قمة الأمل وما تقتضيه من عمل

محمد الأمين ولد الكتابيشكل احتضان موريتانيا للقمة السابعة والعشرين للجامعة العربية ما بين 25 و26 من شهر يوليو 2016، مسؤولية جسيمة يقتضي الارتقاء إلى مستواها جاهزية كبيرة واستعدادا محكما يتمثلان، من بين أمور أخرى في:

 

–        تعبئة كل الوسائل اللوجستية الضرورية.

–        توفير الظروف الأمنية التامة والمحكمة.

–        التوفر على مصداقية كبيرة موجبة لثقة القادة العرب وكبار المدعوين، في مقدرة موريتانيا على النهوض بما يستلزمه الحدث من متطلبات واشتراطات.

–        وجود وعي عميق لدى قادة البلاد بطبيعة ما تواجهه الأمة العربية في الوقت الراهن من تحديات خطيرة وما عليها كسبه من رهانات مصيرية.

–        بلورة خطة إستراتيجية متعددة الأبعاد للتعاطي مع التحديات القائمة وكسب الرهانات المستهدفة.

–        استغلال انعقاد القمة العربية في بلادنا لإبراز موارد البلاد الفكرية والاقتصادية وما تتيحه هذه الموارد من إمكانيات للاستثمار المربح للفاعلين الاقتصاديين والثقافيين العرب، ناهيك عما قد تخوله المبادرات العربية في هذا المضمار من إشعاع فكري ونفوذ سياسي للبلدان العربية في إفريقيا السوداء، التي تعتبر بلادنا بوابتها والسبيل السالك إليها، وذلك في وقت يسعى الكيان الصهيوني جاهدا للتغلغل في القارة تمهيدا لبسط نفوذه عليها.

 

ولكي نقيّم جاهزيتنا ونستكنه أهليتنا للاضطلاع بما يلقيه الإعداد المحكم لهذا الحدث الكبير على عواتقنا من مسؤوليات، نعمد في ما يلي إلى تفحص كل عامل من العوامل المذكورة على حدة:

 

1-  تعبئة الوسائل اللوجستية

لقد جندت الدولة كل وسائلها ورصدت غلافا ماليا ضخما لتأهيل وتوسيع وتحديث البنى التحتية بالعاصمة، حيث تم توسيع وتبليط جل شوارعها وطرقاتها وقيم بإصلاح وتقوية وطلاء الأرصفة المحاذية للطرق المعبدة وزيد في عدد أعمدة الإنارة، وصير إلى استصلاح وصيانة إشارات المرور في ملتقيات الطرق. كما تم فتح مطار نواكشوط الدولي أم التونسي أمام الملاحة الجوية.

 

والعمل جار على قدم و ساق لتوسيع وتحديث وتجميل واجهة ومختلف مرافق قصر المؤتمرات الذي عززت منشآته بخيمة عملاقة ذات هندسة متغيرة، تسع كل ما تستلزمه أعمال أكبر المؤتمرات من معدات وتجهيزات ووسائل تقنية  وتنظيمية. هذا فضلا عن اتخاذ كل الترتيبات المتصلة باستقبال ونقل وإيواء كافة ضيوف البلاد وكذا تأمينهم وضمان سلامتهم وراحتهم وطمأنينتهم. وقد ترتب عما قامت و تقوم به الدولة من جهود جبارة استعدادا لتنظيم القمة، تغيّر ملحوظ لمظهر العاصمة التي بدأت تتخذ ملامح مدينة نقية عصرية جذّابة. وهذا في حد ذاته مكسب كبير ينبغي الحفاظ عليه وصيانته في المقبل من الأيام.

 

2-   توفير الظروف الأمنية الضرورية

لقد قامت السلطات الوطنية باتخاذ كل التدابير الأمنية الضرورية لصيانة أمن وسلامة وطمأنينة كل الضيوف المتوقع تواجدهم ببلادنا لحضور قمة الأمل. حيث ستتولى قواتنا المسلحة والدرك والحرس الوطني ورجال الأمن السهر على استتباب الأمن والأمان والسكينة والاطمئنان والقيام بكل ما يستوجبه ذلك من إجراءات طوال جريان أعمال القمة. وهذه مسؤوليات أثبت قوات أمننا مقدرتها التامة على الاضطلاع بها على الوجه الأكمل حتى بمعزل عن هذا الاستحقاق الهام.

 

3-   توفر البلاد على مصداقية موجبة لثقة القادة العرب

لا مراء في أن بلدنا يتمتع الآن أكثر من أي وقت مضى، بعلاقات جيدة وودية، قائمة على الاحترام المتبادل مع جل الدول العربية والإفريقية والأوروبية وغيرها، نتيجة للمقاربة الدبلوماسية السليمة التي اتبعها، ونتيجة كذلك لما برهن عليه من صلابة وحنكة ومقدرة مثيرة للإكبار والتقدير في ما يتصل بمواجهة أنشطة عصابات التهريب والاتجار بالأسلحة والمخدرات، وكذا مقارعة الحركات الإرهابية في المنطقة. فضلا عن الإدارة الحكيمة لشطط وغلواء معتنقي الفكر السلفي التكفيري في البلاد.

 

إن المقاربة العقلانية والمتعددة الأبعاد التي بلورتها موريتانيا في هذا المضمار، استرعت انتباه العديد من البلدان بما فيها الدول الغربية التي أولت هذه المقاربة المتفردة اهتماما كبيرا، ما جعل هذه البلدان تحرص على إقامة تعاون وثيق مع البلاد في مجالات مواجهة الهجرة السرية ومحاربة الحركات الإرهابية في الفضاء الساحلي المغاربي. كل هذه الاعتبارات وكل التقييمات التي كانت موريتانيا موضعا لها من قبل شركائها الأفارقة والغربيين، أكسبت البلاد مصداقية ملحوظة لم تكن لتغيب عن البلدان العربية وغيرها. وهذه المصداقية هي التي شكلت الدعامة الأساسية لثقة البلدان العربية في أهلية ومقدرة موريتانيا على احتضان القمة السابعة والعشرين للجامعة العربية وتوفير كل ما يستوجبه ذلك من ظروف مواتية وشروط ملائمة.

 

4-  وجود وعي لدى الساسة الموريتانيين بطبيعة التحديات والرهانات القائمة

يدرك الساسة الموريتانيون بجلاء ما ينطوي عليه السياق الدولي المأزوم الحالي من مخاطر بالغة التأثير على العالم العربي، كما يعون تمام الوعي جسامة التحديات التي تواجهه في الظرف الحالي والتي تمثل أساسا في:

أ‌-       النتائج الكارثية التي انجرت عن الحروب العدوانية المدمرة التي شنتها الدول الغربية المتنفذة على كل من العراق وليبيا.

ب‌-                       النوايا المبيتة لدول غربية بعينها لتقسيم العالم العربي إلى كانتونات صغيرة على أسس عرقية ودينية وطائفية، وتحويل هذه الكانتونات إلى كيانات هزيلة فاشلة لا تملك قرارها ولا تتحكم في مصائرها.

ج‌-  استفحال الإرهاب التكفيري الدموي وتناميه السرطاني في جسم الأمة العربية وفي الفضاء الإسلامي بوجه عام بتشجيع ودعم مباشر وغير مباشر من دول كبرى غربية تزعم أنها تحاربه وهي أبعد ما تكون عن ذلك.

د‌-    تمادي الكيان الصهيوني المدعوم من الغرب في ابتلاع المزيد من أراضي الشعب الفلسطيني على مرأى و مسمع من العالم الذي يتفرج على هذه المأساة دون أن يحرك ساكنا من أجل إيقافها أو الحد من عنفوانها.

هـ – التغلغل الإيراني في العالم العربي مع ما يترتب عن ذلك من حروب أهلية نتيجة لتأجيج مشاعر الطائفية المذهبية والشوفينية العرقية، حيث نجحت إيران في بث الفرقة وزرع الشقاق والتنافر والعداء بين المجموعات العرقية والدينية والطائفية والمذهبية في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن والحبل على الجرار. وقد أدى تغلغل إيران في سوريا والعراق وإخضاعهما لنفوذ ولاية الفقيه وتسخيرهما لخدمة أجندات الملالي الفرس، أدى ذلك إلى قيام شبيحة متغولة وميليشيات دموية فتاكة مؤطرة وموجهة من طرف الحرس الثوري الإيراني وتتلقى أوامرها من طهران. ولا يضاهيها في الدموية والهمجية إلا الإرهابيون التكفيريون الدواعش.

 

ولا ينحصر العمل الهدام الإيراني في سوريا والعراق ولبنان بل امتد إلى اليمن عن طريق الميليشيات الحوثية ويسعى جاهدا إلى النفاذ إلى دول الخليج العربي بدءا بمملكة البحرين وصولا إلى المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج بل وكل أقطار الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه.

 

5-   خطة إستراتيجية يمكن اعتمادها لمواجهة الأوضاع العربية القائمة

إن رفع التحديات الكبيرة التي تواجه الأمة العربية بفعل السياق الدولي المأزوم الراهن كما ذكرنا، وكسب الرهانات الحيوية التي يتحتم كسبها تحت طائلة الإرتكاس والتقهقر، يستوجبان بلورة خطة إستراتيجية متعددة الأبعاد والتجليات من شأنها أن تخلق وتعمق الوعي لدى البلدان العربية بضرورة توحيد جهودهم من أجل خدمة أهدافهم المشتركة وتعبئة كل وسائلهم وإمكانياتهم بغية الوقوف صفا واحدا في وجه الأخطار التي تستهدف أمنهم واستقرارهم وسلامة أراضيهم.

 

وهذه الخطة الإستراتيجية التي ليس من المستبعد أن تقترحها موريتانيا في صيغة أو أخرى على هذه القمة ، ينبغي أن تحدد أساليب العمل التي يجدر انتهاجها في شتى المجالات وعلى مختلف الصعد.

 

فعلى الصعيد الجيوسياسي يلزم توحيد النظرة إلى المخاطر الجسيمة التي تتهدد كيان الأمة العربية بصرف النظر عن اختلاف الأنظمة القائمة بها وصولا إلى تكامل العمل السياسي وتنسيق السياسات الخارجية وتوحيد المواقف في المحافل الدولية حيال القضايا المصيرية للأمة. كما أنه قد أضحى من الملح اليوم أكثر من أي وقت مضى، العمل على إقامة قطب عربي منسجم يرمي إلى تحقيق الندية مع القطبين الإقليميين المجاورين التركي والإيراني، ما يقتضي وضع حد نهائي للتجاذب والتدافع والمكايدة والتدابر التي تعاني منها أقطار الأمة العربية راهنيا. والتي تسبب لها الوهن وضعف التأثير في مجريات الأمور إقليميا ودوليا. هذا على المدى القصير، أما على المديين المتوسط و الطويل، فإنه بات من الضروري بلورة خطة عمل متكاملة ترمي إلى تعزيز التعاون وتنسيق الجهود مع دول ما يسمى بـ”لبريكس” الصاعدة: الصين والهند والبرازيل والمكسيك وإفريقيا الجنوبية وكوريا الجنوبية إضافة إلى ماليزيا وأندونيسيا والباكستان وغيرها من القوى الإقليمية الفاعلة.

 

وينبغي أن لا تغفل هذه الإستراتيجية توظيف التناقضات بين القطبين الكبيرين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية الذين أثبتت التجربة أن لا معول على ديمومة صداقتهما ولا على حرص أي منهما على مراعاة المصالح العليا للدول العربية.

 

و لقد آن لأوان أيضا أن تتبع السياسات الملائمة وتحشد الوسائل اللازمة لخلق مجموعات ضغط تخدم المصالح العربية في كل من الولايات المتحدة وروسيا وكبريات دول الإتحاد الأوروبي، حيث أن هذه البلدان لا صوت يعلو فيها على صوت المصالح، وكل شيء فيها قابل للمقايضة والمساومة والمزايدة في ظل ازدواجية المعايير والكيل بأكثر من مكيال السائدة فيها. إضافة إلى تكييف المواقف حسب تأرجح موازين القوى. ومن لم يفهم هذه المعطاة لم ولن يستوعب المنطق الذي يكمن خلف تصرفات الدول الغربية والعوامل المحددة لمواقفها.

 

وعلى الصعيد الاقتصادي، فقد بات من الملح إعادة النظر في الاعتماد الكامل على مصادر الطاقة الأحفورية والشروع بالسرعة المستطاعة في العمل على تطوير موارد اقتصادية موازية، من بينها الطاقات المتجددة والثروات المعدنية والزراعية والرعوية إضافة إلى تطوير اقتصاد التقانة والتواصل والاتصال والرقمنة وتطوير قطاعات الخدمات وتحفيز الاختراعات في شتى مجالات الحياة. ولا ريب أن من الوارد ومن الضروري العمل دون توان على إنشاء سوق عربية مشتركة قوامها حرية تنقل الأشخاص والبضائع والرساميل مع تسهيل وتبسيط إجراءات الاستثمار والاستقرار في كل الفضاء العربي. إذ أن من شأن ذلك أن يحول هذا الفضاء في أقصر الآجال إلى قطب اقتصادي مترامي الأطراف وكبير التنافسية يحسب له حسابه إقليميا ودوليا.

 

وعلى الصعيد الفكري والعلمي فلا مندوحة عن تكثيف وتنسيق الجهود لتوسيع نطاق محو الأمية ولرفع نسبة التمدرس سيما تمدرس البنات وكذا إعطاء أهمية خاصة لتدريس العلوم الدقيقة والتقانة والفلسفة، سعيا إلى ما يفضي إليه ذلك من إرساء لدعائم العقلانية وتقوية الحس النقدي ومراعاة المنطق في التفكير واعتماد مقاربة النسبية المنافية لليقينية الكليانية والتعصب الأعمى  الذي قد يقود إلى فكر تكفيري متغول ينتهج العنف والترويع ويتوسل الإرهاب الفكري سبيلا إلى الانتشار والذيوع والهيمنة بدعوى احتكار الحقيقة المطلقة الغير قابلة للنقاش.

 

ومن جهة أخرى يتوجب تضافر الجهود وحشد الوسائل الضرورية لتطوير تعليم عال يراعي متطلبات النمو الاقتصادي والتطور العلمي والارتقاء الحضاري. ولعل أنجع وسيلة لذلك هي العمل على إنشاء أقطاب جهوية متميزة للتعليم العالي حسب توزيع الموارد الإقتصادية داخل فضاء الوطن العربي مع إيلاء عناية فائقة للبحث العلمي الأساسي والتطبيقي مع الحرص على ربطه بما تحتاجه سوق العمل العربية من رأس مال بشري عالي التأهيل.

 

هذه في عجالة بعض ملامح خطة إستراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد قد يكون من شأن نظر قمة الأمل في كل أو بعض جوانبها أن يفضي ولو جزئيا إلى تخطي الجمود الذي تعاني منه أوضاع الأمة العربية حاليا وصولا إلى تلبية طموحات الشعوب العربية وإلى الاستجابة لتوقعاتها وتحقيقا فوق هذا وذاك لما تنيطه هذه الشعوب من آمال عريضة بهذه القمة التي أطلق عليها اسم “قمة الأمل”. وهذا الأمل الذي تنتظر تحقيقه الجماهير العربية بفارغ الصبر، لا يجمل بالقادة العرب أن يخيبوه ولا أن يخذلوا الشعوب العربية التي لم تعد تتحمل ما تعانيه بلدانها من فرقة ووهن وتبعية وهوان رغم إمكاناتها الهائلة ووسائلها الضخمة. ولا بأس في هذا المقام أن يستحضر العرب في قمة الأمل هذه، قول شاعرهم أبي الطيب المتنبي:

 

“ولم أر في عيوب الناس عيبا *** كنقص القادرين على الكمال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى