لن أشارك في حملة تنظيف العاصمة!! / محمد الأمين ولد الفاضل

لا شك في أن قيام الليل هو قربة من القربات العظيمة عند الله، ولكن عندما يأتي قيام الليل من شخص يرفض أداء الصلوات الخمس فإن هذه القربة العظيمة تصبح في هذه الحالة بلا معنى وبلا فائدة وبلا أجر، بل على العكس من ذلك فإنها تتحول إلى عمل من أعمال الرياء التي يُعاقب القائم بها عقابا شديدا.

ولا شك أيضا في أن الصدقة على الفقراء والمساكين هي من أنبل الأعمال ومن أسماها ولها من الأجور الشيء الكثير، ولكن هذه الصدقة تصبح عديمة الأجر إذا ما جاءت من متصدق يرفض أداء الزكاة من ماله، بل إنها في هذه الحالة تتحول هي أيضا إلى عمل من أعمال الرياء التي تستجلب لصاحبها العقاب الشديد. إن التطوع سواء كان في العبادات أو في الأمور الأخرى هو من أنبل الأعمال ومن أسماها ومن أعظمها أجرا عند الله، ولكن شريطة أن يأتي هذا التطوع  بعد أن يكون المُتطوع  قد أدى ما كُتب عليه من فرائض وواجبات. أما أن يتقاعس المتطوع أو يتهاون في تأدية الواجب، ثم يخرج علينا بعد ذلك متطوعا، فإنه في هذه الحالة يتحول إلى شخص بائس ومتحايل يريد أن يخدع الله والناس بما يقوم به من رياء. فأن يخرج مثلا موظف حكومي مرة واحدة في عمره الوظيفي في عمل تطوعي لصالح المواطنين (تنظيف العاصمة)، وذلك في الوقت الذي يكون فيه هذا الموظف المتطوع قد عُرف بأنه لم يتورع في أي يوم من الأيام عن سرقة المواطنين، ولم يتوقف للحظة عن التلاعب بحقوقهم، ولا عن ازدرائهم كلما طرق أحدهم باب مكتبه، فأن يتطوع مثل هذا الموظف، فإننا في هذه الحالة لا نكون أمام عمل تطوعي يستحق التقدير والاحترام، وإنما نكون أمام عمل بائس لا يُراد به وجه الله، ولا وجه المواطن، وإنما يُراد به خداع الله، وخداع المواطن. فلو أن “حكومة القمامة” كان يهمها حقا أمر المواطن لما ألغت العقد مع شركة  “بيزورنو” الفرنسية من قبل إيجاد بديل مقنع وجدي لتلك الشركة  تكون له القدرة على تنظيف العاصمة  بشكل أفضل مما كانت تقوم به الشركة الفرنسية. لقد أوقفت  “حكومة القمامة” التعاقد مع الشركة الفرنسية بشكل ارتجالي، فكان من نتائج ذلك أن احتلت القمامة كل الشوارع والأماكن العامة في العاصمة، ولما اكتمل احتلال القمامة للعاصمة نواكشوط أحست عندها الحكومة بأنها قد ارتكبت خطأ جسيما بإلغائها للتعاقد مع “بيزورنو” من قبل وجود بديل لها، فما كان من هذه الحكومة للتغطية على خطئها الجسيم  إلا أن استنفرت العمال ودعتهم إلى المشاركة في حملة تطوعية لتنظيف العاصمة. فعلى “حكومة القمامة” أن تعلم بأن حملتها التطوعية لتنظيف العاصمة لن تقبل منها، ولن تثاب عليها، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن هذه الحكومة لم تقم بما كان يجب أن تقوم به لتنظيف العاصمة، ولا معنى لأي تطوع يأتي بعد تقصير بيِّن في أداء الواجب. فعن أي عمل تطوعي  يمكن أن تتحدث المجموعة الحضرية التي بذرت أموالا كثيرة، والتي ابتلعت في أشهر قليلة ما كانت تبتلعه شركة “بيزورنو” الفرنسية من أموال في عام كامل، ومع ذلك فقد كان وجه العاصمة في عهد “بيزورنو”  أكثر حُسنا ـ رغم قبحه ـ من وجهها في الأشهر التي تولت فيه المجموعة الحضرية نظافة العاصمة. لقد كان  من الأولى بالمجموعة الحضرية، ومن قبل أن تشارك في عمل تطوعي لصالح الوطن والمواطن، أن تؤدي واجبها اتجاه الوطن والمواطن، وأن ترشد أموال الشعب، وأن لا تنفقها فيما أنفقتها فيه. وعن أي عمل تطوعي يمكن أن تتحدث وزارة التعليم، والتي تفتخر بأنها شاركت مشاركة مشهودة في حملة تنظيف العاصمة؟ ألم يكن الأولى بهذه الوزارة أن تؤدي واجبها من قبل التطوع،  وأن تتفرغ لقضايا التعليم الشائكة والمعقدة من قبل المشاركة في حملة تطوعية لتنظيف العاصمة، خاصة وأن هذه الحملة كانت قد تزامنت مع الافتتاح الدراسي، والذي يتطلب في العادة جهودا استثنائية لكي يتم التغلب على المشاكل المعقدة المصاحبة له. وإذا كان لابد لهذه الوزارة من أن تتطوع، ألم يكن من الأولى بها أن تتطوع في ترميم المدراس، وفي ردم المستنقعات الموجودة بتلك المدارس، وفي حث المعلمين والأساتذة بأن يتبرعوا بحصص تقوية للتلاميذ  المنحدرين من أسر فقيرة بدلا من حث هؤلاء المعلمين والأساتذة على المشاركة في حملة لتنظيف العاصمة؟ ولو أن وزارة التعليم أدت واجبها كما ينبغي، لما كانت عاصمتنا بهذا الوجه القبيح، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن بقية الوزارات: عن  وزارة التوجيه الاسلامي، وعن وزارة الاعلام، وعن وزارة الصحة التي كان عليها أن تفرغ عمالها لمواجهة  خطر”الايبولا” بدلا من إجبارهم على المشاركة في حملة تطوعية عابرة. فلو أن المدرسة أدت واجبها في تنشئة مواطن صالح لا يقبل بأن يرمي القمامة على الشارع، ولو أن خطباء الجمعة في المساجد أدوا أدوارهم وبينوا للناس فضل إماطة الأذى عن الطريق، وخطورة رمي الأذى على طريق المسلمين، ولو أن وزارة الإعلام أدت دورها في  توعية المواطن، فلو أن تلك الوزارات أدت أدوارها لما كانت عاصمتنا بهذا الوجه القبيح الذي تظهر به اليوم ، ولما احتجنا أصلا لحملة تطوعية لتنظيفها. ونفس هذا الكلام يمكن أن نقوله عن المواطن، فلو أن المواطنين الذين شاركوا بكثرة في هذه الحملة إذا ما صدقنا ما يدعيه الاعلام الرسمي، فلو أنهم  أدوا واجبهم من قبل المشاركة في هذه الحملة لما كانت عاصمتنا بهذا الوجه القبيح الذي نشاهده اليوم. فهذه القمامة التي تحتل العاصمة نواكشوط ما هي في النهاية إلا حصيلة ما يرميه يوميا كل مواطن من أوساخ في الأمكنة العامة. فعلى المواطن الذي يرمي الأوساخ على الشوارع وفي الأماكن العامة أن يعلم بأن التطوع في إزالة تلك الأوساخ لن يقبل منه إلا إذا توقف ـ وبشكل فوري ـ عن رمي تلك الأوساخ في أماكن غير مخصصة لها. فأن يستمر المواطن لعام كامل في إلقاء القمامة في أماكن غير مخصصة لها، ثم يأتي هذا المواطن لأماكن تجمع القمامة، لساعة من نهار لكي يلتقط له الاعلام الرسمي صورة  وهو يحمل ربع أو نصف كيلوغرام من أطنان الأوساخ التي كان قد رماها خلال سنة كاملة في الأماكن الغير مخصصة لها، ثم يطلب منا بعد ذلك كله هذا  المواطن أن نمتدح ما قام به من عمل، وأن نصنفه بأنه عمل تطوعي عظيم، لا..وألف لا، فذلك لن يحصل أبدا. وقبل أن اختم هذا القال، ولأني أعلم بأن عددا من القراء سيصف هذا المقال وكاتبه بالسلبية، فقد حصل شيء من ذلك عندما كتبتُ  ذات حملة تطوعية سابقة مقالا تحت عنوان “لن أتبرع للمنتخب الوطني” ، ولأني أعلم ذلك،  فلابد أن أقول هنا بأني ما دعيت يوما لأي عمل تطوعي جاد إلا وشاركتُ فيه قدر المستطاع، ولكني مع ذلك لن أشارك في أعمال مسرحية حتى وأن ألبست بثوب تطوعي أنيق. وفيما يخص القمامة بالذات فإن كاتب هذا المقال كان قد تطوع للحكومة، ومن قبل سبع سنوات، ومن قبل التعاقد مع شركة “بيزورنو” بتقديم مقترح لتنظيف العاصمة، وما زال كاتب هذا المقال، وإلى اليوم، يعتقد بأن وجه العاصمة سيكون أكثر حسنا إن عملت الحكومة بذلك المقترح. حفظ الله موريتانيا..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى