النخيل بين الإهمال والاستغلال

altشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم النخلة بالمؤمن، فهو خير كله ، وعلفهااقتصاد ونماء ، كذلك غذاء للحيوان منفوعه أسرع من كثير من المغذيات.

 ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة،فاستحييت. ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: فقال: هي النخلة. قالفذكرت ذلك لعمر، قال لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلي من كذا وكذا.

ووجه الشبه بيان بركتها، وكثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجودهعلى الدوام، وكون أَصْلهَا ثَابِتا وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء، وعدم سقوطشيء منها لا يستفاد به، تشبيها ببركة المسلم، واستجابة دعائه، وثباتالإيمان في قلبه، وكثرة عمله الصالحات.

 قال النووي في شرح مسلم في بيان وجه التشبيه:

قال العلماء: وشبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرهاووجوده على الدوام فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعدأن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعاوحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأواني وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواهاوينتفع به علفا للإبل، ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها فهي منافع كلها وخيروجمال، كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه ويواظب علىصلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة وسائر الطاعات وغير ذلك، فهذاهو الصحيح في وجه التشبيه، قيل وجه الشبه أنه إذا قطع رأسها ماتت بخلافباقي الشجر وقيل لأنها لا تحمل حتى تلقح. والله أعلم.

 

 

وسبحان الله، لا تكاد عجائب النخيل تنقضي، وليس هذا سوى مجرد مبررلإثارة موضوع النخيل، التي هي شتى عديد مديدة، لا تكاد تعد أو تحصى، وهيمفيدة حتى بالنسبة  للذين خلفوا من السكريات، أذا اخذوا ثمارها رطبا فلاتكاد نظرهم، ما لم يفرطوا، وفي الإفراط شر بين، وفي التفريط والإهمال ضياعمنفعة كثيرة إن شاء الله.

إننا معشر الآدراريين مفرطون في نخيلنا، وقد هجرناه إلى أرض “الكبلة” الباردة التي لا يصلح فيها النخيل طبعا، وحسبنا منافع العواصم، مثل نواكشوطنواذيبو و”كيطنة الحوت” أحيانا، لا تغني عن كيطنة الأصل قبل الفرع.

في جلسة نبوية مع بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم سألهم عن الشجرة، التيتشبعه المؤمن، فجال في خاطر ابن عمر دهاء وذكاء مشعا والأول والأقوى،إلهاما ربانيا هاديا للإيمان والجواب الصحيح، وهو النخلة، الإجابة التيفتحت الآفاق  أمام أصحاب النخيل واهتمامهم المستمر إلى يوم القيامة، حتى أنرسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر المسلمين بغرس الفسيلة، أي النخلةالصغيرة، حتى لو قامت  عليك القيامة، ولم تكتمل بعد غرسها، فلا تتوقف عنتلك المهمة الإيمانية الإنمائية المقدسة حتى تكملها، لأنها لله وليس القصدالأثمار والنتائج الدنيوية فحسب

النخلة هي والمؤمن صنوان، فهي نفع لا ضر بإذن الله، إلا من لم ينتبه لشروط الانتفاع السليم من إيجابياته الجمة بإذن الله.

أحذر أن تأكل “تجب” في “انهار الحامي”، إلا متحيزا للماء الحاميالمستخلص من لحم  “الجديان” أو ما شابه ذلك حتى لا تأخذك تجب وأنت تصفقلعزيز، وتقول أقيم هذا المهرجان تحت رعاية لرئيس محمد ولد عبد العزيز،فثمارنا مفيدة، ولكن لها شروط استعمال دقيقة سهلة الفهم والتطبيق، ف”أتمر” لا يأكل وحده غالبا، إلا معه ما “يحم” بيه ونعني هنا الرطب، وإلا فإنالأسودين الماء والتمر الجاف، يمكن عند الحاجة وفقدان ما يضاهيما،الإكتفاء بهما غذاء كاملا بإذن الله.

وعندنا من نوادر الثمار نخلة عايشتها في ترون “5 كلم شمال مدينة أطار”،عند حديقة اهل اسحاق ولد اعبيدن في السبعينات، تسمى “لخذيرة” لون ثمرها  يميل قليلا للون الأخضر، وكأنها بين الصفرة والخضرة جمالا وطعما متميزاغريبا.

كان ابن خالتي م، أ عندما يكون قافلا من “ازرايب” إلى المساكن إلى”اظلع” يهديها إلى بعض التيات مستميلا بذلك ودهن وحق الجار، وهن شريفاتجميلات كن يسكن قربنا، من أصل بوتليميتي، إلا أن والدهن عندما ذاق طعمالكيطنه في أطار وترون، القرية التي ترعرع فيها معاوية حفظه الله وهداهللصلح مع خصومه في الدنيا قبل الآخرة،

أقول عندما ذاق هذا الشريف البوتلميتي طعم كيطتنا سكن ووقر في أطار، وظل يكيطن دائما في ترون، القريبة من الدشرة – أطار طبعا-

بصراحة، ربما يصدق قول بعضهم عن الكيطنة ” لا تحدثوا عني ما يعرفنيفمعترفي كفيلة باجباره ـ رغم كل الظروف على القدوم، أمام من لا يعرفنيفحدثوه واشرحوا له، عسى أن لا يفوته نفعي، وكأننا نحدث مثل أهل الصوفية،المستقيمين منهم طبعا، عن ثمار الذكر وحلاوته في القلب، بعض الغافلين، لعلهيصدق ويؤمن أن ما نقوله حق وصدق، فما دام شبهها صلى الله عليه وسلمبالمؤمن، فهي مشابهة في طعمها المادي لحلاوة الإيمان والذكر في القلب،سكينة ووقارا وهدوء وصحة، وتهيجا واستعداد للطاعات.

فكذلك جو الكيطنة الصيفي غالبا، مفيد لأصحاب الروماتيزم، وأن ثماره”الصالح”، بعد انقضاء الكيطنة، فقد جربه البعض لعلاج الملا ريا، وحدث ولاحرج، فما دام شبهها صلي الله عليه وسلم،أي النخلة ، بالمؤمن فهي خير كله،لأنه صلى الله عليه وسلم قال عن المؤمن، عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله لهخير، إن إصابته سراء شكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر كان خيرا له رواهمسلم في صحيحه..

كذلك النخبة أمرها خير كلها لمكيطتنها ومرتاديها لكن النخيل في آدراروتكانت ولعصابة وكافة التراب الوطني أهمل وزوج به في ودية النسيان للأسفالبالغ، ونادرا ما تحمل المناسبات الاحتفالية، إلا الضيوف على كاهلالأطاريين، رغم إهمال السياحة عموما ،وعقاب الأطاريين جماعيا بحجة أنهمأخذوا أكثرمن حصتهم “امسيكينين” وما  ينبغي اتهام – على رأي البعض- “والمتهم بريء حتى تثبت إدانته ” إلا زمرة قليلة صودرت أموالهم ومازالوامغرمين، باستمرار وابتزاز مذل، رغم خدمتهم للنظام وتوبتهم منذ سنوات منالمعارضة المشروعة، المنصوص عليها أخلاقيا ودستوريا المحرمة عمليا.

المهم، عودة إلى الموضوع، مهرجان الكيطنة أيام7،8،9 أغشت 2014 الجارييخاف الكثيرون أن يتحول على فرصة للكيطنة فحسب، وهذا مهم، لكنه ليس هوالمطلوب بإلحاح وأولوية.

فمعشر أهل النخيل جميعا، والذين سيتنادون، جزاءهم الله خيرا، من كل فجعميق، خصوصا من الولايات المهتمة بالنخيل، يريدون أن يعرضوا مشاكل النخلةوإهمالها، وأمراضها وعاهاتها، مثل البيوض وغيره كثير من داء النخيل، وسائرالتحديات التي تواجه باستمرار واحاتنا، عسى أن تعرف العلة والمعاناة، فيبدأالبحث، على الصعيد الرسمي وغير الرسمي عن العلاج بجديدة وإخلاص ما- أصعبه-  والمشكلة أساسا في الدوام والاستمرارية، فالرسول صلى الله عليهوسلم يقول بحكمة وعبقرية نبوية هائلة: “خير الأعمال أدومها  وإن قل”

إننا بحاجة لإنشاء قطاع خاص بالنخيل في وزارة التنمية، فهو ثروة أمةوشعب شنقيطي عريق، كاد أن يفقد سائر عناونيه، فما النخلة والناقة وطبعاالمكتبات على ظهور العيس، إلا علما وشارة لأمة مترامية الأطراف، هي الأمةالعربية المسلمة وخصوصا في شنقيط، أرض المنارة والرباط.

 

فنحن عندما نكافح ونسهر الليالي، رغم الخلاف السياسي المشروع السلمي، معبعض المشرفين على مهرجان الكيطنة أطار2014، ونصرف ما عندناوما ليس عندنامن أجل “الستره” لوجه الله تعالى، فإنما نفعل ذلك لوجه الله وابتغاءلرضوانه، لأن الله شبه نخلتنا بالمؤمن، وهي إشارة لعدم ترك أي محفل يحظىولو بنزر يسير من الجدية، رغم الاستغلال السياسي، فالوقت وقت وفاقاستراتيجي مؤقت، من أجل الصالح العام الوطني الواحاتي المشترك، وليس وقتإثارة النعرات السياسية الضيقة، معارضة أو موالاة أو حيادا.

إننا بحاجة لرص الصف معشر أهل النخيل، وخصوصا في مدينة أطار وولايةآدرار عموما، لنقدم خدمة ملموسة، لواحات تحتضر خصوصا في منطقة الباطنبآدرار، أي جهة أطار، ما تحت الجيل، وأما ما فوق الهضبة فيسمى أظهر آدرار،وتعتبر واحاته أجمل واقرب ماء، وما جاور أطار اختفى منه الكثير، خصوصا واحةترون التي بقي  منها القليل والقليل جدا، سبحان الله، وكذلك أزوكي كادتواحاته أن تختفي تقريبا، بالمقارنة مع ماضي الأيام والسنون، وهو مرقدالإمام الشهيد اليمني المرادي الحضرمي، وكذلك “اكصير الطرشان” خفت وهجالكيطنة فيه لتناقص أعداد نخيله الجميل وواحاته المباركة الغناء.

وفي “أطواز”، عبرة لمن يعتبر، عيون قتلت أعيان أهل خيري وغيرهم منالسكان الأصليين، لطولها وعمقها وغور مائها النادر، الذي لا يحصل عليه بضمالياء إلا بعد صرف الملايين، لأن المطر منذ خمسينات القرن المنصرم، أصبحنادر الهطول، وإن وجد بعضه لكثرة الربا وعصيان ملك الملوك، أصبح والعياذبالله، قليل النفع، كثير الهدم وإغراق البشر أحيانا، تذكر معي فيضانأطار84، الذي كان من أسباب انقلاب12-12-84 عندما أصر صاحبنا الحالي،العسكري المخضرم بين الموالاة والمعارضة،” مرسول” ولد هيداله رجله الثالثبعد ابريكه على الاكتفاء بإقامة السياج ” سد”  على مدينة أطار، وعدم تعويضالمتضررين الأطاريين، من معونة فهد رحمه الله.

فكان ذلك على رواية البعض من أسباب إغاظة معاوية على هيدالة وصديقهوقتها ولد باب مين، مع الإشارة رئيس منتدى الديمقراطية والوحدة الحالي.

وباختصار ماء أطار لكي يكون مباركا غير ما حق، لابد له من عنصر التقوى،مصداقا لقولة تعالى: “ولو أن أهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتمن السماء والأرض”. فهطول الأمطار، المباركة، لابد لها من العمل الصالحوالدعاء المستجاب إن شاء الله، اللهم صيبا نافعا.

ففي اطواز تكاد كبير من الواحات تلفظ أنفاسها عطشا وتضررا من مختلف العاهات.

وقد قتل البيوض وغيره – ملايين النخيل في المغرب العربي، خصوصا فيالجزائر والمغرب وموريتانيا – ورغم جهود الجهات الرسمية مازال المرض،وفيروسه القاتل يتنقل عبر أثير القارات، عابرا طليقا دون جهد رادع كافمعالج، لأنه صلى الله عليه وسلم قال جازما: “ما أنزل الله داءا إلا وأنزلله دواء”.

أكل الكثيرون باسم “البيوض” وهم يعرفون أنفسهم، وتزوجوا وأنجبوا ولمينجب النخيل، لفرط خيانتهم وتهاونهم، وربما لصعوبة مكافحة المرض، فما حملوامن ادوية وتقنيات ستظل بدائية، ما لم يحالفها الإخلاص والاستمرار.

إننا في هذا الأيام القادمة نترقب، ضيوفا نخاف بعضهم على بناتنا، لفرطسفههم وربما سفه بعض عيالنا، إننا ندعو  أهلنا للالتزام وندعو الضيوفللاحترام المجتمع الوافدين عليه، وأما النخيل فقد لا يحظى به إلا الذكرالمحدود العلمية والمهنية في وسائل الإعلام الخاصة قبل العمومية.

فمتى تتحول هذه المناسبات الاحتفالية الفلكلورية إلى جهد حقيقي ناجع نافع، مهما قل هذا النفع المنشود بإلحاح!؟.

ونكررها معه صلى الله عليه وسلم: “الأعمال خيرها أدومها وإن قل” أو كماقال صلى الله عليه وسلم، وكل مهرجان تمور أو كيطنة وأهل غزة في أمان ونص،روالمسلمين جميعا في خير عميم، إن شاء الله.  

النخيل بين الإهمال والاستغلال

بقلم” عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة “الأقصى”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى