المجرم لا لون له ولا لغة ولا هوية

بقلم: د. محمد ولد الراظي

الزمان أنفو – نواكشوط: لا شك أن خطاب الكراهية أمر مخيف، ونذير شؤمٍ بيِّن لا مراء فيه؛ فالعنف الجسدي مسبوق دومًا بعنفٍ لفظي، والعنف اللفظي يكون أخطر حين يدور بين العوام والشباب، الذين هم في أكثر المراحل العمرية نزقًا وطيشًا.
ومن هنا، يجب الوقوف في وجه أي خطاب كراهية، مهما كان الشخص الذي يصدر عنه، ومهما كانت العباءة التي يتدثر بها؛ فلا ستر ولا حماية لمن يتسبب في غرس الكراهية بين الناس، والقانون يجب أن يكون له بالمرصاد. وأي قانون لا يتم تفعيله، أو يُفعَّل بانتقائية، لا يعود قانونًا، ويكون ضرره أكثر من نفعه.
لكن الجريمة لا لون لها، ولا لغة، ولا هوية؛ فالمجرم مجرم، لا يفرق بين ضحاياه. وغالبًا ما يكون تحت تأثير قوي من المواد المخدرة، طائشًا بطبعه، نزقًا، لا يعرف للخير سبيلًا، ولا يعقل شيئًا غير الجريمة.
أتيحت لي ورفاقي فرص كثيرة، كلما دخلنا السجن، أن نتواصل مع سجناء الحق العام. وكان منا من يأخذه الفضول فيسأل بعضهم عن رحلته مع الإجرام: لماذا اختار هذا الطريق؟ وكيف أصبح مجرمًا؟ وكيف كان يُحضِّر جرائمه؟ وكيف كان ينفذها؟ وأسئلة كثيرة أخرى، فاتحة لفهم كثير مما يغيب عن الناس في هذا الموضوع، لكن الوقت لا يسمح بالخوض فيها بالتفصيل.
ذكر لي أحدهم أنهم، حين يستحصلون كل الأسباب التي تضمن لهم “صولة” ناجحة، يحددون ساعة الصفر، ثم يتواعدون بعد الزوال في غرفة صغيرة بلا نوافذ، فيشعلون حشيشهم في مبخرة، ثم على أنغام موسيقى حماسية راقصة يبدأون التمايل يمنة ويسرة، حتى يأخذ منهم المخدر مأخذه، فيخرجون قبل الغسق بقليل، على أمل اللقاء ساعة التنفيذ في المكان المحدد.
هؤلاء قوم شواذ من كل الناس وكل الأجناس؛ لا ينبغي أن تأخذ أحدًا بهم رحمة، ولكن ينبغي الحذر كل الحذر من أي تفسير لأفعالهم خارج دائرة الجريمة. فشرارة بسيطة قد تحرق غابة، وتوقد نارًا قد لا تنطفئ إلا بعد أن تلتهم أجيالًا من الناس.
فالسبب المباشر للحرب في “دارفور” كان خصومة على ملكية جمل؛ وكان الشحن اللفظي قويًا وواسعًا، فتحول شجار بين رجلين إلى حرب مدمرة، مات فيها عشرات الآلاف من الأبرياء.
وفي منطقة “عين الرمانة”، وقع اعتداء على حافلة تقل عمالًا فلسطينيين، فدفع الشحن السياسي والطائفي بالحادثة لتكون سببًا مباشرًا لحرب أهلية في لبنان، قُتل فيها كثير من الأبرياء العزل، وما تزال جراحها لم تندمل، رغم مرور ما يقارب نصف قرن عليها.
أما في قرية “أجياوارا” السنغالية، فقد حصل شجار بين منمين فلان موريتانيين ومزارعين سونينكي من السنغال عام 1989. ولم يكن هذا الحادث أول إشكال حدودي بين البلدين، إذ كانت مثل هذه الحوادث تُعالج سريعًا على مستوى الإدارات الإقليمية المعنية على طرفي الحدود. لكن الجديد في هذه الواقعة أنها تزامنت مع تجييش نشط وشحن سياسي وإثني كبير، كانت تقوم به حركة “قوات التحرير الإفريقية في موريتانيا – فلام”، التي سارعت إلى توظيف الحادثة لتكون سببًا لنزاع مسلح بين البلدين، تترتب عليه مساومات، وربما خرائط جديدة، أو تؤجج توترًا مجتمعيًا داخليًا في موريتانيا، يكون عنوان فصله الجديد مواجهة الدولة الوطنية، أو ما سُمِّي حينها بـ“دولة البيظان”.
وقد مات عشرات الآلاف من الأبرياء، ونهبت ممتلكات، وكاد البلدان يدخلان في نزاع مسلح لا يمكن تصور تبعاته ولا تقدير حجم الأضرار التي كان سيتسبب فيها.
فلنبتعد جميعًا عن كل ما قد يكون فيه ضرر للبلاد والعباد، ولنحافظ على أسباب السكينة المجتمعية، وألا نقبل أن يجرنا الآخرون إلى الموقف الخطأ، ولا إلى القول الخطأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى