في رحيل الفنانة ديمي

عبدالله محمدبونا:كتبت مرة في اليوميات في مثل هذه الذكرى

الزمان أنفو _ حين يغيب الكبار لا تموت أصواتهم، بل تتوزع فينا، وتتحول إلى صدى لا ينطفئ.

رحلت ديمي بنت آبه، ولم يرحل حضورها. ترنّح صوتها في آخر سهرةٍ بمدينة العيون، كأنها تودّع الضاد، وتطوي دفء الحسانية في خدرِ النغم.
ثم حُملت للعلاج إلى أحد أرقى مستشفيات المغرب، وهناك، بعد غيبوبة طويلة، أغمضت صوتها الكبير، ورفعت روحها إلى باريها..عمّ الحزن البلاد، وتوشّحت المزامير بالسواد، وكأن الوطن كله دخل في حدادٍ فنيٍّ..

استحضرت وقت تدويني هذه الكلمات الاحياء العتيقة التي سمعت فيها صوت الراحلة أانا مراهق يطربه شعر نزار قباني الذي طالما صدحت به في اشرطة توثق أعمالها مع الفنان”سدوم ايده ” والفقيد الخليفة ..استحضرت لقاءاتي بها بانواكشوط وانواذيبو..
ويوم رحلت رثاها الشاعر محمد الطالب بأبيات تنضح حزنا :

موحشٌ بعد صوتك الجبّارِ، سمرُ الليلِ في خُطى الأسحارِ
المزاميرُ غصّةٌ وحدادٌ، ومحبوكٌ في سوادِ الخِمارِ
رحلتْ ديمي عن سماكمْ فقولوا، رحمَ اللهُ ربّةَ الأوتارِ

أبيات محمد تعكس وجع الرحيل، وتحوّل الفن إلى بكاءٍ نبيل، ورمزية “المزامير” و”الخمار” تمزج بين قدسية الصوت وألم الفقد.

لم تكن ديمي مجرد فنانة، بل كانت أيقونة وطنية، صوتًا يشبه النشيد الوطني، وعلماً يرفرف على وجدان الموريتانيين، ومئذنة تضيء ليل الحسانية.
مدرسة قائمة بذاتها، بل دولة قائمة في حنجرة، وأمةٌ مختزلة في صوت.

اللهم ارحمها واغفر لها ولوالدينا ووالديهم ومن ولدوا جميعا ومن له حق علينا وعليهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى