ظروف وأسباب هدنة الاستسلام مع القاعدة(1)سيدعلي بلعمش

العلاقة بين موريتانيا و تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بدأت بهدنة منذ كان التنظيم يقاتل تحت تسمية “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، حين كانت عملياته مركزة على الجزائر دون غيرها (سنة  2007 أعلنت الجماعة السلفية للدعوة و القتال بيعتها للقاعدة و تغيير اسمها إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)


 كان مختار بالمختار” المعروف ب”بلعور”، يعيش في موريتانيا و يسرح و يمرح فيها على مرأى و مسمع من المخابرات الموريتانية و كان يكتتب منها المقاتلين و يبحث بين “المحاظر” (الكتاتيب) عن خطباء و دعاة لهم ثقافة دينية واسعة تفتقر إليهم الجماعة و يبني علاقات مع رجال أمن البلد و إدارييها في المناطق الشرقية على وجه الخصوص  و يزرع مخبريه في كل شبر منها.


 و بعد دخول موريتانيا مجبرة، في أحلاف أمريكية و فرنسية و أوروبية لمحاربة الإرهاب في المنطقة ، لم تكن تملك أي وسيلة لرفض للتملص منها:  


ـ ظهور برنامج للتعاون الأمني تحت اسم (“مبادرة مكافحة الإرهاب في الساحل” بتمويل قدره 500 مليون دولار و التي بموجبها تقدم الولايات المتحدة الدعم لعدة دول إفريقية منها  إثيوبيا، جنوب السودان، النيجر، أوغندا، كينيا، موريتانيا، مالي، سيشل، وبوركينا فاسو.


ـ إنشاء  “القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا((AFRICOM 


ـ إنشاء مواقع عمليات متقدمة في كل من السنغال ومالي وموريتانيا و غانا و الغابون و ناميبيا، تهدف إلى ضمان السيطرة الأمريكية و الأوروبية على الطريق الغربي للنفط )


ـ و أخيرا، بروز الدور العسكري الأمريكي في إفريقيا إلى دائرة الاهتمام في مايو 2014، بعد طلب الرئيس الأمريكي باراك أوباما من الكونجرس الموافقة على تخصيص 5 مليار دولار لتدريب قوات دول أجنبية (إفريقية) على مواجهة الإرهاب وتقديم الدعم لها.


بعد انخراط موريتانيا مجبرة في هذه الأحلاف، قام التنظيم باستهداف البلد ليكشف عن مستوى الإخفاق العسكري و ترهل  الأمن و هشاشة القضاء بسبب ما تعيشه البلاد من فساد منذ عقود من الزمن، زيادة على :


ـ طبيعة المعطيات الجغرافية و الديمغرافية للبلد (كبر حجم المساحة و الضعف الشديد في الكثافة السكانية بمعدل 2,5 نسمة/كم²) : حدود برية تتجاوز 5000 كلم، طول الساحل البحري على المحيط الأطلسي 754 كلم، و طول الحدود على شاطئ نهر السينغال850  كلم )


ـ قلة و ضعف الوسائل التكنولوجية واللوجستية الحديثة  


ـ شح البنى التحتية و المعدات و التجهيزات العسكرية


ـ محدودية الموارد المالية المخصصة للإنفاق العسكري لرفع الجاهزية التعبوية و القتالية و التي بلغت سنة 2003 نسبة 4,9% من الناتج الداخلي الخام للدولة، لتنخفض سنة 2009 إلى نسبة 3,9% فقط و لا شك أنها الآن دون ذلك بكثير ؛ فالخديعة القائمة  اليوم هي أن ولد عبد العزيز جهز حوالي 1200 جندي لمهام خاصة مرتبطة بأمنه الشخصي و ترك بقية الجيش . و قد بلغ الإنفاق العسكري الموريتاني 19 مليون دولار سنة 2005 (حسب دورية كلوبال سيكيرتي (Global Security)  المتخصصة في الشؤون الاستراتيجية العسكرية  (و بلغ الإنفاق العسكري الصومالي يا شعب موريتانيا في نفس السنة 22340000 دولار أمريكي) و لأن أصحابنا مولعون بالمقارنة بدول الجوار، سنذكِر فقط بأن الإنفاق العسكري في السنغال بلغ 117 مليون دولار في نفس السنة و في مالي 106 مليون دولار و في النيجر 45 مليون دولار، أما الجزائر فلا مجال للمقارنة بها حيث تجاوز 3 مليارات دولار و ناهز في المغرب 2.5 مليار و  قارب نصف الميار دولار في تونس و هذه آخر إحصاءات متوفرة عن المنطقة.


ـ غياب استراتيجية واضحة للأمن القومي يمكن الرهان عليها في مواجهة التحديات القائمة و اختلالات بنيوية متعددة أخرى ذات صلات مباشرة و غير مباشرة.



كانت عملية “لمغيطي” في 28 يونيو 2005، بقيادة بلعور و مشاركة و تخطيط يحيى أبو الهمام (عدو موريتانيا الأول في التنظيم) و التي أسفرت عن استشهاد 17 بين الضباط و ضباط الصف و الجنود و جرح آخرين و الاستلاء على أسلحة ثقيلة، لم تكن بحوزة التنظيم، (بسبب إهمال الحراسة و تراخي الإجراءات الأمنية في الحامية، الناتج عن غياب تعليمات القيادة العامة و ضعف رقابتها  و شح التموينات الغذائية للوحدة مما أجبرها على التعامل مع مهربي المنطقة)، من أهم عوامل سقوط ولد الطائع (3 أغسطس 2005)، بعد انهيار نظامه الذي لم يستطع استرجاع تماسكه بعد المحاولة الانقلابية في 8 يونيو 2003 .


لكن انقلاب 3 أغسطس 2005 لم يأت بمقاربة أمنية جديدة و لا برؤية سياسية و لا بإرادة واضحة لتحسين ظروف جيش متهالك الوسائل ، محطم المعنويات يتربص به عدو بلا أخلاق ، يمارس أبشع وسائل الترهيب من ذبح و تمثيل بالجثث :


لقد انغمس العقيد اعلي ولد محمد فال في السياسة لإخراج البلاد من مرحلة انتقالية معقدة بسبب ظروف البلد الصعبة و إصرار الجيش على عدم الخروج من الحياة السياسية و ميوعة النخب المدنية و ضغوط السفارات الغربية و تداخل عداوات دول الجوار و انهيار تماسك المنظومة الإقليمية.


و انغمس الرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله ، فور وصوله إلى الحكم، في الإصلاحات الهيكلية البنيوية و ترتيب الأولويات و تثبيت حالة البلد الاقتصادية المضطربة لتتم مشاغلته بسلسلة أعمال إرهابية ، ما زال الغموض يلف أكثرها : مذبحة آلاك، الهجوم على السفارة الإسرائيلية، مواجهات “سانتر إيميتير”، اغتيال شيخنا ولد الطالب النافع (16 سنة) الذي لقي مصرعه أثناء مظاهرات طلابية في مدينة كنكوصة كانت تحركها المخابرات، أطلق حرس مباني المقاطعة الرصاص الحي عليها لتشويه صورة النظام، جريمة ثورة الجياع التي كان ولد عبد العزيز و ولد الغزواني و فيليكس نيغري و ولد اغويزي يحضرونها  لارتكاب أكبر جريمة جماعية من أجل تبرير احتلال القصر و الإطاحة بالرئيس المنتخب أو قتله على أيادي المخابرات أثناء اجتياح المتظاهرين للقصر ..


كل هذه الجرائم تم تدبيرها من قبل هذه العصابة الشريرة لزعزعة نظام الرئيس المنتخب و تبرير الإطاحة به.


و قد كانت عملية “الغلاوية” (في دجنبر 2007) بقيادة يحيى أبو الهمام (استشهد فيها 3 من الجيش الموريتاني) قريبة المفعول من عملية “لمغيطي” .


أمام هذا الوضع المزري و لأنه لم يكن رجل سلم بطبعه و لا رجل حرب بخبرته و حكمته و لا رجل سياسة بحنكته، كان على ولد عبد العزيز (و لا أقول النظام الموريتاني لأنه لم يعد هناك نظام موريتاني بأي معنى معروف عند البشرية منذ اختطاف هذه العصابة للبلد)، أن يسلك طريقا مظلما، معتمدا على الكذب في سياسته الداخلية لأنه يحتقر الشعب و المكر البدائي في سياسته الخارجية لأنه يجهل تطور وسائل العالم و قدرته على الوصول إلى أي حقيقة يحتاجها. كان ولد عبد العزيز صناعة ساركوزية بامتياز أعني صناعة شيطانية بكل المعايير؛ فقد كان ساركوزي المتوجه إلى احتلال مالي و السيطرة على ثرواتها، يحتاج معتوها في موريتانيا، لا يؤمن بقانون و لا ديمقراطية و لا يحترم دستورا و لا رأيا عاما و لا يتحرج من أي قبيح و لا مشين، فكان ولد عبد العزيز من تتوفر فيه كل هذه الشروط بامتياز.


و كان المعتوه يعتقد أن من يسند ظهره في فرنسا يؤمن بقاءه في الحكم ما طاب له ذلك و يضمن تفوقه العسكري على أشباح الصحراء، جاهلا أن القاعدة أخرجت أمريكا من أفغانستان و العراق و الصومال و اليمن و ليبيا و أن الإنفاق العسكري الأوروبي كله يمثل أقل من 40% من الإنفاق العسكري الأمريكي.


كانت عمليات العصابات الإرهابية  في تلك الفترة مخجلة للبلد و مذلة لجيشه و أمنه و حصدت أرواحا كثيرة و كانت طبيعة العمليات و تنوعها و سهولتها و توغلها في العمق الموريتاني و عجز الأمن عن إحباط أي منها و انحراف مسارات التحقيقات فيها  لاحقا، أمورا تشي كلها بأدوار داخلية غامضة و خارجية متداخلة !! :


ـ في 24 دجنبر 2007 : عملية آلاك  بقيادة معروف ولد هيبة و مشاركة سيدي ولد سيدنا  (راح ضحيتها 4 مواطنين فرنسيين) و قد ألقت الشرطة القبض على ولد هيبة في 10 أبريل 2008.


ـ في فاتح فبراير 2008 : هجوم على السفارة الإسرائيلية في نواكشوط، بقيادة  الخديم ولد السمان، الفار من السجن (أسفر عن إصابة أربعة أشخاص كانوا في ملهى ليلي مجاور للسفارة)، تم القبض على ولد السمان سنة 2008 و حكم عليه بالإعدام سنة 2010 و يقبع الآن في سجن صلاح الدين.


ـ في 7 إبريل 2008 : وقعت مواجهات في تفرغ زينة ، عرفت بعملية “سانتر إميتير” بين مجموعة إرهابية مسلحة من تنظيم “أنصار الله المرابطون في بلاد شنقيط”  و عناصر أمنية، أثناء تعقبها للسّجين الهارب سيدي ولد سيدنا، المتهم بقتل أربعة سياح فرنسيين خلال أعياد الميلاد 2007. و قد تمكن ثلاثة من عناصر المجموعة  على الأقل، من الفرار، تاركين قتيلا (موسى ولد محمد اندي المكنى “أسامة أبو ناصر”) و جريحا  توفي لاحقا (أحمد ولد الراظي المكنى “أبو معاذ”)، فيما استشهد عنصران من الأمن الموريتاني من بينهما ضابط و جرح  15 آخرين. و قد قاد عملية الهجوم على المنزل الذي كانت تتواجد فيه المجموعة، عناصر من الأمن الفرنسي.


ـ في 14 سبتمبر 2008 : عملية تورين بقيادة عبد الحميد أبو زيد (أمير كتيبة طارق بن زياد) و مشاركة يحيى أبو الهمام (استشهد فيها 12 عسكريا بين ضابط و ضابط صف و جندي و دليل مدني واحد، بعد إصدار الأوامر لهم من القيادة بمتابعة العدو ليلا، في جريم لم يعاقب عليها أحد)  و قتيل واحد من التنظيم هو الموريتاني إخليهن ولد الشيخ  المكنى أبو ذر القلاوي”.


ـ في 23 يونيو  2009 : عملية لكصر التي استهدفت الأمريكي “كريستوف لكيت” ، بتخطيط يحيى أبو الهمام (حسب منتديات مقربة من القاعدة) و تنفيذ (محمد عبد الله ولد احمدناه، الملقب “أبو أنس”) و هو أحد الموريتانيين الذين شاركوا في عملية ذبح الجنود في تورين (ما زال يقبع في السجن).


ـ في 8 أغسطس 2009 : عملية انتحارية نفذها الموريتاني موسى ولد زيدان الملقب أبو عبيده البصري (22 سنة)، استهدفت السفارة الفرنسية في نواكشوط (جرح فيها عنصران من الأمن الفرنسي…)

 


ـ  في نهاية نوفمبر 2009 : خطف 3 سياح إسبان على طريق نواذيبو على يد عمر الصحراوي

 


ـ في 2 فبراير2011 : تفجير سيارة مفخخة على مشارف نواكشوط بمنطقة الرياض بعد مطاردة استمرت عدة أيام لمقاتلين سلفيين دخلوا الأراضي الموريتانية قادمين من معسكرات التنظيم شمال مالي. و قد أسفر التفجير عن مقتل 3 إرهابيين كانوا على متن السيارة و إصابة 11 جندياً وضابطين بجروح متفاوتة .

وأعلن متحدث باسم تنظيم “القاعدة” ببلاد المغرب الإسلامي أن العملية كانت تستهدف  اغتيال محمد ولد عبدالعزيز شخصيا، مبررا  ذلك بما أسماه “حربه المعلنة والمفتوحة إلى جانب فرنسا ضد عناصر التنظيم”. و أفادت معلومات من الجزائر أن معلومات وصلت جهاز الاستخبارات الموريتاني بواسطة نظيره الفرنسي هي التي أحبطت العملية. و تقول أخرى إن عمر الصحراوي هو من كان يقود العملية بالتنسيق مع جهات أمنية داخلية لبث الرعب في السفارات الغربية و على رأسها الفرنسية من أجل تقديم دعم أكبر لموريتانيا.

 


ـ في دجنبر 2011 : اختطف التنظيم الدركي أعلي ولد المختار من مدينة “عدل بكرو” ، ليتم الإفراج عنه في مارس 2012  ضمن صفقة مع التنظيم تم بموجبها إطلاق سراح الإيطالية روسيلا أورو (موظفة هيئة إغاثة، اختطفت في أكتوبر 2011 مع إسبانيين (رجل و امرأة) ، مقابل تلبية مطالب للتنظيم، كان على رأسها إطلاق سراح عبد الرحمن ولد ميدو (الأزوادي)، المعتقل في السجون الموريتانية على خلفية اتهامه باختطاف مواطنين (2) إيطاليين على الحدود الموريتانية المالية قبل سنة من ذلك و هو العرض الذي رد عليه وزير الخارجية الموريتاني حينها بأن بلاده “لن تستجيب” لتلك الشروط وأنها ترفض التفاوض مع “الإرهابيين” .

 

 
و قد ظلت “السلطات” الموريتانية تواجه الضغوط الخارجية و الهزائم الداخلية بالكذب و التحايل و قلب الحقائق و إنكار المؤامرات على أعدائها و حلفائها بالتساوي و العمل تحت الطاولة مع كل الجهات؛ فهي حليف علني لفرنسا و حليف سري للجزائر، حليف علني لمالي و حليف سري للأزواديين، حليف علني لأمريكا و حليف سري للقاعدة .. و في سنوات ولد عبد العزيز السبع استبدل وزير الخارجية 9 مرات، في دبلوماسية ارتزاق سخيفة ، تنم عن وقاحة “النظام” و ارتزاقه؛ تم تعيين بنت مكناس لاستنزاف جيوب القذافي، تم تعيين ولد تكدي لإرضاء أمريكا و إسرائيل، تمت محاولة استنزاف جيوب الخليجيين بتعيين بنت أصوينع (و لم تنجح العملية).

 


و اليوم يردد ولد عبد العزيز بلا خجل أنه أعلن الحرب على الإرهاب و لقن الجماعات الإرهابية دروسا لن ينسونها و لا أحد يدري كيف و لا متى و لا أين؟


الحرب على القاعدة التي يتحدث عنها ولد عبد العزيز تحت شعار نقل المعركة من الداخل إلى الخارج، لا تعدو كونها سلسلة من الأكاذيب الدعائية و الهزائم العسكرية التي أرغمت ولد عبد العزيز إما على رفع أيادي الاستسلام أمام المجموعات المسلحة أو قبول توقيع هدنة و دفع الجزية للتنظيم و قد اختار الحل الأخير، كما جاء في الوثائق التي أفرج عنها الأمريكيون مؤخرا و كما ظهر من خلال توقيف هجمات القاعدة في السنوات الأخيرة  رغم تفوقها على أرض المعركة و هو أمر لا يمكن تفسيره خارج هذا المنطلق.

 


و بالعودة إلى تفاصيل ما يسميه ولد عبد العزيز نقل المعركة من الداخل إلى الخارج أو “الهجمات الاستباقية” و بطولات الأكاذيب الملفقة، نجد أن ما يفتخر به كان أبشع بكثير بأسبابه و نتائجه، من مرحلة المواجهة في الداخل .

 


لقد تغيرت منظومة الأمن العالمية مع ظهور مفهوم “الأمن البشري” الذي قدمته الدبلوماسية الكندية أواخر تسعينيات القرن الماضي و تبنته هيئة الأمم المتحدة من خلال تقرير التنمية البشرية لسنة 2004. كانت النظرة الكلاسيكية تحصر وظيفة الأمن في تأمين السلطة الحاكمة و الدفاع عن الحوزة الترابية للدولة على حساب أمن المواطنين في حين أصبحت المفاهيم الجديدة تركز أكثر على أمن المواطن و تأمين احتياجاته أولا و قبل كل شيء، لتجعل من حفظ كرامته و احترام حقوقه و تحقيق طموحاته في التنمية المستدامة و رعاية مصالحه الحيوية المشروعة نقطة مرجعية لرسم السياسات العمومية في مجال الأمن”.   

 


لكن ما نحاول إبرازه هنا من خلال الوقائع و الاعترافات الفرنسية و غيرها و القرائن المادية لا يحيل إلى مفهوم أمن السلطة التقليدي فحسب و إنما إلى خيانة عظمى، تلاعب فيها ولد عبد العزيز باستهتار بمصير بلد كامل و حياة شعب أعزل و استقرار المنطقة بأسرها:

 


كانت أول مغامرة يقوم بها الجيش الموريتاني داخل الأراضي المالية في 22 يوليو 2010 بقيادة وحدات فرنسية خاصة، تم استقدامها جوا من أفغانستان لتخليص الرهينة الفرنسي المهندس ميشيل جيرمانو: تم تحديد ما سموه “بنك الأهداف” (20 موقعا يتخذها الإرهابيون لإخفاء الرهائن) من قبل أجهزة الأمن المكلفة بمكافحة الإرهاب في المنطقة و طابور جواسيسها و مخبريها. و كانت الخطة معدة عبر عمليتين عسكريتين، تبدأ الأولى في منطقة تبعد عن مدينة كيدال شمال مالي بنحو 200 كلم، تنفذها وحدة موريتانية (استفادت من تدريب فرنسي مكثف على عمليات تحرير الرهائن، خلال العام 2009)، عن طريق مباغتة مجموعة تابعة لكتائب الصحراء  كانوا ينتظرون وصول مفاوض مالي (ضابط سابق في الجيش) و تاجر من قبيلة أرنان، بهدف الحصول على دليل يثبت بأن ميشال جيرمانو ما يزال على قيد الحياة، مقابل مبلغ مالي و القبض على بعض الإرهابيين السبعة أحياء وإخضاعهم لتحقيق سريع، يتم بعده التأكد من موقع وجود الرهينة الفرنسي ثم تحريره أو القضاء على خاطفيه من قبل الوحدة الفرنسية الخاصة (في الجزء الثاني من العملية) . لكن المخطط كان يفترض  أن يكون ضمن من يأتون للحصول على الأموال، أحد قيادات إمارة الصحراء من الصف الثاني و هو ما لم يحدث.


و كان هناك أفراد من القوات الخاصة الفرنسية يتنكرون في زي بدو رحل على جمال، هم من بدؤوا عملية المباغتة من جهتين ، فرد الإرهابيون لكن النيران طوقتهم بسرعة من كل الجهات فمات خمسة منهم على الفور و تم القبض على إثنين، فارق أحدهما الحياة تحت التعذيب المبرح لكنهما لم يكونا يعرفان أي شيء عن مواقع الرهائن و لا عن أي حقائق أخرى ترتبط بهم.

 

 


قررت القوات الموريتانية الفرنسية الإغارة على 3 مواقع يومي الجمعة والسبت المواليين من دون أي جدوى، لتتوقف العمليات بعد ضغط إسباني خوفا على حياة رهائنها  بعد أن تأكد الجميع من إعدام جيرمانو بعد فرار فلول الإرهابيين من المنطقة. واعلن التنظيم عن اعدامه بعد يومين (في 24 يوليو 2010)  انتقاما لمقتل عناصره السبعة: بلال أبو مسلم ( سلامي إعميروش ) جزائري / البشير أبو الدحداح (عبد العالي اشعايري) مغربي/ إبراهيم أبو مرداس (عبد القادر ولد احمدناه) موريتاني/ عبد الرزاق ( اعلِ ولد سيدي محمد ) أزاودي/  أسامة أبو يحيي (وَنَّاتو ولد الحسن) أزوادي/ عبد الرؤوف (بوب ولد حمات) أزوادي/ و سابع معتقل؟

 


 طبل جنرال ياي بوي و حكومة الباكوتي لهذه البطولة التاريخية منقطعة النظير مدعين أن العملية  جاءت استباقا لهجوم كان التنظيم يخطط له ضد قاعدة عسكرية في مدينة باسكنو في حين قال الفرنسيون إنها كانت محاولة فاشلة لتحرير الرهينة الفرنسي ميشيل جيرمانو الذي أعلن التنظيم عن تصفيته بعد يومين من العملية.

 


ـ في خيانة عظمى مماثلة، ألقت المخابرات الموريتانية في شهر فبراير 2010، القبض على عمر سيد أحمد ولد حمة الملقب عمر الصحراوي (جندي صحراوي سابق يحمل الجنسية المالية) في الأراضي المالية، ونقلته إلى نواكشوط. و بعد إصدار حكم قضائي عليه بالسجن 12 عاما مع الاشغال الشاقة لاختطافه ثلاثة إسبان و ارتكاب جرائم عديدة أخرى على الأراضي الموريتانية، تم تسليمه في 16 أغسطس 2010 في عملية تبادل مع المختطفين الإسبان و ادعى نظام الكذب و الخيانة أنه سلمه لبلده (مالي) في إطار تعاون أمني بين البلدين.

 

 


و أكد تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي في تسجيل صوتي بثته صحيفة “الباييس” الاسبانية على موقعها على الانترنت، أن الافراج عن الرهينتين الاسبانيين تم مقابل الاستجابة لبعض مطالبه. و جاء في التسجيل الذي قرأه “صلاح ابو محمد المسؤول الاعلامي في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي إنه درسٌ يتوجب على الساسة الفرنسيين استيعابه جيدا مستقبلا، فقد كان بإمكانهم التعاطي بعقلانية ومسؤولية مع المجاهدين، وكان بوسعهم تفادي الرعونة والحماقة والغدر الذي جعلهم يتسببون في مقتل مواطنهم”. (في إشارة واضحة إلى مقتل جيرمانو).

 


و في مقابلة (بتاريخ 5 أغسطس 2012) مع صحراء ميديا، نسب عبد الرحمن ولد ميدو (الأزوادي)، بعد إطلاق سراحه في صفقة تحرير الإيطالية روسيلا أورو  و الدركي الموريتاني ولد المختار (مارس 2012) ، إلى القيادي يحي أبو همام قوله: “قررنا احتجاز الدركي الموريتاني لإحراج الحكومة واختبار مدى جدية التزامها بما دعت اليه في اجتماع 5+5  بلهجة عنترية بعدم التفاوض مع الارهاب” وأضاف: “قررنا تسجيل شريط فيديو وتمريره عبر وسائل الاعلام، وأشرنا الى تسليم الرئيس الموريتاني للصحراوي من أجل الاسبان، و الدركي الموريتاني هو الاولى بان يتفاوض عليه، وهذا ما ألقاه الدركي  في التسجيل”.

 

 يتواصل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى