أبو ميَّادة …. حين أعدنا عكاظا/ الشيخ ولد بلعمش

altليس اسمه أبا ميادة إنما قصدت التعمية فللرجل عائلة و ذوو قربى ربما جرحتهم بعض تفاصيل هذه السيرة المختصرة كان أول لقاء جمعني به في دمشق سنة 1998 و لصديقي ابراهيم الفضل في ذلك .

كان إبراهيم شابا اجتماعيا كريما محبا للشعر و قد اصطفاني من القوم و لم يرضَ أن تُبعده دمشق عني فلحلب موقعها في قلبينا و كان يزورنا فيها كلما أتيحت لذلك فرصة ذات مساء و نحن جلوس في المدينة الجامعية بحلب تحدث بإسهاب عن صديقه الجديد أبي ميادة و بدا حريصا على أن يجمعني و إياه بعد أشهر أتوجه إلى الشام و أمرُّ بعد يوم حافل أوجعت فيه برودة استقبال السفارة الموريتانية رأسي أمام محلات و أكشاك لست أدري هل ما زالت أمام المدينة الجامعية في دمشق حتى الآن ! كان الوقت بعد صلاة المغرب و دمشق مصرة على مداواة الصداع بأنفاسها و تقول لي لا تحزن فمن سيقول لها لا تحزني الآن ؟! صوت جهوري يرن في أذني ( بلعمش …. بلعمش) فألتفت لأرى إبراهيم و رجلا تجاوز الخمسين جلسا في الهواء الطلق . كراسي و طاولات بيضاء إنها ولادة مقهى أو مشرب و لو لبعض الوقت . أوسعا لي و وقف الرجل الغريب النحيف ذو القامة الطويلة ، كان ترحيبه بحرارة و في قسمات وجهه حزن و تاريخ من العنفوان . يقول صاحبي بعدما أخذت قسطا من الراحة ليتك تنشدنا يا شيخ من شعرك و بما أنني رجل لا يحب من المقاومة إلا مقاومة الظلم لبَّيْتُ دعوته  فما هو إلا وصولي للبيت أنا الكروان الذائق الحب خمرة *** يلوذ بها عند الحنين و وينهل حتى نادى أبو ميادة : أبا ثاير هات قنينة بيرة سأفهم فيما بعد أن الرجل قال لصاحبي إذا أعجبني شعر صديقك سأطلب خمرا و إن لم يعجبني سأطلب كازوزا ( كولا ) ستتكرر اللقيا و أسمع من هذا الرجل أجملَ ما أُنْشِدْتُ من شعر في حياتي كان أبو ميادة المنحدر من إحدى أعرق عائلات بلاد شنقيط راوية و فقيها و مثقفا ذا أدب جم ، و كنت أتألم له و ألومه في الصهباء الحرام  وكان يقول ولد بلعمش شاعر حقا و أسأل الله أن يشرب الخمر ليكسر قيوده و حينها يصبح عملاقا و كنت أقول رب لا تستجب له كان إذا تدفقت الكأس أنشد قول عبد الغني النابلسي وللأرض من كأس الكرام نصيب و هو عجز لثالث ثلاثة أبيات رائعة طالما سحرتني  يقولون لا تنطق بما أنت عارف *************به بين أهل الجهل ذاك معيب فقلت لهم خلوا الملام فإننا *** بحكم التجلي والمجال قريب شربنا وأهرقنا على الأرض جرعة ** وللأرض من كأس الكرام نصيب قال له إبراهيم ذات ليلة اترك هذه القنينة فقد أتعبتك هداك الله فأجابه بأن الفارس لا يترك سيفه أبدا خلال جلستنا الأولى انضم إلينا طلبة موريتانيون كأنما مروا برياض البوح فرتعوا كان شهرا فيه لنا و للموريتانيين موعد مع الشعر كل ليلة يتحلق الغرباء مستمعين في تصوف فارضي لذلك المبعوث بالشجن فأطلقوا على المكان عكاظا حدثني أبو ميادة عن خي بابا شياخ و حدثني سقى الله أيامه عن عمله في إذاعة موريتانيا سنة 1973 عام مولدي  و أسر إلي بقصة عشق قديم صلبته الأيام و كيف لامته العشيرة على جنونه لكن حديثه عن العراق بكاء آخر  إنه حديث لا يكتمل إلا بذكر صديقه فاضل أمين خصوصا عندما يكاد يبكينا  اذكريـنـي أيـا حـبـــــــــــــيبةُ واهًا  لشقـائـي إن كـنـتِ لا تذكريـنــــــــــي اُذكري ذلك الفتى كـان يــــــــــــــومًا يـطرق الـحـيَّ بـيـن حـيـنٍ وحـيـــــــــن اُذكري ذلك الفتى كـان يــــــــــــــومًا يـطرقُ الـحـيَّ بـيـن حـيـنٍ وحـيـــــــــن أنـا ذاك الـذي تـندَّرَ بـالـدهـــــــــــ ـ ـرِ وخـالَ العصـورَ رفَّةَ عـيــــــــــــــن صلـواتـي فـوق النَّدى تُسكر الزَّهــــــــــ ـرَ، وحِرْزي مـن ربَّة الـيـاسمـيـــــــــن أنـا ذاك الـذي تـرعْرعَ فـي الخُلْـــــــــ ـدِ مـلاكًا وخُنـتِنـي فـي يـمـيـنــــــــي فتـرمَّلْتُ بعـد عِزٍّ وبُدِّلْـــــــــــــــــــ ـتُ جحـيـمًا بـالسلسبـيل الـمَعـيــــــــن لا حرقة تشبه حرقته حين يتحدث عن بغداد أيام كانت الخمر على حساب وزارة الثقافة العراقية وفق تعبيره و ربما أنشد روائع قيلت في مدح صدام حسين و هز رأسه طربا كتلك القصيدة التي قال قائلها يا أيها اللا أُسمي كلُّ مكرمة باسمٍ فماذا يسمى جمعها الغفر إلا إذا قلت يا صدام حينئذ أكون سميتها جمعا و أعتذر صاحبنا أحب دمشقا و أحبته و استضافته سجونها يوما فكأنما قرر أن ينظر إليها عاتبا كل يوم بعينين اغرورقتا بالدموع تحدثت و إياه عن الصبر فلكل منا أسبابه إليه لقد كان أجمل حديثا عن الصبر من أكثر أئمة هذا الزمان ، كيف لا و هو الجهبذ الضليع الحائز على شهادة الماجستير من جامعة الأوزاعي في لبنان كان إذا أقسم قال قسما بعيني ابنتي ميادة قررت الإيجابية في صداقتي معه فسهرت ليالي أنصحه بالعودة إلى موريتانيا فالرجل في كل وقت مهدد أن يدخل بيت خالته ( بيت خالته : اسم يطلقه السوريون على السجن ) استخدمت جميع مهارات الإقناع و عبارات الحنان و العاطفة عساي أغير رأيه و أخيرا تحقق لي ما أردت بعد سنين سألتقي به في العاصمة قرب الجامع السعودي ذات ضحى  ليبادرني بقوله لن أسامحك على إقناعي بالعودة  فأجبت احمد الله يا أبا ميادة على نعمة العافية و الأمان  فأنشد البيت القديم  يا ليت ظلم بني مروان عاد لنا *** و ليت عدل بني العباس في النار كان ذلك آخر لقاء بيننا و لم أجد أخباره بعد ذلك إلا لماما فقد اختار الغربة من جديد لكنه هذه المرة غَرَّب ولم يُشرق إنها لقطات من ذكرياتي وجدتني فجأة أسطرها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى