كلمة في حقَ الراحل اسماعيل ولد اعبيدن

إسماعيل ولد سيد أحمد ولد عبد الرحمن ولد اعبيدن، ولأمه فاطم بنت أعـْلـُيَّ، ولد بمدينة أطار سنة 1924م، حيث تلقى تعليمه في المدرسة الفرنسية، وكان من ابرز النخب المتعلمة إبان فترة الاستعمار، فوصفه الحاكم العسكري لولاية آدرار بأنه لم يـرُد للفرنسيين معروفهم، حين تعلم في مدارسهم وتخرج منها ومع ذلك عارضهم من خلال دعمه  للمرشح المناوئ لهم السيد أحمدُ ولد حرمه.

تربى في أحضان والده إمام المسجد العتيق الجامع بمدينة أطار  سيد أحمد ولد عبد الرحمن ولد اعبيدن، وهو في عهده  أحد أهم رجالات المقاومة ضد المستعمر الفرنسي، فكان أحد القواد الرئيسيين لمعركة “المينان” سنة 1908،  وتقع المينان في تكانت قريبا  من  الخط  الفاصل بينها و آدرار، وتعتبر هذه المعركة من أبرز وأشهر المعارك الجهادية ضد المستعمر الفرنسي، حيث تكبد فيها المستعمر خسائر بشرية ومادية معتبرة، مما دفعه لاحتلال مدينة أطار.

فما كان من الابن إلا أن تزود  من هذه الروح الجهادية لدى والده المباشر، الرافضة للوجود الأجنبي والحريصة على قيم الإسلام الناصع.

انتمى مبكرا إسماعيل –رحمه الله –  للجهة السياسية الرافضة للاستعمار الفرنسي، حيث انخرط في حزب النهضة ليصبح من ابرز قياداته إلى جانب الشيخ ولد سيدها وغيره.

وقد عرف في ريعان شبابه بالحيوية وقوة الشخصية والطموح الواسع.

زار ذات مرة في نهاية الخمسينات من القرن المنصرم مدينة بور أتين (نواذيبو حاليا)، فتصادف مجيئه مع تنظيم السلطات الفرنسية لانتخابات بلدية، فقرر المشاركة فيها، فما كان من الحاكم العسكري الفرنسي إلا أن كتب للسلطات الفرنسية قائلا: “لقد تقدم شاب شمسدي ديناميكي للمشاركة في الانتخابات البلدية وحصل على نسبة 25% ، وهو القادم بصعوبة إلى بور أتين”.

وكان إسماعيل ولد اعبيدن  بسبب مكانته ومكانة أبيه من قبله، حاضرا فيما كتبه الفرنسيون عن مدينة أطار وعن ولاية آدرار عموما ، ولم يزل مصرا على النهج النضالي المعارض للمستعمر الفرنسي، ضمن حزب النهضة ، إلى أن هاجر إلى المغرب، بسبب عدم انسجامه مع النظام القائم وحرصه على خيار الخروج المبكر للاستعمار.

درَّس إسماعيل ولد اعبيدن في بداية الأربعينات في مدرسة “كنوال”، ثم ما لبث أن غادر إلى المغرب سنة 1960م هو ورفاقه من شباب النهضة ورجالاتها.

ويحسن التوضيح في هذا المقام أن التوجه الأساسي لشباب النهضة وقياداتها لم يكن في الغالب إلا إحراز استقلال حقيقي عن المستعمر الفرنسي، ولم يخرجوا من وطنهم إلا اضطرارا، بعدما أٌعتقلت قياداتهم.  

ومن الناحية الاجتماعية أنجب  إسماعيل ولد اعبيدن  وتوفي عن ستة أبناء، حفظهم الله.

واشتغل عند ذهابه إلى المغرب بالتجارة، ليصبح في فترة وجيزة رجل أعمال ناجح واعد، وفي مطلع السبعينات استقرت أغلب استثماراته في موريتانيا، ودخل في قطاع النقل البحري والصيد تباعا، وكان يمثله في نواذيبو في قطاع الصيد ولسنوات عديدة، ابن عمه محمد ولد محمد الحسن ولد العاتيق، حيث أثمرت تلك التجربة في ذلك الميدان البكر، كما اشتهرت شركته “سوجكو”في مجال “اترانزيت” وجابت الآفاق، عبر ممثليات في كثير من الدول، حتى  باتت عمليا من أشهر الشركات العاملة في ميدانها بموريتانيا.

عرف إسماعيل  بالذكاء الخارق  والخلق الجم، كما عرف  بالصرامة والاستقامة التامة في مجال الأعمال، ولم يقبل أسلوب الرشوة مطلقا للحصول على الحظوة، كما قد يتساهل في ذلك أحيانا بعض المشتغلين في الميدان التجاري.

وقد ابتعد عن التزلف للأنظمة في أي بلد، مفضلا الاعتدال والوسطية والسمت المسالم الإيجابي.

وبحكم طبيعة شخصيته القوية ونضاله السياسي ضد الاستعمار وتميزه بعد ذلك في قطاع الأعمال، يعتبر إسماعيل ولد اعبيدن أحد مشاهير الوطن ، ترك بصمته النافعة بوضوح وجلاء، تجاوز الله عنه وتقبل أعماله الصالحة ورفعه برضوانه إلى الفردوس الأعلى من الجنة، اللهم آمين.

حتى بعد موته ظل متشبثا بالوطن والجذور، فأوصى  أن يدفن إلى جوار والده في مقبرة أطار ، المعروفة شهرة ب “أولاد ميجه”، وكان له ذلك، حيث أوري الثراء اليوم الاثنين، بعد أن صلى عليه جمع غفير في ساحة “رك الصلاة”، وسط مدينة أطار،  وقد نقل جوا على متن طائرة خاصة من الرباط إلى مدينة أطار، مسقط رأسه، رحمه الله.

وللتذكير توفي الراحل مساء السبت، بعد صلاة المغرب، الموافق 20 رمضان 1437هـ/25 حزيران(يونيو) 2016.

وبهذه المناسبة الأليمة نعزي جميع أفراد الأسرة الكريمة وسائر الأهالي وجموع الشعب الموريتاني في هذا الفقيد الغالي، رحمه الله.

تقبل الله منه صالح أعماله وتجاوز عما سوى ذلك، ولا حول ولا قوة إلا باله العلي العظيم.

ولا نقول إلا ما يرضي الرحمان:”إنا لله وإنا إليه راجعون”، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.

اللهم اجعله ممن قلت فيهم: “”إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ  وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ  نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ”.

“ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا”

   اللهم نور قبره واجعله روضة من رياض الجنة وتغمده بجزيل رحمتك الواسعة، وارحمنا إذا صرنا مثله وارحم والدينا أجمعين وارحم سائر موتى المسلمين.

العنوان الأصلي للمقال:

إسماعيل ولد اعبيدن : أحد مشاهير الوطن اختاره الله إلى رحمته/ بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى