حول مهرجانات المدن القديمة

كتب د. محمد ولد الراظي:

الزمان أنفو – جميل أن لا نغفل عن مدننا القديمة وجميل أن نسعى لنفض الغبار عن مخزوناتها الثقافية الجمة ومتونها الفقهية المتنوعة وأن لا نقبل أن يلفها ظلام النسيان وواجب علينا أن لا نتركها تموت لكن نفض الغبار عن هذه المكنونات و بعث الحياة في هذه الحواضر يكون بإجراءات أخرى غير التي ننظم بها مهرجاناتها السنوية.

فبعث الحياة في مدن قديمة – هجرها الكثير من أهلها ونأوا عنها بعيدا ينتشرون في الأرض يبتغون من فضل الله مصدر رزق أقل عسرا وسبيل حياة أقل ضنكا وأيسر – يكون أولا بخلق أسباب الحياة فيها وأولها فك العزلة عنها وتزويدها بشبكات ماء وكهرباء وخلق مشاريع مدرة للدخل تكون عامل استقرار وعمارة .

ثم إن المكانة الحضارية لمدننا القديمة ليس مردها أن مضت على نشأتها قرون أو أنها كانت ذات يوم ممرا للقوافل التجارية ولا أن رحالة مر بها في رحلة ذهاب ولا أن آخر مر بها في عودته فدون شذرات مما سمع ورأى ثم زاد بحواشي من عنده بما تحصل لديه من فهم وإدراك بل لأن لها تاريخا بهيا يأبى النسيان ولأن بها مخطوطات شاهدة على حيويتها المعرفية ولأنها زاخرة بكنوز من الثقافة والدين راكمها الزمن ودفعت بها الحيوية الذهنية لمراقي التألق فأخذها كل جيل عن سلفه وأوصلها كل جيل لخلفه في رحلة توالد معرفي متصل ومتواصل ما زال ينبض بالحياة يصارع قساوة الزمن وعدائية الجغرافيا و شح الموارد وغفلة الجميع…..هذا التراث هو ما ينبغي اليوم بعثه والاعتناء به وتقديمه في لبوس عصري طباعة وتوزيعا فيعود كما كان خير سفارة لهذه المدن وأصدق رسول.

على القطاع الوصي أن يقوم بتنظيم ندوات حوارية حول شخصية علمية من المدينة المستضيفة للمهرجان أو مؤلٌَف من غابر الأزمان لأحد من أبنائها فيكون العنوان الثقافي للمهرجان وتتكلف مجموعة من المختصين بالبحث فيه ونفض الغبار عنه أشهرا قبل التاريخ المحدد للنشاط ثم يتم تقديم البحوث حين ينعقد اللقاء ويتم طبعها لاحقا ونشرها قبل الموسم القادم.

وبعد أن تأخذ المهرجانات طريقها نحو الأفق الأرحب تتوسع دائرة البحوث لتشمل أعلاما ومؤلفات من سائر مناطق البلاد فتصبح هذه المواسم “مرابد” يلتقي فيها الشعراء والكتاب والأدباء والعلماء والمفكرون والباحثون كل يأتي بجديده فتتحول من مناسبات محلية إلى منتديات إقليمية ثم عالمية حينئذ نكون حقا قد بعثنا الروح في حواضر كانت ذات يوم حية مشعة فغدر بها الزمن وخذلها الأهلون فكادت تموت كما ماتت شقيقات لها كان لها شأن عظيم….وقد نجعل من هذه المواسم مناسبة في الزمان والمكان لتوزيع جائزة شنقيط الوطنية وسائر الجوائز التي توزع على المتفوقين والمتميزين فنعيد توطين ثقافتنا الوطنية في حواضرنا القديمة مواطن نشاتها الأولى.

ومما سيعزز من عودة هذه المدن لسابق ألقها المعرفي والثقافي أن تفتتح بها مكتبات عصرية ودور للثقافة تجمع ما تزخر به المكتبات الأهلية من علوم ومعارف راكمها الأولون بشق الأنفس والجهد الجهيد وحافظوا عليها رغم كل الاكراهات والمصاعب.

أما الكرنفالات بمختلف الأشكال والعناوين فلا تخدم هذه المدن ولا تؤدي الغرض من تنظيم مهرجاناتها ولم تكن يوما من العناوين المميزة لها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى