كتاب (خارج النص) الشاعر العراقي عبد الكريم كاصد :حوار الشعر والإبداع

altهذا الكتاب : (عبد الكريم كاصد … الشاعر خارج النص ) صدر في طبعته الأولى بالمغرب قبل سنوات ؛ هو حوار مطول مع الشاعر العراقي الكبير عبد الكريم كاصد . حوار ليس كالحوارات المسلوقة في الصحافة العربية ، التي تجرى في نصف صفحة لمناقشة مفكر كبير أو شاعر كبير وتنتهي قبل أن يشرح ذلك الشاعر جملة واحدة مفيدة.

هذا الكتاب حوار طويل ومكثف عن الشعر ، والمعرفة ، والحداثة ، والفكر ، والفلسفة ، من خلال سيرة إبداعية لشاعر انخرط مبكرا في الحداثة الشعرية وساهم في التأسيس لذائقة شعرية جديدة لأكثر من أربعين عاما ، وعاصر العديد من رموز الشعرية العربية الكبار في العديد من البلدان العربية التي عاش فيها ضمن حركة المنفى لمثقفي اليسار العراقي الذين تشردوا في البلدان العربية ، وأخيرا في أوربا من أمثال شاعرنا (كاصد) والشاعر سعدي يوسف ، والشاعر مظفر النواب وغيرهم . .. وفي هذا الكتاب آراء عميقة عن الشعر ومعناه ، ورصد معرفي لصيرورة الحداثة الشعرية العربية ، وأزمة الثقافة العربية ومأزقها في نفس الوقت ، وتوصيف لضياع المعنى في الواقع الثقافي العربي ، وخضوعه لإعلام ريعي متخلف تابع لأباطرة (البترودولار) . وكذلك هناك ذكريات عن شعراء زاملهم الشاعر من أمثال شاعرنا الكبير (جيلي عبد الرحمن) في اليمن الجنوبي . كما يحفل الكتاب بنظرات ثاقبة في قضايا ترجمة الشعر الأوربي ، وموضوعة التراث والعلاقة الجدلية بين (بنوة التراث ، وتبنيه) بحسب مقولة (إدوارد سعيد) النقدية وغير ذلك من أسئلة الإبداع والحداثة .

 

والمحاوِر في هذا الكتاب هو الشاعر والمترجم المغربي عبد القادر الجموسي الذي ترجم (المهابهاراتا) ـ أوديسة الهند ـ وكتاب (الأمير) لميكيافللي و (رباعيات) لـ(ت . س . اليوت) وغيرها هذا الكتاب هو بالفعل سياحة ممتعة مع صاحب (سراباد) و(وردة البيكاجي) و(دقات لا يبلغها الضوء) الشاعر العراقي الكبير عبد الكريم كاصد الذي أنجز ترجمات عربية مرموقة لشعراء كبار مثل دواوين : (كلمات) لجاك بريفير ، و (أناباذ) لـ(سان جون بيرس) و (قصاصات) لـ(يانيس ريتسوس) وغيرها .

 

الجدير بالذكر أن الملحق الثقافي المعروف باسم (المنتدى الثقافي) لصحيفة الشرق الأوسط العدد 10466 بتاريخ 25/7/2007نشر مقالا للناقد العراقي (ياسين النصير) عن هذا الكتاب الجديد والفريد من نوعه في المكتبة العربية . ولا يشبهه في ذلك إلا كتاب (حين يقع الغريب على نفسه) الذي كان حوارا مطولا في حلقات بصحيفة الحياة اللندنية أجراه الناقد اللبناني (عبده وازن) مع الشاعر الفلسطيني الكبير (محمود درويش) …

 

إضاءة: “كن شاعرا في كل ما تفعله، مهما يكن بسيطا و قليل الشأن. كن شاعرا خارج النص قبل أن تكون شاعرا فيه. كن شاعرا في مأكلك و مشربك و سلوكك و حبك و ذهابك و إيابك و نومك. كن شاعرا على الدوام”. فرناندو بيسوا “أنا لست الشخص ذاته في كل تجربة..كل تجربة خلق لي و اكتشاف لم أفكر به من قبل. و الا ما فائدة عمل لا يبعث المتعة و الفرح… كل قصيدة هي فرح غامر..تجل لواقع جديد..لروح جديدة. الشعر فرح مطلق حتى لو كان حدادا..”. عبد الكريم كاصد مقـد مــــة سيرة الشاعر عبد الكريم كاصد: ابتدأ الشاعر العربي عبد الكريم كاصد نشر قصائده الأولى منذ أواخر ستينيات القرن العشرين المنصرم. و صدرت أولى مجموعاته الشعرية الحقائب سنة 1975، لتليها النقر على أبواب الطفولة (1978)، الشاهدة (1981)، وردة البيكاجي (1983)، نزهة الآلام (1991)، سراباد (1997)، دقات لا يبلغها الضوء (1998)، قفا نبك (2002)، و زهيريات (2005). ولد عبد الكريم كاصد في مدينة البصرة (العراق) سنة 1946. و حصل على ليسانس في الفلسفة من جامعة دمشق عام 1967، و ماجستير في الترجمة من جامعة وستمنستر بلندن1993، ثم بكالوريوس في الأدب الانجليزي من جامعة نورث لندن سنة 1995. زاول التعليم كمدرس للغة العربية و علم النفس. كما اشتغل في الصحافة كمحرر ثقافي في مجلة “الثقافة اليمنية”. غادر العراق هربا من ملاحقة السلطة له و للعديد من المثقفين العراقيين. عاش حياة ترحال و منفى أخذته عبر العديد من البلدان العربية و الأوروبية كاليمن و الجزائر وسوريا و لبنان و فرنسا و روسيا لتحط به الرحال بالمملكة المتحدة منذ أواخر التسعينات. يقيم حاليا بمدينة لندن مع طفليه زياد و سارة بعد رحيل زوجته حذام عام 2002. ترجم الشاعر العديد من الدواوين الشعرية: كلمات لجاك بريفير (1981)، أناباز لسان جون بيرس(1987)، قصاصات ليانيس ريتسوس(1987)، ثم نكهة الجبل للشاعر الياباني سانتيوكا تانيدا (2006). ألف عبد الكريم كاصد في القصة كما في المسرح حيث صدرت له المجموعة القصصية المجانين لا يتعبون (2004)، و عرضت له مسرحية شعرية بعنوان حكاية جندي في مسرح أولد فيك (Old Vic) الشهير بلندن خلال عام 2006. كما أنجز عملا تحقيقيا للأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي مصطفى عبد الله الذي عاش بمدينة القنيطرة بالمغرب. ترجمت قصائده إلى اللغات الفرنسية و الإنجليزية و الدانماركية، كما وردت سيرته في معظم أنتولوجيات الشعر العربي خصوصا في “معجم الكتاب المعاصرين” و “معجم البابطين” و”أنتولوجيا الأدب العربي المهجري المعاصر” للدكتور لطفي حداد و من قبلها “أنتولوجيا الشعر العربي” لسلمى خضراء الجيوسي. شارك في منتديات شعرية دولية بألمانيا و السويد و الدانمارك وبريطانيا. كما نشرت أعماله و ما تزال تنشر في أهم الدوريات و المجلات الأدبية والشعرية، أبرزها عربيا مجلة “الكرمل” التي يشرف عليها الشاعر العربي الكبير محمود درويش. و اعترافا بعطائه الشعري المتواصل أقيمت دورة مهرجان المربد بالعراق باسمه سنة 2006. له قيد الطبع عمل سردي رحلي موسوم باتجاه الجنوب…شمالا، و مجموعة شعرية جديدة تحت عنوان “هجاء الحجر”. هـذا الحــوار: في هذا الحوار الشامل و العميق، يفتح عبد الكريم كاصد بوابات محفله الشعري على مصراعيها ليلج بقارئه عوالم الذاكرة و الحلم و تناقضات الواقع و موقف المثقف منه. و بأريحية الشعراء المعهودة، و المفتقدة في آن، يكشف لنا عبد الكريم صنعة الشعر الخفية حتى ليجد فيه القارئ، و هو المحاور الافتراضي بامتياز، أسلوب الشاعر وطرائق اشتغاله على اللغة و المخيلة و كيفيات استلهامه للتراث الشعري الإنساني. كما يعرج الشاعر بنا إلى مختبره الفني حيث يقدم كشوفات وإفاضات مركزة لمعمارية قصائده ودواوينه وبلاغة عناوينها و رهافة صورها واستعاراتها وبلاغتها. لقد أبدى الشاعر عبد الكريم كاصد وعيا حقيقيا بحرفته و بصنعة قصيدته مؤكدا مرة أخرى على أن الشعر ليس رطانة لغوية مجوفة، و إنما هو إبداع معزز بفكر منفتح و أسلوب حياة حامل لموقف من الشعر و من العالم معا. العالم الشعري لدى عبد الكريم كاصد ليس نصا مغلقا، و إنما هو بناء مشرع على الحياة، وليس بنية مسيجة بمسوح اللغز العصي على الافتضاض، و إنما هو نص مفتوح على الحياة واللغة و الجمال و الفكر والإنسان في شرطه الوجودي الشامل. في هذا الحوار يصر الشاعر على مساءلة تجربته قبل كل شيء و محاورة غيره من الشعراء و النقاد و المثقفين حتى لا يكون خطابه مونولوغا منفردا. لذلك تراه يفتح مساحات للتأمل الذاتي و التواصل مع تجارب شعرية كبيرة في مشهدنا العربي و العالمي، كتجربة محمود درويش و أدونيس و السياب و إليوت و ممدوح عدوان و سان جون بيرس و رامبو و ريتسوس و سعدي يوسف و كاظم جهاد و إدوارد سعيد و محمد الجواهري و ناظم حكمت و مصطفى عبد الله وسوزان برنار و محمد الماغوط و عبد الوهاب البياتي والبريكان وغارسيا لوركا. طبيعة الحوار: الحوار الذي أقدمه مع الشاعر عبد الكريم كاصد ليس حوارا صحفيا يقتنص الحدث ويبتهل اللحظة السانحة. وإنما أريد له أن يكون حوار عمق عن الشعر و الفكر و الحياة. و من خصائص هذا النوع من الحوار المعمق (The Depth Interview)* انخراط المتحاورين في سيرورة مكثفة من الأخذ و العطاء و النقاش المتبادل من أجل استكناه آراء ومواقف و وجهات نظر الشاعر أو المفكر عموما. كما تكون العلاقة بين الطرفين على درجة عالية من الثقة المتبادلة بنحو يجعل فضول المحاور المتطلع يتجاوز عتبة الأسئلة الجاهزة و يشتبك مع عوالم محاوره في مسعى للنفاذ إلى عالمه الأكثر خصوصية أو مختبره الشعري، إذا جاز التعبير، لاكتشاف الشاعر داخل الإنسان و الإنسان داخل الشاعر. و من الجهة الأخرى، فإن درجة التلقي، من موقع الشاعر/المفكر، تكون على مستوى عال من التجاوب بحيث يساهم المستجوب (بفتح الواو) في دينامية العملية الحوارية بطرح أسئلة على السائل نفسه بحثا عن تدقيقات و إفاضات متسعة كنوع من المشاركة في إدارة دفة الحوار و بناء جسور التفاهم و صياغة المعنى المشترك. و الحقيقة أنني وجدت لدى الشاعر عبد الكريم كاصد من نبل إنساني و انفتاح على الوجود ما شجعني على أن أتجاسر على اقتراح إنجاز هذا الحوار رقم قصر مدة تعارفنا في مدينة المفارقات المستعصية لندن. هذا التعارف الذي ابتدأ بسيطا ليتطور و ينفتح على عوالم صداقة خصبة، إنسانية و فكرية، على قدر كبير من الرحابة و الود والعطاء. لماذا الشاعر عبد الكريم كاصد؟ لعبد الكريم كاصد شخصية عابرة للزمن. لقد واكب هذا الشاعر العراقي تجربة الشعر العربي، إبداعا و متابعة، ما ينيف على أربعة عقود من الزمن، لربما كانت هي الزمن الموضوعي لولادة أسئلة الحداثة الشعرية العربية، مما يمنحه موقعا مميزا لتقديم قراءة شاملة و عاشقة لتجربة الشعر العربي المعاصر. هذا ناهيك عن ما يتمتع به الشاعر عبد الكريم كاصد من شغف كبير بالمعرفة و حب للغات وقراءة صاغية ومتأملة للفلسفة و الأدب و علم النفس و فن الترجمة. أضف إلى ذلك رصيد الشاعر من العلاقات الإنسانية والأدبية الممتدة عبر أجيال متعاقبة و متسعة، و استعداداً تلقائياً وعنيداً للمحاورة و الإصغاء إلى الآخر و إن كان مختلفا. ما كنت أتوخاه من هذا الحوار هو الدخول إلى المختبر الشعري للشاعر و استجلاء رؤيته للعالم، ومن ثمة فتح مساحة تأمل للذات الشاعرة و مساءلة علاقاتها الجمالية مع الأمكنة و اللغة والذاكرة و الحلم و النماذج الأولى. ومن خلال كل ذلك وضع الشاعر في موقع المتأمل و الناقد لتجربته الشعرية و الحياتية على ضوء تطور أساليبه التعبيرية ومسعاه المتواصل لتجاوز الذات والبحث عن لغة أخرى، و هو ما يصطلح عليه عبد الكريم كاصد ب”نفي الشعر للشعر”. إن تحقيق كل هذه الرهانات لإنجاز حوار فكري اقتضى توفير مساحة من الزمن متسعة وقادرة على احتضان زخم الرهانات المطروحة، الأمر الذي أدى إلى عقد لقاءات متعددة مواكبة لسيرورة الحوار الرئيسي، حملتني إلى قراءة جل أعمال الشاعر و تفحص حواراته القديمة والجديدة، و كذا الاطلاع على الدراسات العديدة التي تناولت أعماله الشعرية والسردية على حد سواء.و الحقيقة أنني لم أكن أعلم أنه لكي تحاور شاعرا كبيرا من عيار عبد الكريم كاصد يجب عليك أن تقرأ لا كتبا و إنما مكتبة بكاملها.

 

نقلا عن منتديا سودانس أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى