المغربي بلكبير يقول إن أمريكا اغتالت القذافي بنذالة

alt(الزمان) ـ أعتبر المفكر المغربي عبد الصمد بلكبير ،في حوار له مع صحيفة هسبريس ،نشر جزءه الأخير اليوم الأحد ،الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي ،عقلا استراتيجيا كبيرا كان له مشروع في توحيد أفريقيا، وعمل على محاربة الكنيسة الكاثوليكية في القارة السمراء عبر استقطاب ثلاثمائة شيخ قبيلة وما يرتبط بهم من تلاميذ يحفظون القرآن بمقابل أجر شهري يصلهم من ليبيا.

كما عزا مقتل القذافي إلى دخوله بعض المناطق المحرمة من قبل أمريكا والليبرالية المتوحشة.. وتحدث بلكبير عن أشياء أخرى تكتشفونها في ثنايا الحوار.

أستاذ أنت كانت لك علاقة مع القذافي، أليس كذلك؟

طبعا، عموما فالحركات المعارضة بالمغرب كانت لها علاقة مع العقيد القذافي، خصوصا من خلال مؤسسات. ولعلم القراء الكرام في هسبريس، لابد من معرفة هذا الخبر وهو منتوج حوار بيني وبين علي يعتة بالخصوص. ومختصر هذا الحوار هو أنه عندما قرر غورباتشوف القرارات الثلاثة المعروفة؛ الشفافية وإعادة الهيكلة. قبل أن يبادر إلى ذلك، عندما وصل إلى تشكيل التصور لم يبدأ تنفيذه إلا بعد أن حاور البلدان التي كانت مرتبطة به في إطار الكوبيكون، وقال لهم هيئوا أنفسكم لمرحلة لن يكون فيها الاتحاد السوفياتي كما كنتم تعرفون، ثم مر في مرحلة ثانية إلى بلدان العالم الثالث؛ أي البلدان التي لم تكن من معسكر أوروبا الشرقية، ولكن كانت لها علاقة إستراتيجية مع الاتحاد السوفياتي، من بينها بالطبع ليبيا على عهد القذافي، وأيضا كوبا.

يعني أن الزعيم السوفياتي الأسبق ميخائيل غورباتشوف اتصل بكم؟

لقد اتصل بالأحزاب التي كانت مرتبطة به، سواء كانت اشتراكية أو شيوعية، واتصلوا بعبد الرحيم بوعبيد، وكان النقاش مهما بين الأطراف.

إذن من جملة ما اقترحوه على القذافي أن يستعيض علاقاته الإستراتيجية بالاتحاد السوفياتي عن طريق جمع التيارات الثلاث في العالم العربي ويصبح القذافي قائدا لها، وكنت أنا شخصيا خلف ذهاب التيار الديني إلى ليبيا في شخص سعد الدين العثماني، وكان أول مرة خرج معنا، والتيار القومي الذي احتسبت منه، والتيار الماركسي أو الاشتراكي/الشيوعي الذي كان يمثله علي يعته.

يعني التقيتم بالقذافي؟

نعم، وهكذا تشكل لقاء الحوار القومي العربي الثوري الذي فيه التيارات الثلاث. في هذا السياق الذي كان على رأسه القذافي، وكان خالد محيي الدين المصري من الضباط الأحرار معي أيضا أثناء جلسة خاصة، وطبعا كان الجزائريون.

إذن كان هذا هو السياق الذي وجدنا أنفسنا فيه في ليبيا وكان العمل جيد جدا، كانت هناك مصلحة لهذه الأطراف جميعها، وكانت هناك مصلحة خاصة لليبيا لحماية نفسها من الأخطار المحدقة بها.

سؤالي هو أنكم كنتم شخصيا على علاقة بالنظام الليبي؟

لا .. شخصيا لا. أنا كنت أذهب باسم حزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي.

ما هدف نظام القذافي من دعم الانفصاليين في المغرب وهو يرمي إلى الوحدة الإفريقية كما قلت؟

على كل حال، هذا يدخل ضمن المناورات. لأن القذافي دقيق جدا، وهو زعيم لديه أفكار، ولديه استراتجيات، وبين يديه دولة ليبيا، وهي ليست دولة بالمعنى الدقيق، بل هي قبائل. فالقذافي كان طموحه كبيرا كما تحدثنا سابقا عن حسن الترابي والذي كان هو أيضا طموحه كبيرا، وإمكانياته محدودة، لذلك كان يبحث عن وسائل للحماية، إما بوسائل الابتزاز والضغط أو بالتفاهم.

ولهذا ستلاحظ أن القذافي منذ أن أخد السلطة وهو يبحث عن حماية نفسه، لقد ذهب إلى عبد الناصر واعتذر له عن الوحدة معه، لأنه كان ممنوعا من الوحدة مع مصر، لأن أمريكا لا تقبل ذلك، وذهب إلى تونس وقبلوا الوحدة في المساء وبورقيبة ألغاها في الغد، ثم ذهب إلى السودان ومعروف ما حصل، ثم جاء إلى المغرب وكان بوده أن يتولى المغرب. وفي الغالب كان يطالب بوزارة الدفاع في أي وحدة والجميع تخلى عنه، وهو، في الوقت نفسه، اشتغل ضمن إستراتيجية الاتحاد السوفياتي. وهنا لا يمكن أن نحاسبه على تلك الإستراتيجية، لأنه هو منذ البداية غير مؤهل لأن ينتجها، ولكن مؤهل لكي يشتغل ضمنها لكي تحميه.

يعني تبادل مصالح؟

طبعا.. هناك تبادل مصالح، والغلط يتمثل في كوننا نحن المغاربة فرطنا في المصطفى الولي ولم نحتضنه، وعندما ذهب إلى الجزائر فهم رحمه الله وظهر بأنه محتاج لمن يدعمه، فعندئذ تبناه القذافي. ولكن هذا القذافي حالما فوتح في الحوار معه وتأسيس الاتحاد العربي الإفريقي مباشرة تخلى عن البوليساريو.

يعني أن القذافي تخلى عن البوليساريو؟

نعم تخلى عن البوليساريو، لا يقف الأمر عند هذا التخلي، بل كان مستعدا أن يحاربهم، وكان بالمناسبة بعيد النظر في قضايا الإرهاب ويفهمها كما لا يفهمها غيره ورئيس مخابراته السنوسي اشتهر بأنه من أعظم رجال المخابرات على الصعيد العالمي. وهكذا فكر استراتيجيا وأسس تجمع أفريقيا جنوب الصحراء والساحل. وها أنت تلاحظ الآن الرهان الأساسي لمحاربة الإرهاب هو هذا التجمع الذي أسسه القذافي.

هذا التجمع الأفريقي انطلق مع أربعة دول والآن وصل إلى أكثر من عشرين دولة بالرغم من أننا نسمع عن الاتحاد العربي الإفريقي، والمغرب موجود في هذه المؤسسة التي تشتغل في محاربة العنف والإرهاب بطريقة أذكى وأفضل مردودية على عكس ما يحدث في العراق وسوريا ضد “داعش”، مع العلم أن مؤهلات “الداعشية” في إفريقيا تسعة مليون كيلومتر مربع، كيف لك أن تضبطها؟ فمؤهلات الإسلاموية الإرهابية التي تستعمل الإسلام في أفريقيا أقوى منها في المشرق العربي.

ولهذا صاحبنا أوباما تأسف على مثل القذافي، وتأسف على ما جرى في ليبيا وما حدث من خطأ جسيم حين تحالفوا مع الثعابين، من هو بلحاج؟ مع أنه وأولئك الذين راهنوا عليهم هم الذين صنعوهم، ولكن ارتدوا عليهم ونحن نعرف مأساة السفير الأمريكي والهجوم على السفارة الأمريكية في بنغازي.

وها هو المشكل مطروح الآن، لم ينجحوا في أن يقتطعوا لهم قطعة في الحدود السورية العراقية ولكن ليبيا عمليا هي قاعدة سياسية اجتماعية إيديولوجية عسكرية لأكبر تجمع محتمل للإرهاب المتوحش، وبالطبع باتت تهدد الجزائر وتهدد تونس وتهدد مالي.

هل تعرف أن كل القرائن الآن تدل على أنه إذا قررت “داعش” أن تدخل إلى موريتانيا، لن تحتاج أكثر من أسبوع. وإذا أصبحت “داعش” في موريتانيا، ما هو مصير السنغال، وما هو مصير المغرب والجزائر؟؟!!

تحدث لي عن شخصية القذافي، فالإعلام تكلم عنه بشكل، لكن تكلم عنه كما عرفته عن قرب؟

أنا لا أعرفه بالمعنى الحقيقي الشخصي…

هل سبق لك وأن جالسته وناقشته في مواضيع سياسية..؟

من المعلوم تناقشنا في عدة قضايا..

تعرض القذافي لشيطنة من الإعلام، هل تقربنا من شخصية القذافي كما تعرفها عن قرب؟

العقيد القذافي شخصية عامة يمكن الدخول إليها من مداخل متعددة، فهو استطاع أن يطور منظمة الوحدة الإفريقية إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، بالضبط على شاكلة الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يعد لها لكي تصبح ولايات متحدة أمريكية إلا قرارات بسيطة على مستوى السياسة الخارجية والدفاع، ولو بقي حيا لأنجز ما بدأه.

والمسألة الثانية أنه كانت له إستراتيجية بعيدة المدى لتوحيد إفريقيا، ومن أهمها برامج ذات طبيعة كبيرة مثل النهر الكبير، كان يشبه المحيط الأطلسي، الذي كان سيربط موريتانيا والسنغال بقناة ضخمة، وهذه القناة ستمر إلى وسط أفريقيا حيث ستصبح بحيرة تشمل ثمانية دول إفريقية، وتصبح تلك البحيرة ترتبط بالمحيط الأطلسي مدا وجزرا، وهكذا سيتغير المناخ الأفريقي وسيتغير الاقتصاد الإفريقي لوجود الشواطئ والصيد البحري والسياحة، وسيفرض على تلك الدول أن تصبح دولة واحدة لأن البحيرة توحدها.

وفي هذا الصدد، لا تنس أن ليبيا حسب تقرير التنمية البشرية لـ2010 سجلت البلد الثاني في التنمية البشرية على الصعيد العالمي؛ إذ لا يوجد في ليبيا أميون. يعني هي متقدمة على الصين والهند وأمريكا والبرازيل وإسرائيل، ثم في الجانب الصحي كذلك.

القذافي قاد حربا ضد الكنيسة، لأن الكنيسة وكما هو معروف، هي أداة ومقدمة الاستعمار، والمقصود هنا هي الكنيسة الكاثوليكية، يعني أن الفاتيكان تعتبر من أخطر الهيآت الاستعمارية في العالم، وتستعمل الدين لتمرير أهدافها الاستعمارية، وأكبر من كان يواجهها هي التنظيمات التي كانت تمولها ليبيا.

وهكذا استطاع العقيد القذافي أن يضع تحت لوائه ثلاثمائة ملك وشيخ قبيلة في أفريقيا وما يرتبط بهم من المدرسين الذين يدرسون القرآن في المسيد هم أيضا كانوا يتلقون أجورهم شهريا من قبل ليبيا.

ويمكن استحضار أمثلة كثيرة، لكن آخرها دعمه للقضية الفلسطينية وموقفه الحكيم من الحرب الإيرانية العراقية، والذي كان ضد الخطأ الجسيم الذي قام به صدام حسين، ثم حربه ضد الحركات الإسلامية والإسلام السياسي، فهو من كان يواجه في العالم العربي الإسلام السياسي المتهور والمتهود. وكانت له الجرأة في أن يتحدث عن ذلك في خطب، إلى غير ذلك.

وفي المغرب، وعندما قررنا مشروع عشرة مليون سائح، فهو الوحيد من وقف معنا، لم تقف معنا دول الخليج، هو الذي بنى أكثر الفنادق التي تستجيب لحاجيات عشرة مليون سائح بالمغرب. نحن كنا نبعث بلباس الجيش والأمن والدرك من مصانع النسيج المغربي، وكان أي مغربي يستطيع أن يسافر إلى ليبيا بدون فيزا، ويستطيع أن يجد عملا، وإن لم يجد يعود.

والشيء الخطير الذي اشتغل عليه القذافي هو دخوله المناطق المحرمة، وهي عندما اقترح الدينار الأخضر، تماما مثلما وقع لصدام حسين عندما رفض التعامل بالدولار وحُكم عليه بالإعدام لأن روح وإله أمريكا المسلح هو الدولار في إفريقيا.

القذافي اقترح الدينار الذهبي الذي سبق لماليزيا أن اقترحته على عهد مهاتير محمد، وطبعا كانت لديه الوسائل لكي يؤسس ذلك، وعندها تقرر إعدامه، والمسألة الأخطر هي امتلاك الحرب الثقافية، حيث انتبه إليها وانتبه إلى أن أخطر وسائل الغرب للهيمنة والسيطرة هي الثقافة، وأخطر شيء الثقافة الجماهيرية، مثل الكرة؛ بحيث اشترى بعض النوادي الأفريقية والإذاعة والتلفزيون والإعلام، وبدأ يشتري بعض القنوات ويستثمر في الأغنية، وبدأ يشتري شركات للغناء والصحافة المكتوبة ودور النشر، وشيء من هذا القبيل.

ولهذا حالما انتبهوا إلى أن اسثتماراته لا تذهب إلى العقار والفلاحة، وإنما تذهب إلى المؤسسات المدرة ماليا، ولكن الأخطر أنها مدرة ثقافيا، عندئذ فهموا أن هذا الرجل لا يمكن التعايش معه، ولذلك يجب القضاء على نظامه.

ولهذا يقولون لم يعمل شيئا، ولكن مجموع ما هدم في ليبيا أربعمائة مليار دولار. هل تعرف معنى هذا الرقم؟ كلها منشآت. إذن هناك من الأبنية التي بدأنا الآن، عندما أصبحت الصورة شيئا ما صالحة، نراها ونرى من العمران ما لم نكن نراه عندما كان القذافي، بحيث لم يكونوا ينقلون إلا صور الأحياء الهامشية والثانوية.

لقد اغتيل القذافي بنذالة وحقارة وليست لهم الشهامة ليظهروا حتى قبره. لأنهم يعرفون أن الشعب الليبي سيجعله مزارا. استمرت طلعات السلاح الفرنسي تحطم إلى أن بلغت عشرة آلاف طلعة للتخريب، وطبعا أنا أسميها لعنة القذافي.

لا أحد ممن قاموا بالمؤامرة على القذافي سلم اليوم، جميع الذين قاموا ضده، سواء الليبيون أو غيرهم، هم الآن مهمشون أو مقتولون. والفرنسيون الذين تصرفوا ودفعت بهم أمريكا إلى التصرف، الآن ماذا في يدهم؟ هم حاولوا أن يأخذوا الكعكة التي كانت تستفيد منها إيطاليا ولكن الآن إيطاليا خسرت كمكون أوروبي، ولكن أيضا فرنسا خسرت وستربح في الأخير الرأسمالية المتوحشة الأمريكية، لذلك هم يبكون الآن على مرحلة مضت.

وأنا أقول إن كلام صاحب الجلالة في القمة المغربية الخليجية مهم ومهم جدا، ولكن يجب أن ننتبه إلى أن البعض يريد توظيفه وتحريفه والالتفاف عليه، لأن أولئك الذين تورطوا في شيء اسمه الربيع العربي، بما في ذلك ليبيا نفسها، ليس في مصلحتهم كلام صاحب الجلالة، ولذلك يؤولونه تأويلا مغرضا لكي يصبح له دلالة مخالفة لدلالته الحقيقية.

هسبرس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى