حقائق وكواليس: تحليل سياسي

الزمان انفو –

محمد محمود ولد بكار –

 
تفيد معلومات خاصة أنه يتم التحضير لطبخة من داخل البرلمان يعمل عليها النائب ولد الخرشي بمساعدة لاعبين من خارج البرلمان بعضهم من داخل مؤسسة الرئاسة ورجال أعمال من صناعة الأمن وشخصيات أخرى لتعديل للدستور دون أن يتم الكشف حالا عن المواد، الجزئية والشاملة، المستهدفة مِن هذه التعديلات. 
ويـرجح أن يتعلق الأمر بكتابة دستور جديد، ورمي الأقفال خارج الصيغة الجديدة، وبناء جمهورية ثالثة كانت قد تمت المطالبة بها من قَبْلُ من طرف سيدي محمد ولد محم وبعض أطر الحزب الحاكم، وبالتالي رفع الحرج عن عزيز. وقد ظهر خلال الأسبوع الماضي رئيس الغرفة التجارية الوطنية المعروف بلحمته بعزيز وسط “فيضة” بين الأهالي والأقارب في محاولة الانضمام إلى مهرجانات المطالبة بمأمورية ثالثة باسم أهل إينشيري في تأصيل ذكي لتجاوز مأزق المأمورية، بل من باب أولى إعادة كتابة الدستور، وهو حتما “لا ينطق إلا عن هوى عزيز أو يتنسم هواه”، بل وهوى الأسرة الحاكمة بالمفهوم الاجتماعي ومفهوم السيطرة على الأعمال لمدة أطول. وربما يستهدف مس التعديل مواد بعينها وإلغاء مرطب عام على الساحة في صيغة صفقة متعددة الجوانب منها فتح الفرصة لشخصيات وازنة وطموحة للسلطة والتعاطي مع بعض التطلعات الاجتماعية والسياسية: أي تغيير النظام إلى نظام برلماني ورفع سقف سن الترشح للحصول على مخرج طارئ يعيد التوترات الاجتماعبة إلى مربعها بعد الاختناق الحاصل من الخطاب العنصري وكوابيس التطاحن من خلال دفع قضية لحراطين في الرهانات الرئاسية بصفة جدية، بل هي أساس توازنات المرحلة القادمة وإدخالها في السبات حتى تنتهي الانتخابات الرئاسية وذلك باختيار رئيس ابروتوكولي يملك شرعية تاريخية ومقاربة متوازنة وسلمية ترضي أغلبية الشعب الموريتاني مثل الرئيس مسعود ولد بلخير الذي يمسك عصاه من النصف، ويحصل عزيز -على نحو ما- على ما يريد: البقاء داخل المشهد إما كوزير أول أو رئيس حزب حاكم يملك 85%من نواب البرلمان أي بسيطرته على السلطتين التشريعية والتنفيذية على نحو مريح. ويعيق هذا التفكير أصلا امران: 
 أولهما تَجَبّر عزيز الطارئ الذي بدأ معه عندما صار رئيسا والمتمثل في رفضه أن يكون في أي رتبة يشعر فيها بأنه مسؤول ثان أو مسؤول أمام أي ّ أحد، وهو شعور تضخم لديه بعد عشر سنوات من اليد العليا المطلوقة التي لا يشق غبار لأمرها ونهيها، 
 وثانيهما شخصية مسعود القوية التي تتطلب شراكة مرنة غير متوفرة لدى عزيز رغم علاقتهما التي يشوبها التوتر باستمرار، لكن مقتضيات سوء الوضع أكبر من ذلك بكثير خاصة عندما يدعو الوضع للقلق أو عندما يختلف الأصدقاء أو يدخل، بجدية، لاعبون جدد أوسع تأثيرا على صاحب القرار نفسه. 
هذه الافتراضات التي طُرِحت منذ بعض الوقت، عبر خليط من تفكير نخبوي هادئ، تم الإقلاع عنها نهائيا بسبب تردد عزيز ومزاجيته الحادة وسكوته إزاء موجة الدعوة لمأمورية ثالثة من لدن وزراء وظيفيين (أمام البرلمان حينها) وببغاوات هامشية عديدة، ليعود التكهن بها مجددا في غياب أي معلومات حقيقية عن مآلات الوضع السياسي من طرف بعض الأوساط كخيار ضمن خيارات صعبة تواجه البلد بصفة أساسية، وعزيز على نحو ثابت وعميق من جهة أخرى. ولكن عزيز يراوغ للبقاء في السلطة لأسباب يحتفظ بها لنفسه أي أنه لا يبوح بها لأي مخلوق لكنها تؤرقه دائما وتجذبه من عمقه للوراء، وهي جلية على كل حال: كيفية التستر على عشر سنوات عرفت أسوأ أنواع سوء الحكامة التي شهدها البلد منذ الاستقلال إلى اليوم، بمعنى ظلم الأفراد والمجموعات والنهب، وتزداد وقاحتها عندما تكون تحت يافطة شعار محاربة الفساد، مع تجريم المعارضين ووصفهم بغير الوطنيين من جهة، والإصرار على رميِ العدو اللدود الشرس محمد ولد بوعماتو -على نحو صارم- خارج اللعبة وخارج أي دور مستقبلي في البلد. 
ويسعى عزيز، بجهود حثيثة وقوية وغامضة، في ذلك الصدد للبقاء في السلطة أو في ميكانيزماتها بكل الاحتمالات حتى يضمن حماية أكيدة لنفسه في المستقبل بصفة تجعل القرار المهم، المتعلق بمصيره، لا يفلت من يده، بالنسبة للسبب الأول، وإبقاء عدوه محاصرا في ضوء الهدف الثاني حيث يتَّبع حملة مقاضاة شرسة ضد بوعماتو في ست دول، وقد تقدم محاميه بإجراءات قوية منها مذكرة توقيف دولية جديدة ضده وملفات متابعات قضائية في عدة بلدان أجنبية وعربية، وقد كانت المغرب -في ضوء النتائج الإيجابية لهذه الحملة- أول من وجه تهمة قوية لولد بوعماتو متخذة إجراءات متلاحقة بسرعة فائقة فحرمته من الدخول إلى أراضيها قبل حكم القاضي بسبب ما أسمته “تزوير ولد بوعماتو لمستندات ثبوتية مغربية باسم عزيز وأسرته، ونشرها على الانترنت”، مما أدى إلى فوران عزيز من تلك “التسريبات” أو “التلفيقات” بما تحمله من طعن في صدق علاقاته الخاصة بالجزائر والبوليزاريو وكأنه صديق خفي أيضا للمغرب، وهو أمر حساس بالنسبة للديبلوماسية ولشرفه حتى، الأمر الذي تعامل معه المغرب على نحو ملفت وصارم حسب محامي بوعماتو. وقد كان المغرب، قبل ذلك، رفض الدخول في ذلك الملف المتشعب والتعامل بالطريقة التي ترضي عزيز وهو “رئيس طويل المدة وكامل السلطة”. وتُرجِف بعض الأوساط أو تثير بأن تلك الوثائق التي رفضت المغرب الاعتراف بها قد تكون ضمن مسروقات من منتجع عزيز – تهويلا لكثرة ممتلكاته – في بنشاب الذي لم يبتهج له أبناء عمومته كثيرا بل الذين انضموا لمعارضته حاليا أو على الأقل الغاضبون من تصرفاته السياسية تجاههم. وقد تمت سرقة تلك المقتنيات ضمن عملية سطو أو عملية “صديقة” استهدفت حواسيب ومستندات، حسب كثير من الشائعات، قد يكون من ضمنها أشياء لم يشأ أصحابها إفشاءها لحد الآن وتبقى محل إثارة كبيرة. تعامل المغرب بهذا الحجم من الأهمية التي لا تخلو من مبالغة مع ملف شكلي لمصلحة رئيس على مسافة ٨ أشهر من مغادرة الحكم ، ظل يناصبها التوتر على مدي مأموريتين – هي عمره الدستوري – عمل مثير وغير سيّء على الإطلاق !. لا يعني أهمية قرار المغرب لمصلحة عزيز أنها هدية وداع، لكنها أيضا ليست تدخلا في شأن داخلي، لكن فيما سبق كان الحسن الثاني ذكر للمختار ولد داداه الانقلاب الذي يُحضّر ضده قبل وقوعه . فهل أن هذا الموقف استشرافي ويحمل عربون إصلاح علاقة المستقبل مع رئيس قوي وباق على نحو صارت المغرب على علم به وتدرك أهمية تصحيح الخطأ معه ؟ أم هو مقابل شيء ما ، مازال بمقدور عزيز القيام به خلال الأشهر المتبقية من حكمه ؟! وبعيدا عن الفذلكات الفكرية يعود سبب افتراضية هذا الطرح (أي تعديل الدستور في جو مشحون بالبحث عن الحقيقة نحو تغير النظام من رئاسي إلى برلماني) إلى أربعة أسباب: أولها صعوبة الحصول على مأمورية ثالثة وما يعتريها من مخاطر، وثانيها حرص عزيز على البقاء في إحدى دوائر السلطة مشاركا في التسيير اليومي للبلد وإن كان في وضع ابروتوكولي أقل، ثالثهما أن المجموعة اللصيقة بعزيز لأسباب خاصة ترى فيه أقل الضررين: عدم ذهاب عزيز نهائيا وعدم مجيء غزواني نهائيا أي بكامل السلطة، ورابعها بروز قضية لحراطين الاجتماعية كعنصر جديد ومحرك للساحة باتجاه التوتر، بل صار أحد ابرز تحديات الاستقرار، الأمر الذي يجعله في مقدمة التصورات للمرحلة القادمة ، وإن كان الرأي فيما سبق -ومنذ بعض الوقت وعلى نحو مضطرب ومشحون داخل الساحة- قد استقر، وفي ضوء التعاطي مع تطلعات الأكثرية داخل الأغلبية على ترشيح ولد الغزواني الذي يملك ميزات ذائعة داخل الأغلبية أهما شخصيته الممزوجة بين القيم العسكرية والمدنية في نفس الوقت، وبوصفه شريك الرئيس بل الحارس الطبيعي لهذا النظام حتى أمضى عزيز مأموريته دون توترات في الجانب العسكري وعلى الحدود، كما تم الترويج لأسماء أقل جاذبية في بعض الأحيان كمرشحين للنظام حيث كانت تخضع لتصنيفات ضيقة بعض الوقت وتملك عداوات كبيرة. وقد أربك هذا الوضع غموض عزيز العميق والمتعمد والرسائل المتناقضة التي يبعث بها للرأي العام وللأشخاص أنفسهم لكي يربك الجميع، فكيف يستمر مولاي ولد محمد لقطف بإعلان ترشحه في أوساطه وهو في أوج علاقاته بعزيز؟، هذه الفترة توجت بخلوات بل وكأن عزيز نفسه يروج لها في حين يكون الأمر مجرد قرار فردي أو تآمر سياسي يدركه مولاي أم لا يدركه، تلك مسؤوليته ! في حين يطل غزواني (وهو الذي إن كان بيده أن يظهر من دون نياشين على كتفيه، إمعانا في الاحتجاب عن التمظهر، لفعلها) على البرلمان بحراسة ملفتة وهو وزير دفاع في حكومة باهتة من دون عنوان، لكن في تجسيد واقعي لاستمرار نفوذه على المؤسسة العسكرية وقد تبعه كل قواد الجيش بانضباط واحترام في مظهر استعراضي غير مألوف ويحمل رسالة بالقوة، وأكد تلك الرسالة حجم حراسة الوزير الأول في الأسبوع الموالي حيث كانت باهتة لإظهار أن الأمر يتعلق به شخصيا كرمز من رموز النظام الحقيقين، بل ولا زال يحتجز للآن منزل رئيس القوات ويحمل لقب الفريق وقد كان الأسبوع الماضي ضيفا مبجلا على الرئيس في عطلته في تيرس، بل ومرافقه المرموق في زيارة المنقبين المثيرة التي كانت من اختصاص الوالي حيث ظهر معه المنكب بالمنكب. ويزداد الأمر اختلاطا وغموضها بدخول محيط الرئيس على الخط في إدارة المهرجانات المنادية بالمأمورية والتمسك بعزيز وأنهم ينشطون باستماتة ضد ترشيح ولد الغزواني، بل أنهم هم المسؤولون عن هذه المهرجانات المطالبة بالمأمورية من أجل وضع عزيز أمام الأمر الواقع حيث يكون الشعب هو من يختار التعديلات الدستورية ويفرضها في إطار التعلق بعزيز عن طريق ثلاثة عناصر معروفة بانعدام الضمير، لكن الأمر واجه صعوبات كبيرة حيث رفض كل من أهل آدرار والخوضين وأغلبية أهل لعصابة أن يتم الحديث في تلك المهرجانات عن المأمورية الثالثة، وهو معطى مهم وسيكون مفتاحا لعملية تحول تتشكل من خلال الصدفة: أي بواسطة تجاهل عامل الوقت وعامل الحسم وعامل وضوح الأهداف وعامل اختيار المرشح، وعامل آخر أهم من كل ذلك هو دينامية التغيير. ويؤكد بعض المحللين أن التوجه اليوم في قضية اجتراح حلول تتم من داخل البرلمان، وقد تكفل بها أو تسلم الأوامر بها واحد من المقربين الاجتماعيين من عزيز، ولا يزال الغموض يلف العملية، لكن المرجح أن تتم المطالبة بكتابة جديدة للدستور عن طريق مصادقة البرلمان عليها… يتتابع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى