زمن المافيا / سيدي علي بلعمش

“العائلات” الموريتانية “قضية تخصنا”

 تجار مخدرات ، مزورو عملات ، رواد تجارة غش و مهربون محترفون يعرفهم الجميع، أصبحوا الآن يديرون دفة الحياة في البلد و يتربعون على عرش السيطرة و النفوذ؟ كل شيء يوصلك إلى الحكم في هذا البلد إلا أن تكون إنسانا صالحا.. إلا أن تكون من يستحقه ..

إلا أن تكون من يريده هذا الشعب المسكين .. إلا أن تكون من يحتاجه هذا البلد البائس؟ زمن المافيا بدأ و تشكل في هذا البلد بالصراع على الحكم و تزوير الانتخابات و تصفية الحسابات و تسويق الأوهام و التقرب من كل الأعداء التقليديين للبلد: مد و جزر تقذف أمواجه بزبدها على شواطئ غرثى هي صاحبة الحظوة و الدلال في هذا البلد المتصحر المكلوم. أين ذهب جدو ولد السالك ، أحمد ولد بو سيف، أبو ولد المعلوم ، والي نواذيبو و غيرهم ؟ إشارات كثيرة تفيد بأن العصابات المافيوية تجر أذيالها في البلد منذ زمن بعيد.

تستخدم كلمة المافيا مجازاً للدلالة على أقصى درجات الإجرام تنظيماً ووحشية مثل المافيا الروسية والمافيا اليابانية (الياكوزا) و المافيا الإيطالية (La Cosa Nostra) و تعني بالإيطالية “أمر يخصنا” أو قضية تخصنا أو قضيتنا .

وينتظم حوالي 6آلاف إيطالي أمريكي يشاركون في الجريمة المنظمة في شبكة عصابات إقليمية تسمى “العائلات” وتشارك هذه المنظمات في العديد من النشاطات غير القانونية مثل القمار، والدعارة، و الاتجار بالمخدرات . ويقدر المسؤولون عن القانون أن هذه “العائلات” تكسب حوالي 50 بليون دولار أمريكي سنويًا من هذهالنشاطات الإجرامية .

ويعتقدون أنها أصبحت تمارس كثيرًا من الأنشطةالمشروعة، بجانب أنشطتها غير القانونية (غسيل الأموال) تماما كما أصبحت تلمع واجهاتها بالأنشطة التجارية المقبولة أو المقلوبة في بلدنا…! لقد ارتبط ظهور المافيا في الدول عبر التاريخ بضعف السلطة و تفشي الفساد الإداري و خمول النخب. هذا هو المناخ المناسب لظهور المافيا و التي هي من يصنعه في الغالب عبر مراحل تبدأ بهدم المنظومة الأخلاقية للمجتمع و الاستهتار بالنظم الإدارية و ارتخاء القيم و اهتزاز الفضيلة و هي أمور ترتبط ارتباطا عضويا ببعضها .

لقد كان غورباتشوف فاتحا عظيما لعصر المافيا الذهبي في روسيا و كان معاوية أول من أعلن حربا مفتوحة على القيم و الأخلاق في هذا البلد ليدخله عصر انحراف لا مثيل له ، تحولت فيه عصابات الدعارة و الانحلال إلى نخبة مبجلة تسير أمور البلد بالرموت كونترول (و هذا بالطبع هو ما جعل موريتانيا اليوم ـ حسب تقرير أمريكي متخصص ـ تحتل المرتبة الخامسة على لائحة الدول العشر الآيلة إلى الزوال، في العالم) “العائلات” الموريتانية التقت في الحكم و أصبحت تمارس أنشطتها القذرة تحت سقف السلطة لتأخذ أبعادا أخطر و تحول البلاد إلى جزء من سمعتها السيئة و صراعها السياسي إلى جزء من تصفية حساباتها القذرة. موريتانيا أول دولة في العالم تحكمها المافيا بعد صقلية ، لتحول أرضها إلى وكر للجريمة المنظمة.. و موقعها إلى ملتقى طرق لتهريب المخدرات و الأسلحة و المهاجرين و كل الممنوعات.. و سلطتها إلى سوق لغسيل الأموال و الصفقات القذرة. ليس في قاموس المافيا أي معنى للرحمة : على كل من لا يرضى عن الحكم في موريتانيا اليوم أن يذهب إلى السجن .. إلى المقصلة .. إلى بلد آخر .. إلى الجحيم. لا مكان اليوم في هذا البلد لمن لا يفهم أن الأمور تغيرت و أن عليه أن يتعامل مع تلك الحقيقة بما يحتاج من حذر : مهمة القضاء الوحيدة اليوم هي إدانة كل من يشي بما تقوم به المافيا.. هي سجن كل من لا ترضى عنه “العائلات” الموريتانية.. هي فبركة الأحكام و تطويعها لرغبة “العائلات” و تكييفها كيفما اتفق لصالح حماية سمعتها الملطخة. تقوم “العائلات” الموريتانية اليوم بالسيطرة على المراكز الإدارية و المالية و التجارية في البلد بعدما حولت القضاء إلى شاهد زور مهمته الوحيدة حماية سمعتها و التنكيل بكل من يتجرأ على ذكر اسمها بسوء، في خطوة مكشوفة تتجسد وقاحتها في تعيينات أقارب و أصدقاء رئيس النظام و عصابته في مراكز السيطرة في البلد : لا أحد يستحق التوظيف في هذا البلد بغير علاقته الوطيدة بـ”العائلات” الموريتانية؟ ـ ما الفائدة من أن تكون وزيرا الآن إذا كان يكفي اتصال من أحد أفراد “العائلة” لتخضع للتفتيش و التنكيل و يرمى بك في الشارع بعدما تلطخت سمعتك ؟ ـ ما الفائدة في أن تكون رجل أعمال اليوم في موريتانيا إذا كان يكفي أن تتوحم زوجة أحد أفراد “العائلة” على ألوان شعارك لتصبح أثرا بعد عين؟ “العائلات” الموريتانية ماركة تجارية مسجلة يمكن أن تخدمها بمقابل، لكن لا يمكن أن تنمي إليها بشيء : و المافيا السلطة لم تظهر إلا في صقلية و موريتانيا و في ليبيا (بشكل أكثر جهلا و تخلفا و بدوية ، جعل الناس تبحث له عن اسم آخر) و إن كانت المافيا الإيطالية أكثر نبالة في الأصل حيث نشأت (القرن الثالث عشر) بعد الغزو الفرنسي لصقلية (1282م) منظمة سرية لمكافحة الغزو الفرنسي كان شعارها : “Morte Alla Francia Italia Anelia “ ويعني (موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا) فجاءت كلمة (مافيا MAFIA ) من أول حروف كلمات الشعار. أما شعار مافيا موريتانيا فهو حسب ما يبدو من تصرفاتهم “موت موريتانيا هي صرخة سلطاتها” التي شيد كل واحد من بارونات عصاباتها قصورا في الخارج للذهاب إليها بعد انهيار البلد أو انهيار مجموعته الحاكمة بعدما حولوا كل ما فيه من خيرات إلى جيوبهم القذرة. إرهاصات زمن حكم المافيا ظهرت منذ عدة عقود في بلادنا : فما معنى أن يكون ابن الرئيس الاسبق محمد خونا ولد هيدالة سجينا في المغرب بسبب تهريب المخدرات ؟ ما معنى أن يكون ضابط مكافحة المخدرات و عضو الانتربول الدولي و ابن عم الرئيس معاوية المبجل، في سجن دار النعيم بسبب المخدرات ؟ و إذا كان صحيحا أنه ضحية تصفية حسابات كما يقول محاموه ، ففي ذلك ما يؤكد ما نقصد ، فتصفية الحسابات هي أقدم لعبة مافيوية و أشهر ممارساتها على الإطلاق.. إن المحامين لا يقولون لنا تصفية الحساب مع من ؟ و لا لأي سبب؟ ثم ما معنى أن يصبح رجل بلا مؤهلات كان حتى نهاية التسعينات يعيش تحت خط الفقر ، أغنى رجل في البلد من دون أن يعرف أقرب الناس إليه من أين له ذاك؟ ألم يعد غياب المصادر كافيا للإدانة بالنسبة لأجهزة الأمن و القضاء؟ إن تهافت أصحاب المال على كرسي الرئاسة في هذا البلد .. و على الارتباط بكل ما لديهم بمن يتولى قيادته لدليل كاف على حاجتهم الماسة إلى حماية أكثر منها إلى أرباح لا يحتاجونها في شيء! و ليس من بين من نعرفهم من الصف الأول من رجال الأعمال من لا تملك الناس من الأدلة القاطعة ضده ما يكفي لسجنه مدى الحياة. و هذه حالة لا تحدث في بلد طبيعي بل لا تحدث إلا في بلد تتحكم فيه المافيا. لقد كانت إسبانيا تنتظر تقدم حظوظ أحد المترشحين للانتخابات الماضية لرفع الفيتو ضد وصوله إلى السلطة بملف غسيل أموال كامل الأدلة .. و كانت فرنسا المجرمة تتحكم في مرشح آخر عن طريق ملف “إبادة جماعية” تستنزف موريتانيا من خلاله منذ ثلاث عقود. و كلها إشارات واضحة إلى أننا نملك سجل فضائح أصبح الخروج منه يحتاج معارك أكبر من اعتصامات الصحافة و مناورات ولد داداه و تهديدات مسعود.

(لا أريد أيا منكم أن يتعاطف معي حين أسجن لأنني أدرك عجزكم و قلة حيلتكم و خيبة أمل من يعتمد عليكم) أصبح الصراع على السلطة اليوم أهم متطلبات المرحلة على أجندة المافيا بعد أن ظلت طويلا تعمل في الخفاء على ترشيح من يحمي مصالحها و هو ما يعني أننا سنرى في الانتخابات القادمة لائحة هامة من البارونات على ربيرتوار الترشحات الرئاسية تأكيدا لسيطرتهم الكاملة على الموارد و تجاوزهم الكلي لإحراج المفاهيم الأخلاقية “المتعفنة”؟ حينها ستستحيل الحياة على هذه الأرض إلى جحيم ليفهم الجميع أن النفاق لعنة أكبر من أن تمر من دون عقوبة

تقدمي 2010

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى