لنوقف استهداف الكتب والمكتبات

alt

في تاريخ المنطقة الحديث ظلت الكتب كنوزا يعتز بهم النبلاء ، يدفعون كل ثمين من اجل اغتنائها ، زخرت مكتبات في الصحراء الكبرى ،ولمعت أسماء في عالم التأليف والبحث والتدقيق ، فجمعت مكتبات عبر قرون كانت حصيلة تلك الجهود الجماعية ، منها المستورد من حواضر الإسلام المفقودة في الكثير منها ، والموجودة في مكتباتنا الصحراوية، ومنها ما هو إنتاج محلي نعتز به.

في سالف الدهور كان الأسلاف رغم شظف العيش ينعمون بحرية التجوال في هذا الفضاء الواسع يستفيدون ويفيدون ،ثم دالت دول، وتغيرت بعض المسارات، وفرضت سنن التطور أنماطا حضرية جديدة وفرت الكتاب ، وانتشرت المكتبات ، وخفت الرحلات الباحثة عن كتب نادرة غير متيسرة ، وانتشر الوعي بأهمية الكتاب فشهدت المنطقة إقبالا عليه غير معهود ، فنهل الجل من معين لا ينضب كان القلة وحدهم المهتمون به، فشرقنا وغربنا ونهلنا جميعا مما عند الأمم وساهمنا بما عندنا، وما أضاف أسلافنا فرفع ذكرنا في الكثير من الأصقاع، وظللنا نعتقد أننا متميزون بسبب احترامنا لمميزنا ” الكتاب” .

مع ما تشهد منطقتنا في الوقت الحالي من تطورات خارجة عن السيطرة والمعقول، برزت صفحة جديد مفاجئة وغريب ، ففي عصر النور والفكر ساء تصرف البعض منا ، وكشف عن حساسية مفرطة ضد الكتاب ، شخصية عامة بمرجعية من المفروض أن تحث على الاهتمام بالكتاب ، وفي فورة انفعالية وتحت قبة البرلمان الذي اختاره جل الموريتانيون كي يكون أعضائه نخبة مختارة لتمثيلهم إذا بأحدهم يمزق كتابا مفاخرا وكأن فعله المتخلف إنجازا!!، بعد ذلك أحرق آخرون كتبا، لأن بها أفكارا غير راضين عنها!! ، أعمال جد متخلفة، ومقززة ، لم يدركوا على ما يبدو أن الكتاب عمل فكري، تتفق او تختلف مع مضمونه ، حرقه وتمزيقه لن يغير شيء بقدر ما يظهر الفاعل كشخص خارج الزمن، أي كتاب يحمل فكرة قد تهمني، أو تهم غيري ، إن لم ارض عنها فليكن ردي بفكرة تبين خطأها أو تثري النقاش أو تفيد المجتمع.

في موجة “الكراهية” ضد الكتب هذه جاءتنا القاصمة عند ما أقدم واهمون على إحراق مكتبة كانت تمثل مفخرة لساكنة الصحراء الكبرى ،(مكتبة تمبكتو) بها نوادر أحمد باب التمبكتي ، وعصارة فيوضات الشيخ سيدي المختار الكنتي ، بها ما جمع أعلام الصحراء الكبرى التي كان المخالف في الملة احرص عليها من واهمين يعتقدون أنهم على الملة السمحاء التي فتحت خزائن أهل الشرك ، ولم تحرق كتابا، ولم تهدم قبرا لمشرك حري بهم أن يقولوا إنهم يخشون أن يعبد ، أيام كان السابقون الأولون من أصحاب الصحبة “الشرعية” هم أولو الأمر ، وليس أحفاد أرستقراطيات الوثنية الذين انقلبوا على الطريقة السمحاء ، فآزرهم مجموعة من المعاقين فكريا ، فتأصلت في حضارتنا ثقافة الكراهية البينية وقمع لأخر بمقولات ليست مما نُزل على محمد ولا من سلوك السابقين إلى دعوته،فأصبحت مقولات مخالفة للعقل السليم المُحَارب منذ قرون سيوف مسلطة على الرقاب، ومعاول هدم الحضارة هي رمز التدين والذب عن الشريعة الغراء!! ، فأهرامات الجيزة ، وتماثيل بوذا ، ومعابد زرادتش تركت شاهدة على تسامح هذه الملة ، واحترامها لكتب ومقابر علماء الأمم الأخرى.

حري بنا أن ننتبه لمخاطر حرقة المكتبات ،ليس في صفوف الواهمين من غلاة أعداء الفكر والعقل منذ العهد المتوكلي بمقولاتهم إلى غلاة العهد الوهابي المعاصر بدعاتهم، ليس عند هؤلاء فحسب بل في نفوس السياسيين المناهضين للكتب التي لا يرضون عن محتوياته فلو كان كل متغلب يحرق المكتبات التي لا ترضيه لانتهى الإبداع البشري ، فطفل شاهد برلمانيا وتحت قبة البرلمان يمزق كتابا، أو شاهد ناشطا “حقوقيا” يحرق مكتبة لن يأسف وهو يشاهد غلاة يحرقون مكتبة تمبكتو بعد أن صبوا جام غضبهم على قبور مؤلفيها فهدموها إتباعا لأهوائهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، في قمة تزكيتهم لنفوسهم ،حيث لم يسأل أحدهم نفسه عن أيهم أكثر نفعا على الإسلام؟ صاحب القبر المهدوم أم الهادم الذي يعادي الحضارة، ليتوقف استهداف الكتب والمكتبات.

سيدي محمد بن جعفر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى