شمال مالي بين إرادة السيطرة والرغبة في استنزاف الخيرات / أحمد ولد الدو

altلا تتول الاستعمار فإن موالاته عداوة لله وخروج عن دينه ولا تتولوه في حرب ولا سلم فإن مصلحته في السلم قبل مصلحتكم، ومصلحته في الحرب هي أوطانكم، ولا تعاهدوه فإنه لا عهد له…وقد دلت التجارب أنهم إنما يحالفوننا ليتخذوا من أبنائنا وقودا للحرب ومن أرضنا مداد لها ومن خيرات أرضنا أزواد للقائمين بها… ثم تنتهي الحرب ونحن المغلوبون الخاسرون وعلى كل حال وقد تكررت النذر فهل من مدكر (من فتاوي الإمام محمد البشير الإبراهيمي عن موالاة الاستعمار).

-هي حرب من نوع آخر يسعى الكبار إلى إشعالها في شمال مالي منذ أكثر من سنوات بعد أن فشلت القوى الكبرى في الانتصار في أفغانستان والصومال والعراق، وتكبدت خسائر بشرية ومالية كبيرة أدت إلى تذمر شعبي أطاح بالكثير من الحكومات في فرنسا وأمريكا وأبريطاينا التي زج بأبنائها في حروب ظالمة، خارج أوطانها وقاراتها وأدت إلى موت أبنائها.

وتعود حليمة إلى عادتها! فترتفع أصوات صليبية جديدة من أجل الدعم الدولي للحرب في منطقة الساحل، وتطرح بالمقابل أصوات صادقة معبرة عن تخوفها مما سيقع في الساحل ومبهة إلى أن هذه المنطقة مقبلة على أوضاع أمنية كارثية، وكان  رئيس الجمهورية (رغم معارضتنا السياساته الداخلية)، صادقا ومعبرا عن مواقف موريتانيا من هذه الحرب الظالمة والمفروضة ورؤيته الأمنية الموفقة لمواجهة الإرهاب العابر للقارات في لقائه مع الصحافة الوطنية.

-الوضعية العسكرية على أرض الواقع : يرى المحللون للمنظومة الأمنية والعسكرية أنها تقوم على أربعة ركائز أساسية هي:

1-القوات المسلحة

2-الموارد المالية للدولة

3-القوة البشرية: التي تمثل الرأي العام الوطني الواعي بأهمية الأمن ودوره في بناء مجتمع يأمن بالاستقرار والسلم الاجتماعي.

وكلما كانت هذه العناصر متناسقة ومكتملة من حيث الأهمية كلما تمكنت الدولة من بناء منظومة دفاعية قوية.

يتبين من وضعية دول الساحل والصحراء بما فيها دول غرب إفريقيا التي تدفع جيوشها للتدخل عسكريا في شمال مالي بأنها أبعد ما تكون عن الدول القادرة، على امتلاك منظومة دفاعية قوية، إن دولا مثل مالي وموريتانيا والنيجر وبركينا فاسو، لا يتجاوز ما تنفقه مجتمعة على قواتها العسكرية وأجهزتها الأمنية 160 مليون دولار كما أن الميزانيات المخصصة لكل جيوش غرب إفريقيا بالجملة (الخمسة عشر) لا تتجاوز المليار ونصف مليار دولار سنويا – إضافة إلى المستوى التعليمي المتدني والذي لا يسمح للإطارات العسكرية الأمنية بالتحكم بالتكنلوجيا الحديثة للسلاح إلى جانب ضعف تعداد القوات العسكرية فحسب بعض الاحصاءات التي تنشرها بعض (المواقع الجزائرية) (أقل من 20.000ألف فرد بالنسبة لموريتانيا التي عززت ترسانتها العسكرية والتقنية .. و10آلاف لكل من النيجر ومالي) وافتقارها للمعدات واللوازم العسكرية – يلاحظ نقص واضح في تعداد قوات الأمن وهو ما يتناقض تماما وكبر مساحة هذه الدول وخصوصيتها الطبيعية وأضرب مثلا على ذلك دولة موريتانيا لا تتجاوز تعداد رجال الدرك الوطني بها الأربعة آلاف (4000) دركي وهذا التعداد لا يتجاوز ثلاثة آلاف فرد في مالي وأقل من ذلك بكثير في النيجر وهذا هو الوضع بالنسبة للقوات العسكرية والأمنية في منطقة حساسة معرضة للمخاطر والأزمات (الجوع – والمرض- الجهل) وتمتد طبيعيا حتى القرن الإفريقي وتتجاوز مساحتها ملايين كيلومترات مربع.

مقابل هذه الوضعية لجيوش وأجهزة ومعدات دول الساحل فإن – كتائب- الجماعات الجهادية والإرهابية تقدر حسب بعض المهتمين بالجماعات المسلحة بأكثر من ألفي فرد (حوال 700 رجل من أنصار الدين و600 تابعين للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي- وأكثر من 300 ينتمون لحركة التوحيد والجهاد وبعض المجموعات جاؤوا من افغانستان والدول العربية وحتى أوربا خصوصا (فرنسا) تبلغ ( 400 رجل) هذه المجموعات تأخذ من مساحة مالي حسب بعض المصادر الموثوقة مساحة تساوي مساحة (دولتي فرنسا واسبانيا معا) وتتخذ ميدانا لنشاطاتها وتحركاتها المنظمة في شكل مجموعات صغيرة مدربة تدريبا جيدا على حرب العصابات وبعض مجموعاتها ينشطون في منطقة الساحل منذ عدة سنوات وتربطهم علاقات تجارية وعلاقات تهريب مع السكان المحليين الطوارق وهم يعلمون ويعرفون الأرض ومتعودون على مناخها

–        التدخل العسكري والأزمة المدمرة :

–        لا شك أن الدول الكبرى الراغبة في التدخل العسكري تدرك إدراكا يقينيا أن كل تدخل أجنبي في آية قضية داخلية (كقضية مالي) لا يحل الأزمة بقدر ما يؤزمها تأزيما، والأمثلة من التاريخ القريب شاهدة على ما نقول – الجيش الأمريكي القوي بعدده وعتاده وخيله ورجله فر من ميدان الحرب أمام المجاهدين الصوماليين – نفس الجيش خلق حربا أهلية في العراق وفر تاركا العراقيين يتقاتلون بين بعضهم البعض – الجيش الآمريكي مع دول التحالف الغربي فشل فشلا ذريعا في القضاء على مجاهدي حركة طالبان والقاعدة في افغانستان، والفرنسيين انسحبوا من افغانستان يجرون أذيال الهزيمة.

–        وهذه الدول تعلم علم اليقين بأن جيوش الدول الافريقية هي جيوش ضعيفة ومهلهلة وغير مجهزة و غير مدربة على الحروب في مناطق صحراوية قاحلة ضد مجموعات إرهابية تستعمل أسلوب حرب العصابات في مواجهة الجيوش نظامية ضعيفة وغير مجهزة وتطمع في السلطة (الانقلاب العسكري ، الذي أدى إلى انفصال شمال مالي).

–         إن كل هذه الحقائق معروفة وواضحة، لدى الدول المتكبرة التي تصر على التدخل العسكري في شمال مالي، فما هي الخلفيات الحقيقية وراء رغبة هذه الدول الكبيرة لشن الحرب تحت غطاء دولي؟ وكم ستكلف هذه الحرب و من يمولها وما هي الدول المشاركة أو الداعمة؟ وما هي استراتيجية الدول الكبرى فيما يتعلق بالساحل والصحراء وكيف سيكون التدخل العسكري الذي عرضته فرنسا على مجلس الأمن؟ !!!!

حرب استنزاف لثروات المنطقة؟

إن الأمر بالنسبة للدول الكبرى خاصة فرنسا وآمريكا واضح وضوح الشمس هو أن التدخل سيكون بقوات افريقية وأن دور “الكبار” يقتصر في تقديم الدعم اللوجستيكي والتقني مما يعني أنها لن ترسل أبناءها ليموتوا في الرمال الافريقية كما ماتو في صحراء الصومال وافغانستان …

وستكتفي بجعل هذه الحرب إذا وقعت فضاءا إشهاريا لبيع الأسلحة المهربة من ليبيا وغيرها…..

إن تعداد القوات الافريقية التي يتكلمون عنها ويضعونها على “المحك” لا يتجاوز أربعة آلاف فرد يتم تجميعهم في جيوش مجموعة دول غرب افريقيا ولا شك أن “الأمي” في الاستراتيجية العسكرية يدرك بمجرد الاطلاع على ساحة منطقة العمليات والقوة المخصصة للحرب بأن فرنسا تدفع هذه القوة إلى الانتحار !

ولا يشك أن أي أحد من  القادة العسكريين للدول الكبرى المعنية بالحرب في شمال مالي أنهم لا يعرفون كل هذه الحقائق التي أوردناها، فهم جربوا الحروب في مناطق شبيهة بهذه المنطقة، وكانت النتيجة الخسارة العسكرية والمعنوية لجيوشهم، ومع ذلك فهم يفكرون ويقدرون ويصممون على الخيار العسكري ويفضلونه على كل الحلول السلمية التي دعت إليها بعض الجماعات الإسلامية ومجموعة الطوارق الماليين (للجنوح للسلم) مما يجعلنا على يقين أن دول الساحل مستهدفة كلها بشرا وثروة من خلال هذه الحرب التي لا تبقي ولا تذر.

واستهداف هذه الدول يتلخص في تحقيق مآرب عديدة :

1-       إضعاف جيوش المنطقة وإغراقها في المستنقع المالي (الشأن الداخلي لمالي) فالحرب ستتوسع وستدوم لسنوات عديدة لأن هذه الحرب متعددة الجهات والأفكار مشأنها أن تستقطب كل الباحثين عن المغامرة في العالم وكل الذين يريدون حسب تصورهم وقناعاتهم الفكرية والعقدية مجاهدة من يوصفون في أدبياتهم بالصليبيين وأتباعهم وكل من يريد الجهاد في سبيل الله ونيل الشهادة كما يقولون دفاعا عن الإسلام.

إضافة إلى أجندات معينة، أعدت لسنوات تكلمت عنها بعض المصادر، هذه الأجندات تتعلق بالمنطقة العربية والافريقية تخدم أطراف لها ارتباطات بإسرائيل وما حدث ويحدث في السودان ليس منا ببعيد.

2-       استنزاف ثروات المنطقة: لأن للحرب كلفة معتبرة يقول بعض الخبراء العسكريين أن حرب مالي في حال ما وقعت تتطلب 3600فرد ومبلغا يقدر بحوالي مليار دولار سنة 2013م ولأن الحرب ستتوسع وستؤدي إلى هجرات جماعية إلى موريتانيا والجزائر مما يخلق مخيمات اللاجئين … سبق أن لجأت مجموعات (مخيمات الطوارق الماليين في موريتانيا) .

إذا عرفنا أن الدول الأوربية تمر بأزمة اقتصادية وأمريكا منغمسة في حرب افغانستان ولأن لهذه الدول كما قلنا في ال

مقدمة ، تملك رأيا عاما وطنيا واعيا، يرفض تحمل تكاليف حرب (لا ناقة لهم فيها ولا جمل) تقع على بعد آلاف الكيلوميترات، وستدرك كل هذا ببساطة ولن تغامر بأبنائها في حرب خاسرة، وما تعدد زيارات المسؤولين الأوربيين للمنطقة واللقاء الأخير بين هولاند والرئيس عزيز والزيارات المتكررة للجزائر كلها تدخل في إطار ما قصدناه بأنه حرب بالوكالة.

وهذا رأينا المتواضع في هذه الحرب المدمرة (حرب الرمال في الساحل) وما ينتج عنها من خسائر الله أعلم بما ستؤول إليه.

اللهم جنب بلادنا القلاقل والفتن ما ظهر منها وما بطن (…) {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.

 

* العنوان الأصلي: حرب الرمال في مالي بين إرادة سيطرة “الكبار” والرغبة في استنزاف خيرات الشعوب

الكاتب الصحفي المستقل/أحمد ولد الدو الشنقيطي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى