إمام الجامع العتيق بأطار سابقا متالي ولد برو: “الأدب الجم وسعة الجميع” في ذمة الله

أم “اسماسيد” وغيرهم بكفاءة، رغم أنهم زوايا شرفاء من أكثر الزوايا تنافسا داخليا إلى حد ما فيما بينهم على مستوى أطار.

لما تولى ذلك الدور التعبدي التوجيهي الحساس، نصحه ابن عمه الأكبر منه سنا وصهره سيد ولد برو، المنفق الراحل المعروف رحمه الله، قال له : “صل وانصرف”.

استطاع متالي ولد محمد عبد الرحمن ولد برو أن يؤم “اسماسيد” وغيرهم  من سكان المدينة قرابة ثلاثين سنة، دون أن تثار حوله زوابع كثيرة، وذلك كسب رفيع يذكر فيشكر لهذا الرجل، العاقل الحكيم الفقيه العابد العامل، الذي نصحه إبن عمه عند توليه الإمامة، فاستجاب وفهم الدرس الجامع البليغ المختصر، وتحاشى الدخول في الخلافات والحزازات الكثيرة، في “كرن لكصبه”، قلب مدينة أطار، وحي أطار الأثري  التاريخي، موطن أقدم السكان هناك تقريبا، ومنذ عدة قرون، منذ قدوم أحمد ولد شمس الدين المؤسس، في مطلع القرن العاشر الهجري، بعد أن خرج “اسماسيد” مغاضبين من شنقيط،  وبسبب موضوع الإمامة بالذات، حيث أموا الناس  خمسين سنة في شنقيط، غير أن أخوالهم “إدوعلي” رفضوا استمرار تلك القيادة الروحية الحساسة، فأزاحوهم بصرامة، وفضل الآخرون تأسيس أطار وأوجفت في المقابل، وتزعموا هناك أهم اهتماماتهم “الإمامة والعبادة والقضاء”، في أطار وأوجفت.

متالي ولد برو الإمام الراحل الجامع توفي ليلة الخميس الموافق 6-1-2015، بعد أن ضرب مثلا عاليا في سلامة الصدر وانعدام الاختلاف مع الناس سائرهم، وحسن الخلق ودماثته، فلعله من بين الموطئين أكنافا، الذين أشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه: “أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يالفون ويولفون”.

إمام المسجد العتيق متالي ولد محمد عبد الرحمن ولد برو في ذمة الله، بعد أن عاش أكثر من سبعين سنة تقريبا، عمرا زكيا نقيا بهيا، زينته الأخلاق والعلم والعمل به وتفادي ما لا يعنيه.

اللهم قد غبطته، اللهم ارحمه وأرحم سائر موتى المسلمين وارحمنا إذا صرنا مثله.

كان منحازا للإتجاه الإسلامي الذي ظهرت بوادره في مطلع الثمانينات، لما قررنا أن يخطب في منبر الجمعة محمد فاضل الملقب “الشافعي” ولد اعلاتي من قبيلة “لشياخ”، ومحمد ولد بدي ولد مامون الشاعر الشمسدي الأطاري المعروف، إلا أن دروس الشباب التي ما تجاوزت على ما أذكر الثلاثة حصص في المسجد العتيق، قبل وقت الجمعة، وتفادي متالي لحكمته أن يكون المعلن المباشر عن ذلك التوقيف، وتولى إذاعة هذا النبأ الذي توقعناه، آخرون من الجماعة، بعد صلاة العشاء، وكنت حاضرا، فأخبرت الإخوة بالموقف المرتقب، وجمعنا أمرنا على التركيز على مسجد “همدي السباعي”، قرب مركز المدينة، والذي لقبناه جامع النور، وإنتشرت من هناك إشعاعات الصحوة الإسلامية المباركة في عموم المدينة، وآدرار والشمال عموما.

وكان نجله الأكبر محمد عبد الرحمن ولد متالي ولد برو من أبرز قيادات تلك الصحوة في صفوف الشباب الملتزم النابه.

عرفنا إمامنا ونحن في سن المراهقة، وهو يؤم الناس في هدوء ويخطب برباطة جأش وفصاحة وحسن أداء، كما يفصل بين الناس في بعض نزاعاتهم، ما هو متعارف عليه بقاضي الصلح، تخفيفا لبعض القضايا قبل عرضها على القضاء المتقدم، وعسى أن تحل أحيانا قبل أن تستفحل.

غير وقاف عند أبواب الأغنياء ولا الحكام على السواء.

تقبل الله من الفقيد الراحل، الإمام العابد الزاهد، الذي عاش غني النفس، في كفاف، وإن لم يعرف بالمال الواسع، لأنه لم ينشغل يوما بذلك، وإنما بالمنبر والعبادة، ألهم ذويه الصبر والسلوان، ورفعه في الفردوس الأعلى من الجنة.

نعزي جميع ساكنة أطار وموريتانيا عموما في هذا المصاب الجلل، و”إنا لله وإنا إليه راجعون”.

قال الله تعالى: ” ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين  الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون “.

وقال تعالى: “كل نفس ذائقة الموت”

وقال أيضا جل شأنه: “كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام”

رحم الله السلف وبارك في الخلف، ولا نقول إلا ما يرضي الرحمن، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، و”إنا لله وإنا إليه راجعون”.

 

كما نعزي أسرة الراحل كافتها فردا فردا، وأخص بالذكر صديقي وأخي محمد عبد الرحمن ولد متالي ولد بروـ

 

بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى