يوميات الفنان محمد الحسن بوخوصة – الجزء السادس
سينمائي... وأول مرة أرى أبناء عمومتي

الزمان أنفو (نواكشوط): في هذه الحلقة من يوميات الفنان محمد الحسن بوخوصة، يعود بنا الراوي إلى أيام الطفولة في نواكشوط القديمة، حيث كان الحلم بالسينما يملأ المخيلة، والخيال يصنع الفرح في غياب التلفزيون والهواتف. بين مغامرات طفولية بريئة، وأحلام فتى صغير قرر أن يصنع “سينماه الخاصة” من صندوق شاي قديم وقنديل بنزين، تتشكل ملامح فنان بالفطرة، يرى العالم بعين الدهشة والإبداع.
الحلقة 6: كان الناجي ومحمد الأمين، أولاد لمرابط ول شيخ آفكاريش، صديقين لشقيقي الأكبر الدده رحمه الله، وكانا كلما زارا بيتنا أستعد لاستلام مبلغ محترم، أضع له في ذهني خطة صرف مسبقة.
وفي ظل استحالة الذهاب إلى السينما بسبب الرقابة، كانت النسبة الأكبر من المبالغ تُصرف على الحلوى والحليب والمشروبات الغازية. أخلط فانتا بـحليب غلوريا في كيس بلاستيكي شفاف، أرجّه جيدًا، ثم أتناوله مع الخبز المدهون بالزبدة.
قرب بيت خالي ممود رحمه الله، وجدت صديقي محمد المصطفى، وقضينا أيام لعب ممتعة قبل سفره إلى السعودية. وبعد أشهر عدنا إلى حارة كراج قرب سينما السلام… ويا لسعادتي!
حاولت الالتزام بالدراسة خوفًا من العقاب، لكن سرعان ما عدت إلى مغامراتي: ساعتان من “التحصيل المالي”، ثم اللعب، ثم التوجه نحو السينما. وكانت الأفلام تسيطر علينا بعد خروجنا من القاعة؛ نقلّد أبطالها، نغني، نحارب، ونتحدث الهندية دون فهم!
بلغ التأثر بالسينما ذروته حين قررت صناعة سينمائي الخاصة!
رسمت الأبطال والخيول والبنادق على ورق مقوّى، ثم أقتطعها بشفرة لتصبح كمنحوتات. وضعت تلك الرسوم داخل صندوق شاي قديم، ألصقت بغطائه قماشًا أبيض شفافًا ليكون شاشة، وأشعلت “السندل” في الداخل، وأدرت الحوارات بأصوات مختلفة… فضحك الحضور ودفعوا لي ما جادت به جيوبهم!
كانت فكرة ناجحة رغم الحساسية التي سببها دخان القنديل، ولم أتوقف عن العروض بين بيتنا وبيت عمتي “أوبه” رحمها الله.
مرّت الأيام وأنا أعيش كما أريد، أرهقت والدتي في بحثها عني كل مساء، تائهًا في شوارع اللعب والمغامرات الغبية الشقية التي لا تتوقف إلا بالنوم.
ثم انتقلنا إلى بيت جديد جنوب حي الميناء، قرب مسجد قطر، فرأيت المدرسة رقم 9 ومصنع النسيج وسوق المواشي في “كبة المربط”. كل شيء كان جديدًا ومبهرًا ويستحق “الهملة”.
وذات صباح هادئ، بينما ألعب في حوش المنزل، سمعت لأول مرة أعذب صوت للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ:
🎵 “الهوى هواي… أنا الهوى هواي…” 🎵
فتوقفت مأخوذًا، واقتربت بخطوات خفيفة من مذياع أخي فالي… وكانت لحظة لا تُنسى.
يتواصل…
من سلسلة «يوميات فنان موريتاني» بقلم: محمد الحسن بوخوصة
🔗 روابط الحلقات السابقة:
◀️ الجزء الأول: …
◀️ الجزء الثاني: …
◀️ الجزء الثالث: …
◀️ الجزء الرابع: …
◀️ الجزء الخامس: …



