هل تصل الحرب في مالي إلى موريتانيا؟/ تحليل: عباس ابرهام‎

altفجأة لقحت حرب مالي على عجال. قبيل لقاحها كان من أشعلها هو أقل الأطراف احتمالا أن يشعلها، فقد عبرت حركة “انصار الدين” التي يتأمرها إياد غالي عن جنوح للسلام ونية في التفاوض، وذلك فيما فُهم أنه ضغط من الجزائر. غير أن الأحداث سرعان ما أخذت مداً مغايراً عندما هاجمت ميليشا أنصار الدين وسطَ مالي حيث تقع الخطوط الأمامية للقوات المالية التي خسرت شمال مالي منذ تسع أشهر لصالح الجماعات المسلحة التي تضم غالبا الجماعات الإسلامية المقاتلة والحركات القومية التحررية الطوارقية.

وبفعل انتصارها الأولي على القوات المالية وطردها من قرى الوسط كقرية بوراي ثم متابعة انتصارها حتى كانا على بعد عشرات الكيلومترات من المدينة موبتي الواقعة على بعد 700 كيلومتر من العاصمة باماكو، فإن “أنصار الدين” جرَّت معها الحركات الحركات الإسلامية المتحالفة معها وخصوصا حركة التوحيد والجهاد القوية في مناطق غاو وتمبكتو حيث استطاعت بتمويلها وحنكة قيادييها بناء تحالفات مع مجموعات السونغاي والعرب وطوارق الظل الغير مرتبطين بالحركات القومية الطارقية وحققت عقدا اجتماعيا مبنيا على تطبيق الشريعة والتحالف مع الكتل القبلية وجماعات حكماء القبائل. وهكذا استطاعت “أنصار الدين” استنفار معظم المقاتلين الإسلاميين للقيام معها بالهجوم الكبير على وسط مالي. ومع المواجهات التي بدأت عشية يوم الإثنين الماضي واحتدمت حتى الأربعاء استطاعت قوات الإسلاميين بسط الطريق إلى موبتي. وبدا أنها ستتجه إلى المدينة الإستيراتيجية لأخذها. وفي تلك الحالة كان طريقها ممهدا إلى سيغو ثم إلى باماكو، وربما ما بعد باماكو. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو لماذا هاجم الإسلاميون المسلحون وسط مالي وهم الذين يسيطرون على مناطق واسعة ومجال ترابي أكبر من فرنسا، هذا إضافة إلى عملهم الإفتراضي في مجالات عابرة لهذا في وسط مالي وشرق جنوب موريتانيا؟  لا يبدو أن الحركات الإسلامية قامت بالهجوم فقط بسبب نيتها التوسعية التي- وإن كان لا يمكن إنكارها من عدمها- إلا أنها غير مبررة في ظل سيطرة الجماعات على مساحات أكبر من قدرتها على حمايتها إضافة إلى سيطرتها على المنافذ المهمة لاقتصادها المعتمد على الاختطاف والتهريب. وصحيح أن “فتح” وسط مالي كان سيفتح آفاقا للحركات الجهادية خصوصا في خطف سياح وربط شبكات التهريب في عمق إفريقيا إضافة إلى أنه قد يفتح مجالا لتهريب السيارات وشحنها (تشير عدة تقارير إلى انتعاش تجارة السيارات المهربة مع القاعدة ومقاتلي الصحراء). رغم هذا إلا أن خطوات التيار الإسلامي تبدو مُحّفَّزةً بعوامل دفاعية أكثر مما هي هجومية. فلا شك أن حركة أناصر الدين توصلت بأنباء توافد القوات الفرنسية إلى مالي قبيل أيام من هجومها على الوسط إضافة إلى تداول الأنباء عن تجهيز قوات الإيكواس. وقد تصادفت هذه الأنباء مع تصلب في الموقف المالي الذي كان منفتحا على المفاوضات إضافة إلى تصلب تصريحات قادة الإيكواس في ليبريا وساحل العاج والسنغال ضد وجود القوات الإسلامية في شمال مالي. إضافة إلى هذا فإن القوات الإسلامية التي خبرت لذات السيطرة على شمال مالي من خلال تزايد عوائد الإختطاف التي حققتها أرادت إبقاء وضعيتها كقوات مسيطرة على الأرض وإن في إطار فيدرالية مالية كما اقترحت أنصار الدين من خلال إعلانها رفض الإنفصال وتسبثها بتطبيق الشريعة.  وقد قامت هذه الحركة بالهجوم على وسط مالي بعيد فشل المفاوضات التي كان يرعاها الرئيس البوركينابي، ابليز كومباورى، من أجل إرغام الحكومة المالية، التي تقع في وضع هش عسكريا واقتصاديا، على التوقيع على الأمر الواقع والاعتراف بالإسلاميين كقوة سلام وأمن في شمال مالي. غير أن الهجوم أعطى نتائج عكسية خصوصا أن الخطاب الإسلامي المعلن كان يعطي تصريحات بأنه يحارب “الطواغيت” (تصريحات اسنادة ولد بوعمامة الناطق باسم “أنصار الدين”). وقد أدت مخاوف الفرنسيين إلى انهيار الدولة المالية أمام الهجوم المالي إلى إنزال سريع وقيادة هجوم مضاد لدحر الإسلاميين إلى الوراء. ولقحت حرب مالي. السؤال الآن هو: ماهي انعكاسات الحرب على موريتانيا؟ إن كل شيئ يتوقف على حجم الهجوم الذي تقوده فرنسا. ومن المهم الإشارة إلى أنه هجوم تمتع بدعم دولي قوي فقد عبرت الخارجية البريطانية (وإن بطريقة غير رسمية، وهي تعبير وزير الخارجية  ويليام هايغ على حسابه في التويتر) عن تأييدها لجهود فرنسا. أما البيت الأبيض فقد عبر من خلال تصريح للناطق باسم مجلس الأمن، تومي فيتور، أنه “يشترك مع فرنسا أهدافها”، كما دعم الإتحاد الإفريقي من خلال رئيسه توماس بوني يايي، رئيس البنين، الهجوم معبرا عن شكره لفرنسا على تدخلها لإنقاذ غرب إفريقيا من  “الوضعية المتقلقة”. أما في ما يتعلق بالبيت الداخلي الفرنسي فقد عبرت كل الأطياف السياسية عن دعمها لمجهودات فرانسوا هولاند لاسترداد وحدة مالي. فقد اتفق زعيما الاتحاد منأجل حركة شعبية، الحزب الرئيس المعارض، وهما فرانسوا فيون وجان فرانسوا كوبى، إضافة إلى بقية زعماء الأحزاب المهمة كفرانسوا بايرو و جان لويس بورلو عن دعمهم للتدخل الفرنسي. يعني هذا أن موضوع الحرب لن يطرح ضغوطا سياسية على فرنسا، مالم تتعرض لخسائر كبيرة. وبفعل هذا فإن الشروط السياسية لحرب شاملة في شمال مالي تبدو جاهزة. وما ينقص من هذه الشروط هو تلكؤ القوات الإفريقية، التي وإن استعدت للحرب ودعت للتجييش لها إلا أنها مازالت تقدم رجلا وتؤخر أخرى. وقد سارعت السنغال إلى نفي وجود قوات لها في مالي في رد على أنباء في هذا الإطار. ونفس الشيئ فيما يتعلق بالينين التي دعن للتدخل مع تأكيدها أنها لن تحارب. أما بوركينافاسو فتؤكد على مبادرات حوارية. رغم هذا فإن الحسن واتارا في ساحا العاج يتحمس للحرب ويشجع على بعث إنفاذ قوات الإيكواس في أقرب وقت. كما يبدو أن الموقف الموريتاني أصبح أكثر إيجابية  في شأن التدخل من السابق، فقد صرح رئيس الوزراء المالي بعيد زيارته للرئيس محمد ولد عبد العزيز أن موريتانيا ستبذل جهودا لمساعدة مالي. كما عبر رئيس الوزراء الموريتاني عن أن بلاده ستبذل كل ما في وسعها للمحافظة على وحدة وسلامة الحوزة الترابية المالية. ويبدو الدور الموريتاني مهما لفرنسا لعدة أسباب منها أن تدخل موريتانيا قد ينفي التأويل العنصري عن الحرب ضد المقاتلين العرب وذلك عندما تشارك “دولة ذات أغلبية عربية” فيها، هذا طبعا إضافة إلى خبرة الجيش الموريتاني الذي هو بالنهاية جيش صحراوي خاض حربا في الصحراس ويقوم بمعطم مناوراته وتدريباته في الصحراء بعكس جيوش السافانا التابعة للإكواس التي لم تتدرب على حرب الكثبان.   ومن جهة أخرى فإن المصادر الإعلامية الموريتانية، التي يحقق بعضها سبقا مهما في تغطية الحرب في شمال مالي، ذكرت أن القاعدة في المغرب الإسلامي قامت ببناء تحصينات في غابة واغادو التي أصبحت مجالا حائلا بين القاعدة وموريتانيا، وذلك في توقع لهجوم موريتاني.   إذن، يبدو أن تطور الحرب من وسط مالي إلى شمالها، ومن شمالها إلى النطاق الموريتاني يتحدد بمدى تشعب الحرب وحجم التدخل الفرنسي، وأيضا بمستوى تحركات الحركات الإسلامية القريبة من المجال الموريتاني والتي قد توسع مجال مناوراتها في إطار الكر والفر عندما تصل الحرب إلى شمال مالي. والعامل الآخر هو مدى نية الحكومة الموريتانية تنفيذ تعهداتها بحماية “الوحدة الترابية المالية” ومدى حجم نيتها “مساعدة مالي”. إلى حد الآن فإن كل خطوة تتحدد  بحجم المناورة المالية المدعومة فرنسيا: هل هي ضربة لوقف الإسلاميين عند حدهم قبل الهجوم الكبير الذي كان مبرمجا في سبتمبر القادم؟ أم أنه الهجوم وقد بدأ؟

تقدمي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى