إنها حكومة خارج التوقعات!!‏

إنها حكومة خارج التوقعات!! لقد أصبحتُ أكثر قناعة بأنه لا أهمية ترجى من التحليلات ولا من القراءات التي تعقب أي تعديل حكومي، خاصة في مثل هذا العهد الذي يقوده رئيس كان قد عودنا منذ وصوله إلى الحكم على أن يتصرف بمزاج متقلب، وبطريقة مربكة، لا يمكن أن يستقيم معها أي تحليل، ولا يمكن أن يتم إخضاعها لأي قراءة منطقية.

 

إن تعيين وزير أو إقالة آخر لا يمكن أن نفسرها في هذا العهد بأي تفسير منطقي، سوى أنها عملية تخضع للصدفة، وللحظ، ولتقلبات مزاج الرئيس، لا أكثر ولا أقل. ولتأكيد هذا الكلام دعونا نتوقف مع جملة من الأمور التي تؤكد بأن “حكومة ولد حدمين”، أو حكومة “ما بعد منتصف الليل” هي الحكومة الأكثر خروجا عن المألوف، وهي الحكومة التي لا يمكن إخضاعها لأي منطق سليم، لا من حيث تشكيلتها، ولا حتى من حيث توقيت الإعلان عنها. إن اختيار “ولد حدمين” كوزير أول قد شكل صفعة قوية لكل التوقعات المبنية على منطق سليم، وهي صفعة أعقبتها صفعة أخرى عند الإعلان ـ وفي وقت متأخر من الليل ـ عن الأسماء المشكلة لحكومته. فإذا ما بدأنا باختيار “ولد حدمين” كوزير أول فسنجد بأن اختياره كان قد خرج عن المنطق وعن المتوقع في أوجه كثيرة لعل من أبرزها: 1 ـ يكفي أن نتتبع ما كانت تنشره المواقع في الأيام الماضية، والتي كان أغلبها يتوقع التمديد ل”ولد محمد الأغظف”، في حين أن عددا من تلك المواقع توقع أسماءً أخرى، فكان لكل موقع منها وزيره الأول الخاص به، ولكن الاسم الذي لم يستطع أي موقع أن يتخيله، ولا أن يتوقعه، ولا أن يتكهن به كوزير أول، كان هو اسم “ولد حدمين”. 2 ـ وإذا ما تجاوزنا تكهنات وتوقعات المواقع التي لا يمكن أن يتم الاعتماد عليها في أي تحليل سليم، فيمكننا أيضا أن نذكر بأن من بين الأسباب المنطقية التي كانت تحول دون تعيين “ولد حدمين” كوزير أول هو هذا الحديث الواسع الذي سبق تعيينه عن تجديد الطبقة السياسية، والذي جعل البعض يتوقع بأنه إذا ما تمت إقالة “ولد محمد لغظف” فإن الوزير الأول البديل سيكون حتما أصغر سنا، فإذا بالبديل يكبر الوزير الأول المقال بأربع سنوات حسب المنشور في السيرة الذاتية للرجلين، وعليكم أن تتذكروا جيدا بأن أصغر وزير أول سنا كان هو “الزين ولد زيدان” الذي عينه الرئيس السابق، وهو الرئيس الذي لم يَعِد يوما بتجديد الطبقة السياسية. 3 ـ لقد توقع الكثيرون أن يتم الاحتفاظ بالوزير الأول لأن له صلات مقبولة بالمعارضة، أو أن يتم تعيين وزير أول أكثر صلة بالمعارضة، وذلك لأنه كان من المتوقع عند أغلب المراقبين بأن السلطة ستسعى في بداية مأموريتها الثانية إلى إطلاق حوار جديد مع المعارضة، ولذلك فلم يكن متوقعا على الإطلاق أن يتم تعيين “ولد حدمين” كوزير أول فالرجل معروف بحدته، وبسرعة غضبه، وبعدم قدرته على خلق أجواء حسنة مع المعارضة، تعزز من الثقة، وتساعد بالتالي على فتح حوار جديد مع المعارضة. 4 ـ ويبقى التبرير الوحيد الذي قدمه البعض لتفسير اختيار “ولد حدمين” وزيرا أول هو نجاحه في قطاع التجهيز والنقل، ذلكم القطاع الذي سيبقى من أهم القطاعات التي تحققت فيها انجازات ملموسة في المأمورية المنتهية. والحقيقة أن ما تم انجازه من طرق لم يعد مقنعا لأي أحد، خاصة بعد أن كشفت الأمطار على أن ما تم انجازه لم يكن بالمواصفات المطلوبة، ثم إن شق الطرق في العاصمة من قبل إنشاء صرف صحي يعد هدرا وتبذيرا للأموال، وذلك لأن تلك الطرق ستكلف مبالغ إضافية لإعادة ترميمها مع كل موسم أمطار . ولعل من المصادفات اللافتة أن يوم تعيين الوزير الأول الجديد كان قد شهد هطول أمطار على العاصمة مما أظهر أن هذه الطرق التي تم تشييدها لا يمكن أن نفتخر بها من قبل إنشاء صرف صحي، ثم إن شق الطرق وتشييدها يهدف في الأساس إلى أمرين اثنين وهما: توفير انسيابية في حركة المرور، وخفض كلفة النقل، ومن المعلوم بأن العاصمة لم تشهد زحمة كالتي عرفتها في السنوات الأخيرة، ولم تعرف ارتفاعا في أسعار النقل كالذي عرفته في الفترة الأخيرة. وإذا ما تركنا المفاجآت التي خلفها تعيين الوزير الأول، فسنجد بأن الحكومة هي أيضا قد خالفت التوقعات والمنطق السليم في أكثر من وجه، ولتبيان ذلك دعونا نتوقف مع الملاحظات التالية: 1ـ لم تعكس هذه الحكومة مستوى العلاقة القوي الذي يربط بين الرئيس وقائد الجيوش، فقائد الجيوش كان قد خسر أحد رجالاته وهو الرئيس السابق للحزب الحاكم الذي تمت إقالته في وقت سابق، كما خسر في هذه الحكومة آخر ما تبقى له في الحكومة : الوزيرة المقربة منه اجتماعيا، وكذلك وزير الدفاع، ومن المعروف بأن وزارة الدفاع كانت قد أصبحت في “عرف التعيينات” من الحقائب الخاصة ب”ولد الغزواني” منذ انقلاب 3 أغسطس 2005. 2 ـ كان من المفترض ومن المتوقع أن تأتي هذه الحكومة بالجديد خاصة أنها أول حكومة في مأمورية جديدة، ولكن ذلك لم يحصل إطلاقا بعد أن تم الاحتفاظ بثلثيها، أما الثلث الذي تم استبداله فإنه أيضا لم يأت بالجديد، وإنما جاء بخلف من الوزراء لا يختلف في أي شيء، لا في أي شيء، عن سلفه من الوزراء. 3 ـ لقد تم الاحتفاظ في حكومة “ولد حدمين” بالوزراء الأكثر فشلا في حكومة “ولد محمد الأغظف”، سواء كان ذلك الفشل على مستوى القطاعات التي تم تكليفهم بتسييرها، أو كان على مستوى المهام السياسية والانتخابية التي تم تكليفهم بها، وإذا ما عدنا إلى الوزراء الذين تمت إقالتهم فسنجد بأن ثلاثة منهم كان قد تم تعيينهم منذ أشهر فقط (ولد محم، ولد عبد المالك، منت آكاط)، وبالتأكيد فإن هؤلاء الثلاثة لم يكونوا هم الأكثر فشلا في تسيير قطاعاتهم، ولم يكونوا هم الأكبر سنا، ولا أحد يعرف لماذا تمت إقالتهم، ولا لماذا ترك آخرون في أماكنهم، وهم أكثر فشلا، وأكبر سنا، وقضوا مدة أطول وهم وزراء. فإذا ما أخذنا “ولد محم” على سبيل المثال فسنجد بأن هذا الوزير الذي خسر مقعده الانتخابي من أجل الوزارة كان من أكثر الوزراء حضورا، وكان من أكثرهم دفاعا عن السلطة، وكان من أوضحهم خطابا، ومن أبلغهم حجة، فلماذا تمت إقالته؟ أوَ ليس هذا الرجل هو الأنسب ليكون ناطقا باسم الحكومة؟ خاصة إذا ما علمنا بأن كل ما يحتاج إليه الناطق باسم الحكومة من صفات ومؤهلات (خطاب قوي وحجة قوية) كان يتوفر لدى “ولد محم” أكثر من غيره. 4 ـ لقد غاب عن هذه الحكومة كل أولئك الشباب الذين أبلوا بلاء حسنا في لقاء الشباب وفي حملة الرئيس، فكيف يتم تغييب شباب “أنتم الأمل” في مأمورية يقال بأنها ستكون مأمورية تجديد الطبقة السياسية، ومأمورية إشراك الشباب في الشأن العام؟ وحتى لا تختلط الأمور لدى البعض، فإنه لابد من قبل اختتام هذا المقال أن أنبه إلى أني كنتُ من أشد منتقدي لقاء الشباب، وكذلك من أشد منتقدي الوزير “ولد محم”، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة إنكار أن بعض الشباب المشارك في لقاء الشباب كان قد بذل جهدا كبيرا في إنجاح ذلك اللقاء، وفي إنجاح حملة الرئيس، وأن الوزير “ولد محم” كان قد بذل هو أيضا جهدا كبيرا في الدفاع عن النظام وعن سياسته، وقد أظهر مهارات وقدرات لافتة في هذا المجال. وفي الأخير فإنه لابد من القول بأن البحث عن أي تفسير منطقي لإقالة “ولد محمد لغظف”، مع إبعاد الوزراء المحسوبين على “ولد غزواني” من حكومة “ولد حدمين” قد أجبرني للعودة سنتين إلى الوراء، وإلى خلاف هادئ في ظاهره، ساخن ومعقد في باطنه، كان قد حصل بين الوزير الأول وقائد الجيوش بعد حادثة إطلاق الرصاص على الرئيس في 13 أكتوبر 2012. ولكن هذا التفسير يصطدم هو الآخر بعقبة أخرى، وهي أنه ليس من سلوك الرئيس “ولد عبد العزيز” أن يؤجل أية ردة فعل لحولين كاملين، فالرجل معروف بسرعة ردود أفعاله، ولا يهمه في العادة ما سيترتب من مخاطر على ردود الأفعال تلك، وتلك الصفة تبقى تمثل واحدة من أقوى نقاط القوة لديه، أو تمثل واحدة من أقوى نقاط الضعف لديه. حفظ الله موريتانيا.. محمد الأمين ولد الفاضل http://elvadel.blogspot.com/

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى