، مع البرور والرفق بالوالدين، وعزز بالإبداع، وركز على غزة ورام الله وبيت المقدس، وضفاف بيت المقدس، وأنصحك بالتنقل إلى أرض مباركة، أنت تعرفها ولا داعي لذكرها، لحساسية أوضاعها الحالية، التي ينفر منها الجبناء ويدرك مآلها أصحاب الرؤية الثاقبة، وأمارتها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أهلها أبدا في رباط إلى يوم القيامة”، آخر حديث معروف في بدايته تصريح باسم البلد، القريب من الأقصى، ليسهل التنقل، والتخطيط لاستهداف العدو اللدود والماكر الخبيث، الكيان الصهيوني، ولا تظلم اليهود المسالمين ولو صعب الإطلاق ولو قلوا، فأهم أهل كتاب ولو حرفوه.

 

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى