الانتخابات التشريعية في تونس: احتفاء بالتجربة الديمقراطية وخوف من نتائجها

altتشكّل تونس اليوم محط أنظار العالم وهي تستعد لطي صفحة المسار المؤقت والدخول في عهد الجمهورية الثانية من altبوابة الانتخابات التشريعية (البرلمانية) وتراقب دول الجوار وسواها تجربة التحول الديمقراطي التونسي بمزيج من القلق والتفاؤل، على اعتبار ان نجاح هذه التجربة في مهد «الربيع العربي» سيؤثر بطريقة أو بأخرى على مسار الأوضاع في دول ما زالت تتخبط أمنيا وسياسيا وأخرى ترقب بعين «الحسد» والقلق نضج التجربة الديمقراطية التونسية، وثالثة ترى في تكرار سيناريو 2011 دعما لبعض الحركات الإسلامية «المعتدلة» في العالم العربي.

ويبدو من المبكر التنبؤ بنتائج الانتخابات المقبلة، غير ان جل المراقبين يرون ان فوز الإسلاميين أو سواهم بالأغلبية لن يغير كثيرا في مسار الأحداث، ذلك ان الأطراف السياسية في تونس باتت مقتنعة بأن زمن الحكم الفردي ولّى إلى غير رجعة، بل ان أغلبها بدأ يطرح اليوم تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطياف السياسة في المجلس التشريعي المقبل فضلا عن بعض منظمات المجتع المدني.

ويرى الباحث التونسي د. رياض الصيداوي ان الثورة التونسية لم تعد ثورة راديكالية اجتماعية وإنما أصبحت برعاية نخب سياسية جديدة منها حركة النهضة وحزب المؤتمر والنخب القديمة المنتمية للنظام السابق، مشيرا إلى ان أبرز حزبين سياسيين في البلاد (النهضة ونداء تونس) أكدا في وقت سابق ان أيا منهما لا يرغب بالانفراد بالحكم في حال فوزه بالأغلبية في الانتخابات.

ويضيف: ان «زعيمي الحزبين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي اتفقا في باريس منذ مدة على إنهاء الصراع المرير بينهما الذي تحول لاحقا إلى مغازلات، لكن الإشكالية المطروحة الآن هي ان المسألة الاقتصادية والاجتماعية، وهما أهم ركائز الثورة التونسية، غير مطروحتين بشكل واضح في برنامج هذين الحزبين، وهو ما يفسر ذهاب رجال الأعمال إلى الطرفين».

ويرى الصيداوي (مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف) ان حركة «النهضة» تحاول دوما تجنب السيناريو المصري عبر الابتعاد قدر الإمكان عن الانفراد بالحكم و«هذا ما يؤكده عدم تقديمها مرشحا لرئاسة الدولة، أي انها تريد الاكتفاء برئاسة الحكومة في حال نجاحها بأغلبية في الانتخابات المقبلة».

وكان الحركة طرحت في وقت سابق مبادرة «الرئيس التوافقي» التي قالت انها تهدف من خلالها التأكيد على عدم سعيها لـ»الهيمنة» على الحكم، فضلا عن ترشيد عملية الترشح للمنصب في ظل وجود كم هائل من المرشحين، غير ان هذه المبادرة لم تلق أذنا صاغية لدى بقية الأطراف السياسية بل ان البعض اعتبرها محاولة لـ «سلب حرية الناخب».

ويقول الصيداوي «الديمقراطية مبنية على الوفاق والوحدة الوطنية والتكامل ما بين الحكومة والمعارضة، وبعد معرفة نتائج الانتخابات من الممكن ان تذهب تونس إلى وفاق وطني عبر حكومة ائتلافية موسعة جدا حتى لا يحدث تمزق في النسيج السياسي الاجتماعي وصراعات كبيرة تبدد التجربة الديمقراطية التونسية.

ويرى ان تونس اليوم تقدم نموذجا للديمقراطية السلمية و«التعايش السلمي بين أحزاب سياسية متعددة خاصة وان البلاد لا تحوي تنوعا طائفيا أو عرقيا، فالأغلبية عرب ومسلمون مع وجود أقلية من اليهود والأمازيغ (وبعض المسيحيين)».

ويؤكد ان نجاح التجربة التونسية قد ينعكس إيجابا على دول الجوار وخاصة ليبيا التي يصف الوضع فيها بأنه «كارثي على جميع المستويات، أمنيا وسياسيا واقتصاديا» داعيا الليبيين إلى تقليد التجربة التونسية عبر تحكيم العقل والذهاب إلى الانتخابات وترك السلاح جانبا «لأن الديمقراطية لا يمكن ان تحدث بالسلاح».

من جهتها تؤكد الباحثة الليبية د. فاطمة الحمروش (رئيسة مبادرة الحوار الوطني الليبي) ان العلاقة بين ليبيا وتونس ومصر وثيقة جداً، و»ما يحدث في إحداها من تغييرات في سياساتها واقتصادها بدون شك تصل تداعياته وآثاره إلى الأخرى، إضافة إلى ذلك فالأعداد الهائلة من المهاجرين الليبيين في مصر وتونس تتأثر بما ينتج عن هذه التغيرات، ولا شك في أن أي نظام يقوم في هاتين الدولتين بالتحديد له تأثير مباشر على ليبيا وشعبها».

وتضيف «نلاحظ ان حزب النهضة لا يزال يسعى للحكم في تونس، كما لا تخفى على أحد العلاقة الوطيدة بينه وبين حزب العدالة والبناء في ليبيا، وكذلك علاقة السيد راشد الغنوشي بالسيد علي الصلابي، ودور الإثنين في خدمة مصالح الإخوان المسلمين في البلدين، وعليه فإنه، في حال فوز حزب النهضة في تونس، ستكون الحكومة التونسية سندا قويا للإخوان في ليبيا، ولا أتوقع الحيادية من تونس في حال فوز حزب النهضة بالحكم، وهذا أمر قد يسبب توترا في العلاقات الليبية التونسية، وغير مقبول في حال حدوثه، حيث ان العلاقات الليبية التونسية على مدى التاريخ كانت جيدة، ونأمل ان تستمر كذلك».

من جهة أخرى، يراقب الجار الغربي بقلق تجربة التحول الديمقراطي في تونس التي تربطه بها علاقات سياسية وشعبية جيدة، حيث يرى بعض المراقبين ان الاستقرار التونسي ينعكس بشكل إيجابي كبير على الوضع الأمني والاقتصادي في الجزائر.

لكن الباحث الجزائري د. حميد زناز يؤكد ان النظام الجزائري الحالي «يتخوف من نجاح التجربة الديمقراطية في تونس، وليس هناك عاقل يمكن ان يعتقد بأن من يحكمون الجزائر اليوم بطريقة تعسفية ويحتكرون القرار ويتغاضون عن الفساد من أجل البقاء في السلطة سيسرّهم ظهور نظام ديمقراطي تداولي شفاف على الحدود الشرقية لبلادهم».

ويضيف «أنا عائد من الجزائر منذ يومين ولا حديث للأغلبية (من الشارع) هناك سوى عن كرة القدم والمال والفتاوى في الأمور الهامشية ولا يهتمون كثيرا بالوضع في تونس، ما عدا أقلية اعتادت ان تبذر أموال الريع على الشواطئ التونسية بسبب صعوبة الحصول على الفيزا الأوروبية، وهي تخشى ان ينهار الوضع الأمني في تونس وتبقى مسجونة في الجزائر في فصل الصيف».

لكن زناز يشير في المقابل إلى ان الإسلاميين المعتدلين في الجزائر يتمنون فوز حركة النهضة مجددا في تونس وعودتها للحكم «ليكون ذلك رسالة قوية إلى النظام الجزائري المحذر دوما من الإسلاميين. أما المتطرفون فهم يتمنون تكرار تجربة الجزائر بمعنى فوز النهضة الكاسح وعدم تمكينها من الحكم ليتسنى لهم تكوين جبهة أصولية إرهابية موحدة».

ويضيف «الأحزاب ذات التوجه العلماني تتخوف من صعود النهضة إلى الحكم لأن ذلك قد يعيد الإسلاميين إلى الواجهة السياسية بعدما فقدوا مصداقيتهم في الجزائر بسبب الإرهاب الذي كانوا عرابيه في زمن ما، وعموما يتمنى أغلب الجزائريين فوز الإسلاميين في تونس ليحققوا في بلد بورقيبة ما لم يحققوه بشكل مطلق في بلدهم إذ لا يزالون يحلمون بدولة الشريعة».

الأمر لا يختلف كثيرا في الجار البعيد نسبيا (المغرب) الذي ينشغل مواطنوه عادة بالوضع المعيشي أكثر من اهتمامهم بما يحدث في بلد يبعد حوالي 1500 كلم عن بلادهم، لكن الأمر يبدو مختلفا بالنسبة للسياسيين والتيارات الإسلامية التي ترى ان نجاح حركة النهضة، لو حدث، فسيكون مكسبا كبيرا بالنسبة لها.

ويؤكد الباحث المغربي د. إدريس لكريني ان الرأي العام المغربي لديه أولويات داخلية أكبر (من موضوع الانتخابات التونسية أو سواها)، لكنه يشير في المقابل إلى ان السياسيين في المغرب لديهم اهتمامات كبيرة بالانتخابات التونسية لعدة اعتبارات «أولها ان لديهم مراهنة كبيرة على مسار التحول السياسي في تونس وما شهدته البلاد من توافقات تتعلق بإقرار دستور جديد وتجاوز الارتباكات السياسية، لإخراج هذا الحراك العربي من انحرافاته والصورة القاتمة التي يُراد إلحاقها به من قبل البعض عبر ربطه بالتطرف وعدم الاستقرار والصراع العرقي».

ويضيف «ثمة مراهنة أيضا على هذه الانتخابات كونها تعطي الأمل بأن هذا الحراك الشعبي أتى بتجربة واعدة في منطقة مضطربة (سياسيا وأمنيا) كذلك من حيث بناء مؤسسات حديثة تدعم الانتقال الديمقراطي وتقطع مع الاستبداد».

وحول ما إذا تكرر سيناريو 2011 وفازت حركة النهضة، يقول لكريني (مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات لدى جامعة القاضي عياض) «أعتقد ان الرهان الآن هو على الانتخابات بغض النظر عمّن سيفوز فيها، وحزب النهضة في تونس أعطى صورة مختلفة عما قدمته بعض التيارات الإسلامية في المنطقة عبر ابتعاده عن الهيمنة ودخوله في توافقات يشهد بها حتى خصومه على مستوى تبني دستور ربما تضمن الكثير من الأمور التي لم نكن نتصور ان حزبا ذا مرجعية إسلامية سيوافق عليها رغم انه كانت له الأغلبية في البرلمان التونسي».

ويضيف «فوز النهضة لن يكون مفاجئا، وفي آخر المطاف هذا مرتبط بإرادة الناخب التونسي وبطبيعة أداء النهضة في هذه المرحلة، وبالنسبة للمغرب أعتقد ان فوز النهضة سيعطي ثقة أكبر لحزب العدالة والتنمية الإسلامي (الحاكم) الذي يتقاسم مع النهضة مجموعة من المبادىء والتوجهات والمرجعيات، والنهضة بإمكانها ان تراكم تجربة ميدانية على مستوى التواصل والاحتكاك بالشأن السياسي والتواصل مع الفعاليات السياسية الأخرى رغم اختلافها معها وهذا ما نحتاجه في المنطقة العربية».

ويتابع لكريني «إلى حدود الساعة، وخصوصا مع عدم اكتمال ولاية التيارات الإسلامية التي وصلت للحكم سواء في المغرب أو تونس، ما زلنا لم نراكم تجربة يمكن ان نقيّم بها أداء التيارات الإسلامية في المنطقة العربية، وربما لو فاز النهضة سيجعلنا أمام تجربة واعدة وخصوصا أنها جاءت في مرحلة حساسة واستطاعت ان تراكم أداء مختلفا عن مناطق أخرى كما في مصر وغيرها».

القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى