وضَرَبـُـوا موعدا في البَعْلاتيّـه!/ محمد فال ولد سيدي ميله

علمتُ، مؤخرا ومتأخرا، أن الحكيم، الطيب، الثبت، أحمد ولد سَيِّـدِي، سافر إلى جنات الخلد ليجني ثمار عمله الصالح. مَنْ أخبرني عن رحيل الفقيد أحمد، أغرقني، دون علمه، في بحر من الحزن إذ حدثني أيضا عن رحيل أخيه الكـيّس، الشهم، الوفي، محمد ولد سَيِّدِي، قبل أشهر قليلة.. أفٍّ على عالَم يتوفى فيه الأجلُ الأهلَ فلا تعلم بهم إلا بعد حين!!.

الأخوان أحمد ومحمد كانا من أهل ود أبي. عرفته معهما كل على حدة، وعرفته معهما معًا. كانوا يتوادون، يتراحمون، يتمازحون. كان إذا جالس أحدَهما سُرّ واطمأن وارتاح، وإذا افتقده تاقت نفسُه إليه وتـوَلـّـهَ وحن.

عُمْق تلك الروابط الحميمة الضاربة في طـُهر وصفاء ونـُـبْل الأسس، جعل والدنا، المرحوم ابراهيم، لا يتنفس الصعداء إلا إذا كان مع أحدهما، شأنهما في ذلك شأن صديقه الزاهد، الورع، الكفء، المرحوم محمد سيديا ولد اباه.

كان المرحوم ابراهيم يحس، مع هؤلاء الأكابر الأكارم، أنه في محيطه الحقيقي، ومع قــُـرَنائه وأعز الناس إليه.

أحمد ومحمد ومحمد سيديا كانوا آخر أصدقاء أحِمّاء من مسقط رأس والدي بين تلال مدينة الشيخ سيديّ الكبير.

اليوم، ها قد التحق الفقيدان أحمد ومحمد بالفقيدين محمد سيديا وابراهيم، لينزلوا، جميعهم، “مُنـْـزَلاً مباركاً” في رحاب “البعلاتيّه” حيث يطوي الثرى جموعَ أهلنا الفعليين من الشجرة الأنتشائية المجيدة. في تلك الدوحة الظليلة، كانوا قد ضربوا موعدا لا فكاك منه لعناق أخوي آخر باتوا، في مسيرتهم الدنيوية، أدرى الناس بما يتطلبه من زاد.

مع هذا الرزء الجلل، وما سبقه من أرزاء، ما لي إلا أن أقول متبتلا متضرعا: جادت على أضرحةٍ حَـوَتْ أجسادَهم الطاهرة دوالحُ الرحمات، وإن لله ما أعطى، وإن له ما أخذ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى