في انتظار البيان الختامي

من المتوقع أن يُصدر المشاركون في “مشاورات السابع من سبتمبر” وثيقة أو تقريرا أو توصيات يوم الاثنين القادم، وفي انتظار صدور تلك الوثيقة فربما يكون من المسلي أن نستبق صدورها، وأن نحاول أن نتنبأ بالعناوين الكبرى التي ستركز عليها تلك الوثيقة أو ذلك البيان المنتظر.

ولكي نضفي على هذه المحاولة مسحة من جدية فإنه قد يكون من الضروري جدا أن نتوقف قليلا مع الأجواء والظروف التي ستصدر فيها هذه الوثيقة أو التقرير.

1 ـ لقد أصبح من الواضح جدا بأن السلطة قد فشلت تماما في تفكيك المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وبأنها لم تستطع أن تجر لمشاورتها حزبا واحدا من أحزاب المنتدى، ولا مركزية نقابية واحدة، ولا منظمة غير حكومية واحدة، ولا حتى شخصية واحدة من شخصيات المنتدى. فأن تفشل السلطة ـ وهي التي لا تتورع عن استخدام كل ما تملك من وسائل ترغيب و ترهيب ـ في اختراق كتلة سياسية كبيرة مشكلة من عدة أقطاب غير متجانسة كالمنتدى فإن ذلك لمن الأمور التي تستحق أن نتوقف عندها. وللتغطية على فشلها فقد حاولت السلطة أن تجعل من مشاركة أربعة قادة من حزب التكتل، وعمدة من تواصل، وعمدة سابق من اتحاد قوى التقدم، وكأنه اختراق كبير للمعارضة. فأن تجعل السلطة من مشاركة هؤلاء المعارضين الستة نصرا وفتحا مبينا، فإن ذلك سيبقى أقوى دليل على أن المعارضة قد أصبحت اليوم أكثر تماسكا من أي وقت مضى، وقد تكون تصرفات السلطة القائمة، وعدم وفائها بعهودها، هي من أهم الأسباب التي أدت وستؤدي مستقبلا إلى المزيد من تماسك المعارضة الموريتانية. 

2 ـ  لقد ظل وفد السلطة المفاوض يكرر دائما في لقاءاته بوفد المنتدى المفاوض بأن السلطة على استعداد كامل لفتح الإعلام الرسمي أمام المعارضة، وذلك رغم اعتقادها ـ أي السلطة ـ بأن وسائل الإعلام هذه كانت مفتوحة أمام المعارضة. لقد أثبتت الأيام الماضية بأن الإعلام الرسمي ما يزال إعلاما حكوميا خالصا، ولذلك فقد طبل كثيرا للمشاورات التي نظمتها السلطة مع نفسها، وتجاهل تماما آراء من قاطعوا تلك المشاورات. ولو كانت الضرائب التي يقتات بها الإعلام الرسمي تجبى فقط من الموالين دون المعارضين لهان الأمر، ولكن المشكلة أن تلك الضرائب تفرض على الجميع، وإن لم يكن نصيب ما يفرض منها على المعارضين أكثر، فإنه بالتأكيد لن يكون أقل، فلماذا تظل أبواب الإعلام الرسمي موصدة في وجه المعارضين؟

3 ـ  لقد جاء في وثيقة الوزير الأول الداعية للحوار بند يلتزمبالتوقف عن إقصاء الأطر ورجال الإعمال المنتمين للمعارضة، إن وجدوا. ما حدث في الأيام الماضية لا يثبت فقط بأن السلطة مستمرة بإقصاء أطر المعارضة، وإنما يثبت ما هو أخطر من ذلك، وهو أن السلطة لا تزال على استعداد لاستخدام موارد الدولة من أجل إغراء أطر المعارضة، ومن أجل إجبارهم على الانسحاب من الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها.

4 ـ  لقد جاء أيضا في وثيقة الوزير الأول بند يتعلق بحياد الإدارة، ولقد أثبتت الأيام الماضية بأن الإدارة لم تكن محايدة، وبأنها على استعداد لأن تنفق أموال الشعب الموريتاني على أنشطة سياسية خاصة بالأحزاب الموالية. إن هذه الأنشطة المنظمة حاليا في قصر المؤتمرات هي مجرد أنشطة خاصة بطيف سياسي، وكان على ذلك الطيف أن يتحمل نفقات أنشطته، وأن لا يحملها للدولة الموريتانية.

ولعل من أهم البنود التي جاءت في وثيقة الوزير الأول الداعية للحوار هو ذلك البند المتعلق بالعمل من أجل بناء الثقة بين السلطة والمعارضة. ومن الواضح بأن ما جاء في النقاط الأربعة السابقة لا يعزز من تلك الثقة، بل إنه على العكس من ذلك، فقد أتي على آخر ما تبقى من ثقة بين السلطة والمعارضة، إن كان قد تبقى شيء من ثقة بينهما. ويمكن أن نضيف إلى كل ذلك بأن إيقاف المسار السابق، والدعوة إلى حوار جديد (مشاورات السابع من سبتمبر) قد زاد هو أيضا من عدم الثقة بين السلطة والمعارضة. وفي المحصلة النهائية فإنه يمكننا القول بأن البيان أو التقرير المنتظر سيصدر في وقت قد انعدمت فيه تماما الثقة بين السلطة والمعارضة.

ويمكننا أن نقول أيضا بأن هذا التقرير أو البيان المنتظر سيصدر في ظرفية تعيش فيها بلادنا عدة أزمات، حتى وإن ظلت السلطة تنفي وجود تلك الأزمات، وإذا ما اكتفينا بالوجه السياسي  للأزمة، فإنه سيكون بإمكاننا أن نحدد ملامح ذلك الوجه من خلال النقاط التالية:

1 ـ إن ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ في وضعية غير دستورية، والثلث المتبقي سيصبح في وضع غير دستوري بعد أشهر معدودة.

2 ـ إن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، والذي يعتبر أكبر تكتل معارض يوجد بكامله ـ إذا ما استثنينا حزب “تواصل” ـ  خارج الجمعية الوطنية، وخارج المجالس البلدية.

3 ـ توجد مؤسسة للمعارضة، ولكنها في وضعية غير طبيعية ( المنتدى لا يعترف بها، حزب التحالف الشعبي لم ينخرط فيها، والسلطة لا تعترف بها عمليا، ويظهر ذلك من خلال وقف اللقاءات الدورية مع زعيمها، كما يظهر أيضا من خلال حرمانها من أي بطاقة دعوة للمشاركة في مشاورات السابع من سبتمبر، وحرمان زعيمها من المشاركة في تلك المشاورات، وذلك على الرغم من أن السلطة كانت قد دعت لتلك المشاورات مبادرة “أعطيني نشكرك”، كما سمحت لزعيم تلك المبادرة بأن يعبر عن رأيه أمام المشاركين في مشاورات السابع من سبتمبر.

4 ـ لقد قاطع المنتدى وبكل مكوناته بالإضافة إلى ثلثي المعاهدة آخر انتخابات يتم تنظيمها (انتخابات 21 يونيو الرئاسية). في حين أن المرشح الذي تم استدعاؤه لتشريع تلك الانتخابات، والذي حصل على المرتبة الثانية، قد تم سجنه من بعد ذلك، وهو لا يزال ـ حتى الآن ـ في السجن.

5 ـ لقد غابت المعارضة وبكل أطيافها عن مشاورات السابع من سبتمبر، فالمنتدى قد غاب بشكل كامل، والمعاهدة كانت شبه غائبة، وحتى حزب التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة  (حزب صار ابراهيما) فقد غاب هو أيضا. لقد غابت المعارضة، كل المعارضة، عن مشاورات السابع من سبتمبر.

ومما سبق فإنه يمكننا القول بأن التقرير أو البيان المنتظر سيصدر في أجواء وظروف حساسة، كانت قد اتسمت بانهيار كامل للثقة بين السلطة والمعارضة، وبتفاقم الأزمة السياسية، وبتمكن أكبر كتلة معارضة من أن تظهر وهي أكثر انسجاما وتماسكا.

في مثل هذه الظرفية الحساسة سيصدر البيان الختامي لمشاورات السابع من سبتمبر، وسيكون أمام السلطة أن تختار واحدا من أمرين: فإما أن تستمر في نهجها المتمثل في إقصاء المعارضة، وفي العمل على تفكيك المعارضة، وفي تجاهل الأزمات التي تتخبط فيها البلاد، وفي هذه الحالة، فإن التقرير الختامي سيشيد بمشاورات السابع من سبتمبر، وسيجعل منها نقطة انطلاق لمسار أحادي يستبعد ويقصي كل الطيف المعارض. ولا شك أن مثل هذا المسار سيزيد من تأزم الأوضاع، وسيفرض على المعارضة، وخصوصا المنتدى، بأن ينهج نهجا جديدا مع السلطة القائمة، وذلك بعد فقدان أي أمل في إمكانية تنظيم أي حوار جدي معها. لن يكون أمام المعارضة إلا العمل على تأزيم الأوضاع والتي كانت متأزمة أصلا، وقد يؤدي تمادي السلطة في السير في مسارها الأحادي، وانشغال المعارضة بتأزيم الأوضاع، إلى أن يفقد الرئيس الحالي السلطة، ومن قبل أن يكمل مأموريته الثانية، وقد يأتي فقدان السلطة بسبب انقلاب عسكري، أو بسبب ثورة، أو بسبب أي وسيلة أخرى غير دستورية، ومهما تكن تلك الوسيلة المتبعة فإنها لن تكون آمنة، وربما تؤدي بالبلد إلى منزلقات خطيرة.

أما الخيار الثاني المتاح للسلطة فهو أن تعترف السلطة بوجود أزمة، وأن تتوقف عن محاولة تفكيك المعارضة، وأن تتعامل مع هذه المعارضة بوصفها شريكا، وأن يكون البيان الختامي لمشاوراتها نقطة انطلاق لهذا النهج الجديد.

وفي هذه الحالة فإن البيان الختامي بالإضافة إلى ما سيأتي فيه من توصيات للفت الأنظار( المطالبة مثلا بحل مجلس الشيوخ) فإنه سيحاول أن يرد ضمنيا على كل النقاط التي جاءت في وثيقة الممهدات التي كان المنتدى قد بعث بها في وقت سابق إلى الحكومة، وستعمل السلطة على أن توصل  ذلك الرد إلى المنتدى، وذلك من أجل البدء في حوار جاد وحقيقي.

وبالرغم من صعوبة التنبؤ بتصرفات السلطة القائمة، إلا أن هناك جملة من الإشارات التي تم إرسالها من طرف السلطة في الأيام الماضية، قد جعلت من الاحتمال الثاني الاحتمال الأكثر توقعا، والأكثر قوة، وإذا كان لابد من المجازفة بتقديم نسبة، فإن النسبة التي سأجازف بتقديمها للاحتمال الثاني، لن تقل عن 80%.

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

                                                                                       [email protected]

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى