برنامج “تلفون 52164”: تجارب ومواقف صفية بنت فتى

بمناسبة ذكرى مولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وما تمثله مناسبة عظيمة كهذه يستحضر فيها المسلمون شمائله ويتذاكرون سيرته العطرة في المحاظر والبيوت، عبر عادة مجالس وسهرات المديح، التي درج عليها جمهور المجتمع واستساغتها نخبه الدينية.

و لم تعدم هذه النخبة الدليل في التأصيل لهذه الظاهرة من الوجهة الشرعية، عن لي أن أعرض للقارئ الكريم تجربتي مع برنامج إذاعة موريتانيا الشهير أواخر تسعينات القرن الماضي”تلفون 52164″، ولسان حالي ينشد قول العلامة بدي ولد سدينا: أهلا بشهر المولد

شهر العلا والسؤدد

شهر النبي احمد شهر ربيع الأول قد خص بالربيع إذ كان كالربيع للأرض والشفيع لكل خطب معضل أهلا بشهر الفرح شهر ذهاب الترح وفخرنا والمرح شهر النبي الأفضل شهر الفلاح والسرور شهر به ساد الدهور موشح بين الشهور متوج مكلل تذكرت ذلك البرنامج وما كنت لأنساه لما أتحفنا به من معلومات وافرة حول سيرة المصطفى وخلفائه الراشدين وصحابته الكرام ، وهو ما استحثني لكتابة ذكرياتي مع برنامج لا أدري متى كنت أو أصبحت مستمعة لهه، ولكن أتذكر جيدا وأنا في تلك القرية الهادئة والوديعة و عند الساعة 11 من ليلة الخميس وفي جواري مذياع أستمع لذالك البرنامج بكل جوارحي في جو هادئ لا صوت ولا ضجيج. فلا زلت أذكر حينها أن ليلة الخميس ليست كالليالي أشتاقها وأعد الليالي تحسبا لها، وقبل هذا كانت ليلة الخميس قبل هذا البرنامج كسائر الليالي: اعد الليالي ليلة بعد ليلة وقد عشت دهرا لا أعد الليالي عندما ينتصف الأسبوع يبدأ القلب يخفق ويشتاق: وابرح ما يكون الشوق يوما إذا دنت الديار من الديار انه في الحقيقة برنامج رائع حيث يبدأ مقدم البرنامج بإنشاد قطعة شعرية رائعة أو “طلعة” من أدبنا الحساني تشرح الصدور وتلامس القلوب… بصوت ندي لتتلوها أغنية لأحد فنانينا لها دورها كذلك وغالبا ما تكون الفنانة لبابة بنت الميداح ولا أنسى تغنيها بمقطوعة ولد احمد يوره الشهيرة: أتمسك دمع العين وهو ذروف وتأمن مكر البين وهو مخوف تكلم منا البعض والبعض ساكت غداة افترقنا والوداع صنوف وآلت بنا الأحوال آخر وقفة إلى كلمات مالهن حروف حلفت يمينا لست فيها بحانث واني بعقبي الحانثين عروف لئن وقف الدمع الذي كان جاريا لثم أمور ما لهن وقوف ومما زال عالقا بذاكرتي طلعة افتتحت بها إحدى الحلقات والله يمنين اكرت الثام أم الحسن كبلت لخيام يل لمارديت التخمام افذاك ال رديت فيه يآن ما نرخيه ذا العام ولذاك العام المتوليه بعد ذلك يدخل المقدم لطرح الأسئلة المتنوعة والمفيدة والممتعة من السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والإعراب والفقه والثقافة العامة- وإنه لمن نعم الله على عبده أن يجعل متعته في المفيد وفائدته في الممتع- مع تمتع المقدم بثقافة عالية وأخلاق دمثة، تستدر مخزون المستمعين من المعلومات العامة بأسلوب يأخذ الألباب ويأسر القلوب. وكنا نحن أصدقاء البرنامج نجتمع يوم الخميس في جمعية خيرية وسط القرية ونحلل البرنامج البارحة (ما وراء الخبر) ونعلق على الأسئلة والأجوبة والمسائل الطريفة التي تقع بين المقدم والمستمعين المتصلين (التكرار المحظري). في بداية الأمر كنت أراسل البرنامج أنا وابن عمتي محمد بن المصطفي الذي أصبح الآن دكتورا متخصصا في الغدد والسكري ويسمينا مقدم البرنامج “لثنائي البريني” بعد ذلك صرنا نراسل البرنامج باسم عصر المستقبل، وظاهرة الإعصار في مجتمعنا سأكتب عنها مقالا خاصا بإذن الله. ومن المسائل التي كانت تزعجني هي الأنواء والأمطار ليلة الخميس حيث لا نسمع إلا التشويش، أما في فصل الشتاء فطول الليل وربما نمت قبل بدء البرنامج أو أثناءه واستيقظ في الصباح كمن نام عن عشاءه وسحوره إحدى ليالي رمضان وفي الصباح الباكر “أتسكك” على الجيران لكي يكرروا لي ما فاتني البارحة وكنت أحرص على نوم قيلولة الأربعاء حرصا على سماع البرنامج كاملا وربما سجلته في أشرطة. كم كان يسعدنا إذا وصلت رسالتنا إلي البرنامج بما فيها من ثناء وإعجاب بالبرنامج وكنا أسعد إذا قرأت الرسالة أو طرح بعض أسئلتها ومما أذكر أني أخذت مذياعا عرية من جارتي ليلة الخميس فقط، وفي إحدى الليالي سافرت تلك الجارة وكلما جئت لأحد الجيران أطلب عرية مذياع ردوا علي بالمثل المأثور “وقت التقزاز ما ينعراو اضروس”. أما التحول النوعي في علاقتي بالبرنامج فكان عند انتقالنا إلى العاصمة نواكشوط لإتمام الدراسة، حيث لم أرض عندئذ إلا بالاتصال على البرنامج والإجابة على تلك الأسئلة المفيدة والممتعة في نفس الوقت رغم عدم وجود هاتف في المنزل، مما جعلني ألح على أسرتي في الذهاب لمحل لنا بوسط العاصمة به هاتف، حيث أصبحت أعود للبيت في وقت متأخر بعد الواحدة صباحا، مما اضطر الوالد لإدخال خط هاتفي بالبيت ولسان حاله ينشد: خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت ان تنقري ومن ولعي بهذا البرنامج أني كنت اعتري مذياعا من الدكان الملاصق لمنزلنا وفي احدي الليالي قلت: آلو بدل السلام عليكم لا إراديا ولم أشعر إلا بعد أن أجابني صاحب الدكان نعم: “امعاك البرنامج”، وكان للبرنامج جوائز رمزية قد تكون كتابا أو بلاغا وربما كان البلاغ أبلغ ، حيث كان بريدنا السريع لإرسال الخبر السار لقرانا الواقعة وسط تلك الرمال الخلابة. ومما لا أنساه أن مدير جريدة البشرى محمد الشيخ ولد سيدي محمد آنذاك أهدى للبرنامج كتاب ألفية الحديث للحافظ العراقي فكان من نصيبي وطلبه مني أحد أهل العلم والفضل من أسرتي فامتنعت واختلقت أعذارا واهية، لا لأنه كتاب مهم ومفيد بل لان صفحته الأولى تحمل إهداء من برنامج تلفون 52164 لصديقته العزيزة صفية بنت فتى فكانت هذه العبارة ميدالية أعتز بها. ومما أذكر من طرائف البرنامج سؤالا خاصا بالنساء (ما هو الفرق بين “مار صيام” وأرز تايلاند واتصلت نساء تقول أحداهن “مار أسيام” أكثر لينا وأيسر إيداما وتضاربت الآراء بين مادح لذا وذام لذاك وفي آخر المطاف كان مار صيام هو أرز تايلاند. ومما يشجعني على أخذ جوائزي من الإذاعة هو دراستي في الثانوية الوطنية الملاصقة لها، وزياراتي للإذاعة ومعرفتي لبعض الصحافة كانت نعمة أحسد عليها لا سيما من أصدقاء وصديقات البرنامج في قريتنا الحبيبة، حيث كان من أولويات من زار العاصمة منهم زيارة الإذاعة بواسطتي والتجول في استوديوهاتها والتعرف على عمالها من صحفيين ومهندسين . ومن الطريف أني توسطت لابن خالتي الخليل بن اجدود لدخول الإذاعة وعرفته على مقدم البرنامج وهو آنذاك مصطفي عمر وأطلعه الخليل على تجربة راديو في قرية النباغية الغالية (بالوثائق والصور). ومن الجدير بالذكر أنه أصبح صحفيا بإذاعة موريتانيا فمراسلا لفضائيات عربية مهمة. ولن أترك هذه السانحة تمر دون أحيي كلا من الصحافة الكرام المثقفين الذين شاركت معهم في البرنامج ولا أنسى ولن أنسى فضلهم وهم: مصطفى عمر، عبد القادر ولد سيدي محمد، مختار محمد، تقي الله الأدهم، دده محمد الأمين السالك، مختار عبد الله، محمد ولد سيدي محمود. ومما أذكره أن المنافسة كانت شديدة بيني وبين الأخ والصديق الفقيه محمد عبد الله ولد المصطف، الذي كان يسحب البساط من تحتي أحيانا،عبر منافسة إيجابية وكم فاجأني بإجابة أسئلة كنت لها بالمرصاد وأحييه من هنا وأقول له “ليهنك العلم ونشره وفخره وذخره ولازلت تسير على ذلك النهج القويم تعمر وقتك بالتعلم والتعليم وتحوز شرفه حالا ومقالا وتفوز بثمرته حالا ومآلا وتنصح به مقالا وفعالا إن الله هو ولي ذلك والقادر عليه”. كما أحيي أصدقاء وصديقات برنامج تلفون 52164 في أنحاء وطننا الكبير الذين تعرفت على بعضهم عن طريق الصدفة بمعرفتهم لصوتي في السوق أو داخل سيارة الأجرة، وأحيانا في مناسبات اجتماعية وربما في الخارج. كما أحيي أصدقاء البرنامج المتصلين المنافسين الذين أظلني وإياهم سقف الإذاعة لاستلام الجوائز وأخص بالذكر المختار ولد اعل الكوري و محمد عبد الله ولد المصطفى وتحيي بنت المامي وأحمد ولد سيدي محمود الذي أصبح مقدما لنفس البرنامج في ثوب جديد والسائق المتقاعد وسكان قرية الغايرة.

وام

2011

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى