من “المذكرة الصغيرة” – الكواكبي في المراكز الأربعة
محمدبون عبدالله - انواذيب _ مطالع القرن العشرين

الزمان أنفو _ في ركن هادئ من مكتبة المركز الثقافي المصري بالحي العتيق “بي أم دي” وسط العاصمة نواكشوط .وقعت عيني على كتاب طُبع في بيروت أوائل السبعينات، عليه غبار خفيف وعنوان ثقيل: طبائع الاستبداد ومصارع الإستعباد. سحبته كما يُسحب المفتاح من قفل ، وجلست أقرأ عبد الرحمن الكواكبي كما لو كنت أقرأ وجوه مدن عربية منهكة.
في المركز الثقافي السوري، الذي كان على مقربة من السفارة الفلسطينية، وكنت أزوره لأكتب من ديوان نزار قباني الأعمال الكاملة..وأقرأ فيه عن أعلام النهضة. ارى صورة الكواكبي لأول مرة تزيّن لوحة بجوار الأفغاني ومحمد عبده، لكنها الوحيدة التي كانت تحدّق في العابرين كأنها تسألهم: “هل تغير شيء منذ أن كتبتُ؟”
في حي قريب من المسجد المغربي على يمين الطريق المؤدي “للحي5″، بين رفوف المركز الثقافي العراقي، وجدت كُتبًا عن الكواكبي لا تقل بلاغة عن كلماته. أحدهم كتب عنه قائلاً: لم يكن كاتبًا بل كان صرخة مدوية ضد الطغيان؛ رجل عاش قبل زمانه فاتهمه أهل زمانه بالخيانة، بينما كان يزرع البصيرة في أرض جافة.
أما المركز الثقافي الليبي، فقد كنت اختلف إليه مرورا ببناية” ابلوكات” وحين أقطع شارع جمال عبدالناصر يلوح المركز ، حيث توزع مجلة الرسالة الملونة الأنيقة وكتب وصحف .. و منشورات تمجد ثورة القذافي وتعج بصور المشاريع الكبرى في الجماهيرية وشعارات من قبيل ” السلاح في يد الشعب” …الكتاب الأخضر والنظرية العالمية الثالثة ..وأعجبت بمقارنةةالقذافي لمن يجلس في الملاعب يشاهد فريقا من 11شخصا بمارس الرياضة بمن يأتي للمسجد للتفرج على المصلين !..
ووقعت يدي على نسخة باهتة من كتاب أم القرى تنتظر قارئًا يفهم أن الحوار في مكة التي تخيلها الكواكبي، كان تهيئة لمؤتمر نهضة، لا خطبة وعظ.
عبد الرحمن الكواكبي لم يكن مجرد مفكر، بل صاحب مشروع تحرري ما زال معلقًا في رقبة الأمة. مات مسمومًا، على الأرجح، لكن أفكاره لم تمت. جرب أن تقرأه بعد منتصف الليل، وستشعر أنه يكتب عن الغد الذي نحياه.
رن الجوال الكبير الموتورولا الذي كان أول هاتف أمتلكه لأقف متلمسا الطريق إلى الباب واغمز الزر ليضيء المصباح الغرفة أجول ببصري بحثا عن المذكرة..