الملك المظلوم: تفاصيل ظلم ذوي القربى وأفاعي القصر وغدر المقربين وتآمر السياسيين

altلم أصدر كتابي هذا، “الحسن الثاني الملك المظلوم”، بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لوفاة الملك الحسن الثاني، لقد كانت مجرد صدفة، لرغبتي في أن يكون هذا الكتاب بين أيدي المصطافين في عطلة الصيف. وببساطة، لأني لم أكتب يوما، بالمناسبة.. ولا بأية مناسبة، وأحداث هذا الكتاب، تكشف أن كتابته بدأت منذ أكثر من عشر سنوات، فلا يمكن إدراجه أيضا – كما تصور الكثيرون – في سياق التنويه ولا التقدير، فكل فقرة فيه، تخلد لأحداث وطنية، سياسية، وتاريخية، واكبت مسيرة هذا الرجل، الذي ردد كثيرا في حياته، أنه يشبه نفسه بالملك الفرنسي، لويس الرابع عشر، الملك الفرنسي الذي ولدت في أكناف عرشه وأخطائه، الثورة الفرنسية، والذي يلتقي مع الحسن الثاني فلسفيا، في مقولته التي تطابقت مع مبررات هذا الكتاب، في حق الملك الحسن الثاني، حين خلف الملك الفرنسي في مذكراته قوله: ((كلما عينت شخصا في منصب هام، صنعت منه إنسانا متنكرا، وصنعت من مائة آخرين، أعداء غاضبين)).

ولو أحصينا عدد المتنكرين للحسن الثاني، وعدد الغاضبين عليه، لوجدنا أن السبب في تواجدهم هو الحسن الثاني نفسه.

ولقد واكبت كصحفي مسيرة هذا الرجل، منذ يوم تنصيبه ملكا، إلى يوم وفاته، مواكبة الفأر للقط، فقد كان قطبا في المراوغة، وبطلا لا يضاهى في تصيد الفرص، مثلما كنت تجاهه عنيدا متهربا من انقضاضاته الخطيرة، والمفاجئة، تشهد بذلك الحالات التي كان فيها مخلوقا لا يضاهى، في إخفاء مخططاته. والمتتبعون لمساره، يعرفون قوته الخارقة، في إخفاء الحوادث والأحداث التي يكون بطلا فيها.

وتمتعت في مواكبته بميزة الصحفي المحقق، المسجل لكل شاذة وفادة، منطلقا من ميزة الثقة في وازع الزمن.. الزمن الذي لا يرحم أحدا.. ولا يتوقف إرضاء لأحد.

وأشكر هذا الزمن، الذي أتاح لي فرصة الكشف عما كنت – مثل الصحفيين المغاربة – ممنوعا أيام الحسن الثاني من التجرؤ على الكشف عنه.

محتويات كتابي هذا، “الحسن الثاني الملك المظلوم”، سيكتشف المطلعون عليه أنها مجرد استنتاج، لإشكاليات احتارت أجيالنا – أجيال الحسن الثاني – في كشف أغوارها، وأسئلة مات الحسن الثاني، دون أن يتيح لنا – طيلة أيام حياته – فرصة الإجابة عنها. فعندما قال لنا يوما ((الملك خادم للجميع، وليس عبدا لأحد)) كان هو الذي وسم مهنة الصحافة – وكثير من الصحفيين لم يوتوه حظه من الشكر – حين قال: ((لنخرق جدار الصمت ولنقرأ الصحف)) ليس نفاقا منه، ولا مجاملة ظرفية.. فسيجد القراء من الصحفيين، تفاصيل اليوم الذي قرر فيه تخصيص مليارين، لدعم الصحف، ولما علم صعوبة قضم هذا الدعم من ميزانية الدولة، استدعى مكتب البرلمان، ونصحهم بعدم التعرض ضد هذا القرار، وسجل محضر المقابلة، أنه قال لمكتب البرلمان: أنا لا أرضى لصحفيي بلدي، أن يكونوا في الحاجة.

وهكذا فإن كل جزئية، وكل تصريح، وكل حدث، رغم خطورة الكثير منها، وقد سردتها، كانت مدعومة بالمصدر وتاريخه، وحتى شهوده في كثير من الحالات.

وليس الكتاب كله طبعا، ترديدا لتصريحات الحسن الثاني، فهو يرفل بأحداث لم تنشر من قبل، وإنما وصف الحسن الثاني، بالملك المظلوم، واقرؤوا موضوع “وظلم ذوي القربى”، تبرره أحداث تاريخية كانت تفسر قسوة الحسن الثاني، وكيف لا يكون قاسيا مع الأحزاب السياسية، وستقرؤون التفاصيل المعنونة ((الملك والسياسيون، لا إخلاص ولا هم يحزنون)) وحتى في داخل قصره ((الأفعى المسمومة في محيط الحسن الثاني)) والتعبير لواحد من أقرب المقربين إليه، ستعرفونه باسمه، بينما اللدغات التي تعرض لها الحسن الثاني داخل قصره، لم تكن من المسمومية(…) لدرجة التفاصيل الرهيبة للاجتماعات السرية بين اقطاب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، مع الجنرال أوفقير، ليلة الانقلاب الذي كان يدبر له عبر قصف الطائرة الملكية، وستقرؤون البيانات المفصلة وربما تنشر لأول مرة، حول اعتراف الحسن الثاني، شخصيا، بأن مؤامرات الجنرال أوفقير ضده كانت ثلاث مؤامرات، وليست مؤامرة 1972 وحدها.

وحتى قبل أوفقير، وأثناء مفاوضات الاستقلال، قبل رجوع محمد الخامس، بلغ الفرنسيون الملك محمد الخامس، وعائلته بموقف الأحزاب المغربية المشاركة في المفاوضات، برغبة السياسيين المغاربة جميعا في الاحتفاظ بالملك وعائلته في المنفى الاختياري، وقال قطب منهم: لا يرجع إلا بشروط.

أما بعد أوفقير، ووضع الحسن الثاني لثقته المطلقة في إدريس البصري، فإن هذا الأخير، أراد استغلال مرض الحسن الثاني، ليصبح هو الملك المختفي، بل ربما كان يفكر في تنصيب ملك آخر، وهو المخطط الذي عمل إدريس البصري لتنفيذه، بعد موت الحسن الثاني بساعات، وستقرؤون، كيف أفشل ضباط كبار هذا المخطط، ليضطروا للحجز على إدريس البصري في غرفة مقفلة بالقصر الملكي قبل طقوس بيعة محمد السادس.

ولعلها أول مرة تنشر فيها اعترافات قطب صحراوي واجه يوما مجموعة – لازال بعض أفرادها أحياء – حينما دخل هذا القطب الصحراوي عليهم وقال لهم: ما دمتم دبرتم انقلابا على الملك، فلماذا لا زلتم تحتفظون بصورته في هذا المكتب.

وبعيدا عن مخطط الساعات الأخيرة لإدريس البصري، الذي ربما كان سيسرد التفاصيل في مذكراته التي حاول نشرها قبل وفاته، بعد أن أعلن للصحف الجزائرية، تأييده لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وقال صديقه الجامعي الفرنسي، ميشيل روسي، بأنه رفض كتابة تقديم لهذه المذكرات وأرجعه لولد إدريس البصري، الذي لا يعرف أحد كيف أخفى مسودة هذه المذكرات.

بعيدا عن هذا المخطط، تجدون تفاصيل مؤامرة أخرى، سنة 1980، فضحتها زوجة ضابط كبير، عندما أعلنت بين كأسين(…) قريبا سنأخذ الحكم.

وخبايا الصراعات التي كانت تجرى حوالي الملك الحسن الثاني، بدأت منذ أيام المستشار الصديق أحمد رضى جديرة، وتكليفه لابنته بإصدار جريدة أسبوعية، نشرت في صفحتها الأولى صورة لإدريس البصري، وهو يلبس على رأسه قبعة عسكرية، ويهجم رجال إدريس البصري على المطبعة، ويضرموا النيران في العدد الأول من جريدة ابنة المستشار الملكي رضى جديرة.

وطبعا، لم يكن أحد يجرؤ، لا في الصحافة ولا في شكل فلتة أي لسان، أن ينبس ببنت شفة، عن خبايا ومبررات الصراع بين الجنرال الدليمي، رجل المخابرات المغربية بدون منازع، وبين أقوى وأخطر رجل في محيط الحسن الثاني، المسمى الحاج المديوري، ومات الجنرال الدليمي، أو لم يمت(…) في ذلك اليوم، الذي قال فيه شهود – كما ستقرؤون – أن مجموعة من مخابرات إدريس البصري، كانوا يلبسون الجلاليب في شكل فقهاء المقابر، يقرؤون حوالي القبر المخصص للدليمي، حتى لا يقترب أحد من النعش الذي لم يكن به جثمان الجنرال.

مشاهد من قصص الروايات السينمائية، انتهت بعد ذلك بخمس سنوات، بنشر الصحيفة الفرنسية “ليكسبريس” بأن المديوري نفسه، تعرض لإطلاق نار في أطراف القصر الملكي بإيفران.

أسرار وخبايا، كانت مدرجة في سياق السباق من أجل الهيمنة على النفوذ، بعد أن ظهرت على الحسن الثاني بوادر الوهن، وبعدها بوادر المرض، الحسن الثاني الذي استنجد بخدمات مدير الاستخبارات الفرنسية، لمحاولة فك الحصار المضروب عليه، لولا هروب القطب الاستخباراتي العظيم، بعد أن كتب للحسن الثاني – كما ستقرؤون – بأنه لم يستطع مواجهة هذا الصراع الرهيب، المتقد في جنبات القصر الملكي.

ومرة أخرى تتأكد ظاهرة الحظ العظيم للحسن الثاني، وقد كانت قوة خفية، تدعمه في مواجهة الأخطار التي كانت تهدده، دون أن تمنعه من القيام بدوره كنموذج للملك المصمم على تأدية الرسالة التي كان يعتقد نفسه مكلفا بتبليغها، وهو ما جعل قطبا من معارضيه محكوم عليه بالإعدام، يصرح بعد موت الحسن الثاني: لقد ظلمناه.

مصطفى العلوي

نقلا عن الأسبوع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى