آلمودات ونَبيرات وحرافيش/ عباس ابراهيم

  المجدُ لبلاد “القديمة” و”الجديدة” و”السطّارة” و”كنوال” حيث يضرب الشباب “النّاقة” (الشاي) بالقهقهة، وحيثُ يخصف الحصير على الأظهر المُخدّرة بشمس الصّباح فيترك بها خطوطاً حمراء في الصّباح أورثَها عليها لقاح “الشرك الأحمر” مع عرق النوّامين. وما أنعم صباح الفول مع “امبورو لحطب” والأتاي. وإذا تحصّل هذا مع أنغام “النيفارة”، الناي، الآتية من بعيد لتعطي خلفية لملحمة من “لكَطاع” فهذه بداية يومٍ مبارك. 

ولقرون ظلّت هذه صفة النعيم إلى أن انتقلَ إلى “سيزيم”. .

 

إليها هاجر الخبز والناي وتجمخت وسواعد الرِّجال وصارت حاضرة نواق الشّطْ. ويُقالُ أن المنصور بناها بألف ألف واستقدم بها الطير والبهم والشعوب من كُلِّ نوع؛ وقد أعيت بهرام وسابور ذو الأكتاف. وليس تسميتُها بـ”الميناء” غير محاولة فتح فاشلة من القوميين العرب. أما أهل المقاطعة فقد عرفوها بـ”سيزيم”. ويُقال أن المُخلّد دائماً  Le Rouge كان يطردُ من مجلسه كلّ من تلّفظ بـ”الميناء” لأنه “اخرير” أو “اشحينط” أما صاحب الطبقات فاكتفي بالقول أنّه “جنبة”. وفي سيزيم  كانت موازين القوى تتغيّرُ كلّ سبعِ دقائق. وفي تفرغ زينة، التي كانت لسيزيم ما كانته أثينا بالنسبة لسبارطة، كان يُقالُ أنّه “في سيزيم هنالك خمسة رجال أقوى من الرجل الأقوى في سيزيم”. وأثناء قول هذا سقط ملكان من ملوك سيزيم وجاء مكانَهُما آخران وحتى Le Rouge  نفسه فنى على يدِ سيزيميٍّ آخر سرعان ما فقد مكانته لصالح نجمٍ آخر.  وبرغم مكانته الأسطوريّة فإنّه لم يحافظ على صدارة الفتوة أكثر من أربعة عشر يوماً. وهو رقمٌ قياسي في سيزيم مثله مثل أغنية Beat it لمايكل جاكسون الذي أخذ الغناء على زرياب والموصلي.     وأينَ هو يعقوب رامبو؟ هل ما زال حياً؟ كان يتكلّمُ بعضلاته. وكانت تأتيه المكوس حتى من تنسويلم، بل ومن “الداية التاسعة” حيثُ عيّنَ مراسلين جوّالين ونبيرات دائمين. وكان يضع تاجاً ويلبسُ قميصاً بلا أكمام مُشحماً بالزيت كما كان يفعل دراماندران. وكان يُسيطر على ثلاثة أخماس سيزيم ويغزو تخوم تفرغ زينة ويتوغلُ في لكصر. وقد اعترفت الحكومة بترسيم الحدود معه. وقد طبّق شريعته ومنهاجه على الداخلين وعلى الخارجين. وقد مدحه مغلوب من طِلبة سينكيم بأنّ “الرعد يُسبِّحُ بحمده”. ولكنّه اعتزل كلّ ذلك الجبروت وتغنّصَ ثمّ تصوّفَ وتقشّفَ وأصبح نفّاخ إطارات “ميشلان” متواضع، ينفخُ الإطارات بالقراريط.   وأين هو عثمان ستالون، مؤسِّس “دخّل شِ”، الذي كان يُقال أنّه آخر من بقيّ من عاد وثمود. وكان يُقال أن قوّتَه من الكهرباء السحرية. وقد عُمِّمَت هذه الأيديولوجيا مع ازدهار قصص ما وراء الكون وتوّفر الكوميكس. وكانت كلّ دار “فيديو” بالمُقاطعة تدفع له عشرين أوقيّة يومياً. وكان يتنقّل يالباصات مجاناً، مقابل ضمانة الأمن الطُّرقي وعدم تكسير الباصات . وقد نصّت وثائق الشرطة أن القانون الجنائي لا يعنيه، وقد اعتبره الجيش شريكاً. ولم يكن يُلزِمه إلاّ الدستور، وفقط من الناحية النظرية. وكان عام 1997 عامه الأسوأ حيث لم يُهشِّم غير أربعمائة فك وخشم. وهو أوّل من أُطلقت عليه أوصاف ” مايچللي” و”ما يرحم” و”أبيت اللعن”. وهو أوّل من مُدِحَ بالهائية الشهيرة:   أريهي صريهي  كـــي كــرام هي كريهي مندريهي   وقد حصل على 20/20 في الأدب العربي رغم أنّه لم يكن يعرف الكتابة، بل ولم يكن مسجلاً في القسم أصلاً، ولكنّ عينه الحمراء أقنعت الأستاذ بأن ورقته البيضاء هي أحسن ما كُتِبَ في الأدب العربي. وكان طلبة “ليسى ناسيونال” يسجدون له كلّ ما مرّ من أمامِهم. ويُقال أنّه كان يطير.       وأين هو بُلّلّة الأعور؟ الذي كانت ركاب الزوايا تصطكّ كل ما مرّ أمامهم. ويُقال أن أمير الترارزة قال إنّه أحقّ بالإمارة لولا النّسب، وذلك بعد أمجاده الأسطورية في خريف 1992 عندما قدم باعتباره حاميّ حمى أهل محمد الكوريوتصدّى لجيش من لبجاويين فردّهم وحده.

 

 

 

 

وكان في يفاعتِه أعظم boulleur  في غرب إفريقيا. وكان يضرب الكرة الضربة الهائلة فيهتزّ لها قلب الشجاع فينهال عليه ويقتُله. ثمّ يأخذُ أسلابه. وقد سبّبَت ضرباته للكرة شقوقاً في حائط إيكول 2. وكانت جميع طالبات collège des jeunes filles يتقنّعن من الساعة العاشرة حتى الساعة الحادية عشرة، وقت مروره من كابيتال. وقد شكره خطيب مسجد الشرفاء في منتصف التسعينيات على مجهوداته في نشر التعفف والفضيلة والحياء.   وأينَ هو حسن حوّات، ملِك امبراطوريّة آلمودة الكبير وشيخ التبابعة السيزيميين، الذي لم يكن يعترِف بوكيل الجمهورية أو بالحدود بين الدول، والذي لم تستطع الحكومة سجنه إلا بعد تخدير “البلبستيك” الخاص به، وبمؤامرة من girlـلـه؟ ويُقال أن السفارة الأميركية استأذنته في بناء مقرِّها الجديد، لأنه مكان يدعيه أباطرة سيزيم، وقد تحاربت فيه أرماتُهم مع جيش من “ماسوهات” كان يعمل أجيراً لتفرغ زينة. وبقيّت الحرب بينهُما سجالاً. وكانت بمثابة حرب رومة وقرطاجنة. . وقد استعانت به وزارة الخارجيّة في تنظيم استقبال خوان كارلوس في 1999 وهو الوحيد الذي استطاع عبور مقبرة عرفات في الليل ويُقال أنّه تحارب فيها مع  عرمرم من الماتريكس والنينجا والجن وهزمهم. ولم يكن يحترم وزارة الصحة، وكان يشرب من بئر تن سويلم القديمة حيث انتحر ورل بعد الانتخابات الرئاسية 1990. وكان يأكل كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من الأسد.وكان أهمّ صائدٍ للحمام في عموم منطقة السّاحل والصحراء. ويُقال إنّه كان يصيد البزاة والنسور والعقبان والصقور ويأكلُهم بريشهم وبالبهار والشربات. وقد اشتغل “آنكسيراً” لوقتٍ وجيز عندما ضربت الأزمة المالية سيزيم في منتصف التسعينيات، وهو الذي تقول فيه “اشطاري”:   أرى آنكسير البيس شيمتُه الكر وما لِرُكاب البيس نهي ولا أمر     وماذا عن إيفكو العظيم، الذي لقّبه المغلوبون بـ”الإفك المبين” لأنّه خان الثورة وتعاون مع الشرطة ضد الثوار في ثورة الخبز في 1995 وكانت يصبُّ الماء المملح على ظُهور الثّوار بعد أن تسلخها الشرطة بسِّياط “آسفل” و”آمجلاد”؟ ولكنّه رغم ذلك كان مُتمرِّداً وصعلوكا صنديداً. وكان يُقال أن الصفعة الأولى نصف المعركة، أما صفعته هو فكانت كلّ المعركة. وكان غير ما واحد يمشون في الشوارع وعلى خدودِهم آثار صفعاته. وكانوا يُصابون بالصّمم الجزئي. ولم يكن يلتفت إلى أقل من عشرين فارساً؛ أما الشرطة، المعروفة في حينه بـ”اكَويرات الدشرة” فلم يكن يلتفتُ لغير ثمانين منهم. وكانوا يعتذرون عن التصدي له بأنّها أوامر جبريل سامبير شخصياً.

 

 

وكان يقف في ساحة “كرفور بي أم دي” ويقول “أنا ربُكُم الأعلى” أمام كتيبة من الدّرك الوطني، فيتظاهرون بالصّمم، رغم أنّهم حماة الجمهورية ودينها. وقد رفض افتتاح البرلمان قبل تهشيم فكِّ شرطي تطاول عليه. وقد اختفى من تاريخ سيزيم بالتّحديد يوم 9 ابريل 2003، يوم سقوط بغداد. وتقول الأسطورة أنه هاجر للعراق، وأنّه هو من أشعل بها المقاومة. وأن الجيش الجمهوري العراقي والزرقاوي والصحوات كانوا يُسبِّحون بحمده. وإلى اليوم ما زالت فرقة سيزيمية تعبده وتعتقد أنّه سيرجعُ في آخر الزّمان فيملأ الأرض عدلاً كما مُلئَت جوراً.     ومعلوماتنا عن “تامبل بدويش” باهتة. ولكنّه من رصاص مختلف. وقد حرَصَ على تغميض وطلسمة ماضيه حتى يعطي لنفسه إطلالة أسطورية. وكان يهزُّ رأسَه بغموض وإيحائية غير مفهومة عندما يدور خلاف حول أصله. أما في المجالس الأكثر خصوصيّة فإنّه كان يوحي بأنه خُلِقَ من البهار السيريلانكي وبأن لبوة أرضعته وبأن قوّته، رغمَ أنّه لم يكن يُحارِب، من عفاريت شمهاروش. ويقول الذين يعرفونه أنه نشأ في أرياف لبراكنة وكان طِفلاً ذا “تبيب” كأي طفل هنالك. ثمّ فجأة بدأ يتلقّى الإلهام الشعري، وأصبح من أهل الوزن. ومع كثرة أتباعه اشترى سروالاً ثم استغّل قدراته في النوش والتلنكَي وشُوهِد على ظهر دابة آليّة في الطريق إلى نواكشوط. وفي سيزيم نجحَ في تحويل الشعر والوزن إلى بضاعة، وقد اعتقد السيزيميون أنّه “ألبيلا”. أما هوّ فان يقول “اتمسكن إلين تتمكن”. وسرعان ما تخلّص من المُخاط، ولم يعد اسمه “محمد خنانة”.  وبدأ في تمشيط رأسه. وكانت له ذؤابه وكان جيِّد اللامة، لذا أصبح عشيقاً ثانياً وأول لمعظم girlــلات القبضايات والبلاطجة. وهكذا بدأ يمسِك بالخيوط من بعيد. وبفعل تحكمِّه في أحبال العشق استطاع تكوين جيش صغير وعدَه بالحوريّات وبالليالي الحمراء. وصار الحسن بن الصباح. وسُرعان ما قضى على قوة باعة “الوركَة لمحيلية” بأن مركز الأتاي الجيد في وكالاته. ثم بدأ في المراباة وسُرعان ما أصبح المموِّل الأساس للأرمات والفرِق. وتعدّت شهرته سيزيم بعد فوزِه بكأس نواكشوط، الذي دشّنه عمدة نواكشوط، الذي عُيِّن بعدها وزيراً أول ثمّ كنّاساً بوزارة الصيد. وبالتعاون مع الشرطة فتح مواخير وحانات في كلِّ العاصمة. وبنهاية 1990 كان يسيطر على كل “ديسكو” و”فيديو” واحتكر بثّ كأس العالم وكأس أوروبا. وكان الراعي الرسمي لفريق الدانمارك في 1992. وبدأت تأتيه البيعة من قبل القابضايات الذين كان يـdepeniـهم. وصار مرشحاً للحزب الجمهوري. وكان عمدة. ومع العهد الفضائي شوهد مراراً على الجزيرة والعربية والميادين، وفي كلِّ هذه اللقاءات لم يتوّقف عن الدفاع عن المدينة الفاضلة.

 

  وأنتم لا تعرفون شيئاً عن سيزيم. أنتم لا تعرفون حتّى عليِّن أمجتخان، الذي يُقال إنّه بعد الإنقلاب على هيدالة لم يكن معاوية يخاف من أحد غيره. وكان على قائمة أجور الحكومة، وكانت المخابرات تأخذُ منه إذناً بالعبور إلى السّبخة للتّجسُّس على خليّة من الكادحين. وقد فرض الجباية على ميناء نواكشوط، وحاصرَ وزارة العدل في أواخر الثمانينيات حتى أطلقت عملاءه، وكان له مراسلون حتى في عين بنتيلي. ويُقال إن الحسن الثاني سأل عنه ولد الطايع في قمة المغرب الغربي في 1992 وأن كارلوس تمنّى لو كان عنده ثلاثة مقاتلين من أمثاله ليقهرَ بهم أمريكا. ولم يكن يتكلّم بغير الهندية، جرياً على سنّة Le Rouge، الذي كانت آخر كلمة قالها: “زيندكَي، ميرنامLe Rouge هى”. كانت له أيام.   ولا تعرفون “الشيخ وحش”، الذي يختلف المؤرخون هل هو سيزيمي أم رجل من لكصر. ولم يكن سكناه بلكصر التحتاني غير نفي له من سيزيم بعد أن سقط بثورة شعبية قادها تحالف من جينكات وبزاة.

 

 

وكان كريم قومٍ ذّل، مع أنّ مداخيله من كرة القدم وحدها كانت كافيّة لتأمين مصاريف “الديسكو” الخاصة به. وكان ولد الرّقاد، وهو يرقص، يأمرُ المتفرجين بإفساح المكان له. ويُقال أن حسن تاف بايعه على السّمع والطاعة، وأن سيدي هيبة نقل له ولاء تنسويلم. وفي أيامه لم يكن ولد شبرنو غير “مرسول” يأتي بـ”امبورو صوص” وبـ”الكارور” أو كان يجمع له المكوس العينية على طلاب الثانوية العربية والمارة من أمام مرصة أف. وهو الذي لما قَدِم إليه أولاد العبّاس يريدون استئجاره في معركة محليّة في تفرغ زينه مقابل ألف أوقيّة رفع رأسه وقال: “إن ألف أوقيّة لا تُحركني من مجلسي، اغربوا عن وجهي”. قال هذا في أوج زمن الغلاء عندما كان سِعر العياري لا يزيد على مائتي أوقية.   وأين هي الآن عِظام سيدِ لكَرع؟ الذي كان أول نبير  nappeur رسمي. وقد جمَعَ بين اتنبي واتربي (الراب) فكان نبيراً ربيراً وكانت الحالة المدنية تكتب أن مهنته “نبير”. وكان قائداً لجميع الأجناك. لذا تحوّل اسمه إلى سيدِ مايكل. وهو من أمرَ جينكات بالجهر بالدعوة، وقد غزا تفرغ زينة بخمسين مقنعاً وعاد منها بغنائم، وقد بايعه جميع أجناك سينما الوازيز وسينما السعادة وكان يُغرِّمُ حتى دوكيرات.

 

 

وقد فرض مذهب السروال المتدّلي بالقوة وحملَ عليه حتى طلبة المحاظر. ولم يكن الإمام قادراً على إقامة الصّلاة دون إذنه. وكان أحياناً لا يأذن له

بالصلاة.

وقد استخدمته الحكومة في إبطال مهرجان المعارضة في مارس 1998.

 

ويُقال أنّه عطَسَ عطسة واحدة ففرّت المُعارضة دفعة واحدة فباع أحذيتها بـ”الوانطير” لإسكافيي وخصافيي سوق “التبتابة”. وكان الحزب الجمهوري يدفعُ له ألف أوقيّة عن سلامة كلّ خيمة طوال الحملة الانتخابية. وفقط لم يكن يضمن خيام سيزيم الجنوبية لأنها كانت في إقطاعات يعقوب رامبو وتحت رسمه. وقد طرد وفداً من الدعاة جاء لإدخاله الإسلام. وأسرعَ الدٌّعاة عن أحذيتهم وعمامة زعيمِهم، ولم يقولوا “هداك الله” إلاّ في “الوقفة التالية”.

 

      أين هم الملوك ذوي التيجان؟ وأين هو جانغو وعالي امبيصام وسيدي بيخة وابْليِّعْ بوكريِّعْ وهارون طرشة ومحمد كريك ويعقوب سانتانا ومحمد اجْمَل وإسحاق كلاي وإبراهيم صرت أمي وإسحاق الزّنفور ومحمد تاف ومولاي هيغو بوس؟   راح إللي راح.    

 

  هِـيَ الأمُـورُ كَما شاهَدتُها دُولٌ    مَـن سَـره زَمـنٌ سـاءَتهُ أَزمان       أقول قولي هذا وأستغفر الله لي لكم.    

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى